الجمود السياسي يدفع أيرلندا الشمالية إلى انتخابات مبكرة

خلافات بريكست تقوض الاستقرار الهش في المقاطعة البريطانية.
الجمعة 2022/10/28
انتخابات ثانية خلال عام واحد

رغم انتهاء المهلة الدستورية لتشكيل حكومة في أيرلندا الشمالية لا تزال خلافات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) تعصف بالأحزاب السياسية الرئيسية، ما يحتم التوجه إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة قد تحقق اختراقا.

بلفاست - يدفع الجمود السياسي إلى إجراء انتخابات مبكرة في أيرلندا الشمالية، بعدما فشلت جهود الحكومة البريطانية في وضع حد لأشهر من التجاذبات بشأن وضعها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أملا في تحقيق انفراجة.

وأجرى كريس هيتون – هاريس، الوزير المكلف بشؤون أيرلندا الشمالية في الحكومة البريطانية، الخميس محادثات مع الأحزاب السياسية في محاولة أخرى لحملها على تشكيل حكومة جديدة.

وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول الجمعة فستكون لندن مطالبة قانونيا بالدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة للبرلمان في المقاطعة المضطربة.

وجاء في بيان حكومي أن هيتون – هاريس تحدث إلى زعماء الأحزاب في بلفاست الأربعاء “لتأكيد أهمية إعادة الحكومة في أيرلندا الشمالية”.

كريس هيتون – هاريس: إذا لم تشكَّل حكومة بحلول الجمعة سأدعو إلى انتخابات
كريس هيتون – هاريس: إذا لم تشكَّل حكومة بحلول الجمعة سأدعو إلى انتخابات

وأضاف “إذا لم تشكَّل حكومة بحلول الثامن والعشرين من أكتوبر فسأدعو إلى إجراء انتخابات”. وتابع “الوقت ينفد. الناس يستحقون حكومة مفوضة وخاضعة للمساءلة”.

ووضع حزب “شين فين” القومي، الواجهة السياسية السابقة للمنظمة شبه العسكرية في الجيش الجمهوري الأيرلندي، حدا لهيمنة استمرت قرنا للوحدويين الديمقراطيين الموالين للمملكة المتحدة، ليصبح هذا الفصيل القومي الأوسع تمثيلا في أيرلندا الشمالية.

وانتصار “شين فين” يمكّنه من تعيين رئيس للحكومة العتيدة، لكنّ المحادثات الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة تبدو معقّدة، إذ يرفض الحزب الوحدوي الديمقراطي الذي حل ثانيا المشاركة في أيّ حكومة دون تعديل الاتّفاق التجاري المبرم بين المملكة المتحدة والاتّحاد الأوروبي لمرحلة ما بعد بريكست.

وتصدّر “شين فين”، المؤيد لإعادة التوحيد مع جمهورية أيرلندا، الانتخابات في أيرلندا الشمالية بعد اقتراع الخميس، وفاز بـ27 مقعدا من أصل 90 في الجمعيّة الوطنيّة، مقابل 25 مقعدا لمنافسه الحزب الوحدوي الديمقراطي المؤيّد للتاج البريطاني.

وبعد أن بيّنت النتائج فوز حزبها خاطبت زعيمة “شين فين” ميشال أونيل مناصري الحزب ووسائل الإعلام قائلة “ندخل حقبة جديدة. إنّها لحظة مفصليّة لسياساتنا وشعبنا”.

وأشارت إلى أنّها ستنتهج أسلوب قيادة يُشرك الأطراف كافة و”يحفل بالتنوّع بما يضمن الحقوق والمساواة لمن استُبعِدوا”.

وقالت أستاذة علم الاجتماع السياسي في جامعة كوينز في بلفاست كاتي هايوارد “يمكننا أن نتصور بكل سهولة أن يستنفد الجميع كل الوقت في التفاوض”.

واستدركت قائلة “لكن نظرا إلى الإسراع الذي تفرضه كلفة المعيشة وأزمات النظام الصحي، ينبغي تشكيل حكومة. ويمكننا بعد ذلك التفكير في إجراء تعديلات أكبر على اتفاقية الجمعة العظيمة”.

حزب "شين فين" القومي وضع حدا لهيمنة استمرت قرنا للوحدويين الديمقراطيين الموالين للمملكة المتحدة

وأيرلندا الشمالية دون حكومة عاملة منذ فبراير عندما أطاح الحزب الوحدوي الديمقراطي المؤيد للتاج البريطاني بالسلطة التنفيذية بسبب معارضته الشديدة لقواعد التجارة المتعلقة بمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويريد الحزب تعديل أو إلغاء بروتوكول أيرلندا الشمالية الذي وافقت عليه لندن وبروكسل كجزء من اتفاق بريكست الذي أبرم في عام 2019، بحجة أنه يضعف مكانة المقاطعة داخل المملكة المتحدة.

