الجنسية الأجنبية وسيلة ضغط سياسي للإفراج عن معارضين مصريين

القاهرة - أثار الناشط السياسي المصري علاء عبدالفتاح جدلاً واسعًا بعد الإعلان عن حصوله على الجنسية البريطانية في محاولة للضغط على الحكومة المصرية للإفراج عنه.
وتكررت وقائع الاحتماء بالجنسيات الأجنبية لعدد من المحبوسين كخطوة تمهد للإفراج عنهم وترحيلهم من البلاد، وهو ما يندرج في سياق الضغوط التي مارستها حكومات غربية على الحكومة لإطلاق سراح ناشطين محبوسين بتهم مختلفة.
وقال بيان صادر عن أسرة عبدالفتاح، الاثنين، إنه حصل على الجنسية البريطانية داخل سجنه هو وشقيقتاه، منى وسناء، بعد أن تقدموا بطلب بهذا الشأن عام 2019 كون والدتهم، الأكاديمية ليلى سويف، ولدت في لندن عام 1956.
ويقضي الناشط المصري عقوبة السجن لمدة خمس سنوات على خلفية اتهامه بنشر وبث وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها.
ودخل عبدالفتاح مؤخرا في إضراب عن الطعام احتجاجاً على ما قال إنها “انتهاكات وقعت بحقه داخل محبسه”، وبدا أن ذلك جاء متزامنًا مع علمه بالحصول على جنسيته الأخرى.
ورفعت أسرة علاء عبدالفتاح الذي قضى فترات طويلة داخل السجن على ذمم قضايا مختلفة أثناء حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك وبعدها، مطلبين لفك إضرابه، الأول كمواطن مصري “انتداب قاضي تحقيقات للتحقيق في كافة الشكاوى والبلاغات المتعلقة بكافة الانتهاكات التي تعرض لها”.
والمطلب الثاني كمواطن بريطاني “السماح بزيارة من القنصلية البريطانية له في محبسه للتداول في المسارات القانونية المتاحة أمامه وتمكينه من التنسيق مع محامي الأسرة بإنجلترا لاتخاذ الإجراءات القانونية الممكنة أمام القضاء البريطاني ليس فقط بما تعرض له من انتهاكات، بل الجرائم ضد الإنسانية التي شهدها على مدار حبسه”.
ويكفل القانون البريطاني حماية قانونية كبيرة لكل من يحملون الجنسية البريطانية إلا في البلد الأم، ما يقلل من الأهمية السياسية التي يتحصل عليها عبدالفتاح من لندن.
وأكد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) جورج إسحاق أن استخدام ورقة الجنسية الثانية للإفراج عن المحبوسين لا يخدم الصورة السياسية التي تحاول الحكومة رسمها أمام المجتمع الدولي بشأن تحسن أوضاع حقوق الإنسان وتدحض الاستراتيجيات والخطط التي رسمتها لبناء جسور الثقة مع المجتمع المدني.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الجنسية البريطانية لن تخدم علاء عبدالفتاح بالصورة الكاملة، حيث يقضي فترة العقوبة على ذمة قضية جرى إصدار حكم قضائي نهائي فيها، وأن حالات الإفراجات السابقة تم أغلبها لحالات في الحبس الاحتياطي.
وجاءت واقعة حصول علاء عبدالفتاح على جنسية أجنبية بعد الإفراج عن الناشط رامي شعث في يناير الماضي الذي يحمل جنسية فلسطينية إلى جانب جنسيته المصرية ومتزوّج من فرنسية، وكانت مسألة إطلاق سراحه مثار نقاش أثناء لقاء جمع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي قبل عام ونصف العام تقريبًا.
توظيف الجنسية الأجنبية للمعارضين هو شوكة سياسية في ظهر الحكومة المصرية لا تحمل أبعادا إنسانية بقدر كونها وسيلة مناسبة للتعامل مع تجاهل القاهرة للتقارير الدولية المندّدة بأوضاع حقوق الإنسان على أراضيها
وتعلق في الأذهان لحظة وصول شعث إلى مطار شارل ديغول في فرنسا ممسكا بيد زوجته الفرنسية سيلين ليبرون كمن حقق انتصاراً قبل أن يشن حملة إعلامية على الحكومة المصرية تطرق فيها إلى أوضاع السجون وحظيت باهتمام منظمات حقوقية.