ووافقت المملكة المتحدة على أن تظل أيرلندا الشمالية في السوق الأوروبية الموحدة للسلع عندما غادرت الاتحاد الأوروبي، لتجنب إقامة حدود على الجزيرة الأيرلندية.

وهذا يتطلب أن تخضع السلع التي تغادر بريطانيا العظمى إلى أيرلندا الشمالية للبيانات الجمركية بينما تخضع الأغذية والحيوانات لتفتيش صحي.

وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثيرت المخاوف من أن تشديد الضوابط عند الحدود بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية، التي مازالت جزءا من المملكة المتحدة، قد يسهم في احتداد التوترات الطائفية التي لم تهدأ سوى في العقدين الأخيرين.

وتدفع الحكومة البريطانية بمشروع قانون لتعديل الاتفاق بشكل أحادي لتمنح الوزراء صلاحيات إلغاء نقاط التفتيش عند البحر الأيرلندي التي تمت إقامتها بموجب بروتوكول ما بعد بريكست.

وترغب الحكومة البريطانية في اعتماد نظام جديد بحيث تمر البضائع المتداولة والمتبقية داخل بريطانيا عبر “قناة خضراء جديدة” وتحررها من الإجراءات الإدارية. وتبقى البضائع الموجهة إلى الاتحاد الأوروبي خاضعة لجميع الضوابط المطبقة بموجب قانون الاتحاد الأوروبي.

ميشال أونيل: ندخل حقبة جديدة. إنّها لحظة مفصليّة لسياساتنا وشعبنا
ميشال أونيل: ندخل حقبة جديدة. إنّها لحظة مفصليّة لسياساتنا وشعبنا

لكن إبقاء الحدود مفتوحة ينطوي على خطر دخول منتجات بريطانية إلى الاتحاد الأوروبي دون فحصها، وهذا هو سبب إصرار التكتل الأوروبي على تشديد القيود بين أيرلندا الشمالية وبريطانيا العظمى.

ويؤسس تحرك بريطانيا الأحادي، الذي يهدف إلى تعديل بروتوكول أيرلندا الشمالية، لحلقة جديدة من التوتر مع بروكسل التي هددت بفرض إجراءات عقابية تجارية إن تم تجاوزها. ويرى البريطانيون في تعديل بعض بنود الاتفاق ضرورة ملحة للحفاظ على اتفاق الجمعة العظيمة فيما يرى الأوروبيون في ذلك انتهاكا لاتفاق انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأنشأ البروتوكول الذي أبرم لحماية السوق الأوروبية الموحدة حدودا جمركية في بحر أيرلندا لإبقاء أيرلندا الشمالية في المدار الجمركي للاتحاد الأوروبي وتجنب إنشاء حدود برية بين المقاطعة البريطانية وجمهورية أيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، وحماية اتفاق الجمعة العظيمة الذي وقّع عام 1998 ووضع حدا لأعمال عنف دامية استمرت عقودا وأسفرت عن مقتل 3500 شخص.

لكن الوحدويين يرون أنه يشكل تهديدا لمكانة المقاطعة داخل المملكة المتحدة التي يرتبطون بها بشدة. ويرفض الحزب الوحدوي لأيرلندا الشمالية المشاركة في حكومة جديدة في بلفاست، في حال عدم تعديل البروتوكول.

انتصار "شين فين" يمكّنه من تعيين رئيس للحكومة العتيدة، لكنّ المحادثات الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة تبدو معقّدة

وأقر البروتوكول بوضعية أيرلندا الشمالية كمنطقة هشة خارجة من نزاع، تتشارك الحدود البرية الجديدة للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي.

أما جمهورية أيرلندا المجاورة لأيرلندا الشمالية والعضو في الاتحاد الأوروبي فهي متخوفة بشكل خاص من تداعيات قرار بريطاني أحادي محتمل. وعبّر وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني عن قلقه من إمكانية تعرض “الثقة” لضربة تصعّب عملية “إيجاد حلول”، وقال إنه “يأسف كثيرا” لما يصدر عن بريطانيا.

وفي وقت سابق ذكر ماروس سيفكوفيتش كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن بريكست أن الاتحاد الأوروبي يمكنه خفض نقاط التفتيش الجمركية عبر البحر الأيرلندي لتقتصر على عدد قليل من الشاحنات في اليوم.

وقال سيفكوفيتش في تصريحات أدلى بها لصحيفة فاينانشال تايمز إن خطط المفوضية الأوروبية تنص على حدود تجارية “غير مرئية”، شريطة أن تقدم المملكة المتحدة لمسؤولي الاتحاد الأوروبي بيانات فورية عن الحركة التجارية.

وأضاف أنه لا يوجد تقريبا فارق بين مطلب المملكة المتحدة الداعي إلى “عدم وضع نقاط تفتيش” وعرض الاتحاد الأوروبي الذي يقضي “بوضع الحد الأدنى من نقاط التفتيش بأسلوب غير مرئي”.

5