وجرى الإفراج عن الباحث المصري باتريك جورج زكي في ديسمبر الماضي بعد ضغوط مارستها روما على القاهرة وإعلان البرلمان الإيطالي موافقته على منحه الجنسية الإيطالية، وتردد أن هذه الخطوة من أسباب إخلاء سبيله في ديسمبر الماضي.
وقال رئيس المنتدى العربي – الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري إن تكرار وقائع الاحتماء بالجنسيات الأجنبية يعد من قبيل التحايل على القانون وأحد أنواع الإفلات من العقاب الجنائي، وبات ورقة ضغط سياسية على الحكومة، تكمن خطورتها في أن البعض من هؤلاء يشكلون خطراً على الأمن القومي المصري.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن بعض المعارضين، ومنهم علاء عبدالفتاح أصبحوا أداة تستخدمها حكومات غربية للضغط على القاهرة في مجال حقوق الإنسان، وفي حال الإفراج عنه من المتوقّع أن يدشّن حملة إعلامية لانتقاد السجون والأوضاع الحقوقية بوجه عام في مصر، كما حدث مع رامي شعث.
وأشار إلى أن الحكومة البريطانية تبعث برسائل سلبية إلى المصريين المقيمين في أراضيها، وتفرض إجراءات مشددة على منح الجنسية لهم بينما تمنحها بسهولة لأحد المحبوسين على ذمة قضية جنائية.
ويقول متابعون إن توظيف الجنسية الأجنبية للمعارضين هو شوكة سياسية في ظهر الحكومة المصرية لا تحمل أبعادا إنسانية بقدر كونها وسيلة مناسبة للتعامل مع تجاهل القاهرة للتقارير الدولية المندّدة بأوضاع حقوق الإنسان على أراضيها.
ولدى منظمات حقوقية قناعة بأن القاهرة أسهمت دون قصد في استغلال الجنسية الأجنبية للناشطين والمتهمين والمحبوسين، لأنها أصدرت قانوناً قبل ثماني سنوات سمح بتسليم المحكوم عليهم في قضايا داخل مصر ويحملون جنسية أخرى أو جنسية مزدوجة إلى دولهم شرط التنازل عن الجنسية المصرية، وهو ما قاد للإفراج عن عدد من المعارضين الحاملين لجنسيات مختلفة الفترة الماضية.
ويعد الصحافي السابق في شبكة الجزيرة محمد فهمي أول حالة يسجّل فيها التنازل عن الجنسية المصرية لتفادي الأحكام القضائية والسجن بمصر، حيث رحّل إلى كندا التي يحمل جنسيتها.
وتكرّر الأمر مع متهمين آخرين أبرزهم محمد سلطان، ابن القيادي في جماعة الإخوان صلاح سلطان، فبعد تنازله عن الجنسية المصرية سمح له بالمغادرة إلى الولايات المتحدة التي تدخلت لترحيله، والمصري الألماني محمود محمد عبدالعزيز الذي حصل على قرار بترحيل إلى ألمانيا بعد تنازله عن الجنسية المصرية.
وتتعامل الحكومة المصرية مع التنازل عن الجنسية كعقوبة بديلة لأنه لن يكون مسموحاً له بالعودة مرة أخرى للبلاد بصفته المصرية ويحرم من حقوقه الدستورية.
ورغم ترحيب المتهمين بالجنسية الأجنبية، إلا أنه قد تترتب عليها مشاكل اجتماعية وإنسانية عديدة، خاصة للمتزوجين من مصريين، فبعد تلاشى تأثيرات الاهتمام الإعلامي والسياسي للمفرج عنه تتولد أزمات للأسرة.
وتتشكك دوائر سياسية في أن يمضي علاء عبدالفتاح على طريق معارضين آخرين تنازلوا عن جنسيتهم أملاً في إطلاق سراحه، مؤكدة أن القرار في يد جهات عدة تدرس القضية من جميع أبعادها كي لا يؤثر قرار الإفراج من عدمه على العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تضغط باتجاه الإفراج عن مواطنيها.