الجمعيات الخيرية وجه من أوجه التغيرات الحاصلة في المجتمع المدني السعودي

لندن- ينفي كتاب صدر مؤخرا ما يقال بشأن تراجع نشاط المجتمع المدني في السعودية، ويسلط الضوء على ازدهار قطاع الجمعيات الخيرية على وجه الخصوص.

وتؤكد الأكاديمية في الجامعة العبرية بالقدس نورا دربال في كتاب عن الجمعيات الخيرية في السعودية، الذي نشرته مطبعة جامعة كامبريدج في 2022، استمرار حيوية المنظمات الخيرية.

ويمتد النشاط الخيري، وهو إحدى اللبنات الأساسية للمجتمع المدني، داخل القطاع الثالث، أي المنظمات غير الحكومية الخاضعة لسيطرة شديدة، وخارجه.

 وتغيرت أشكال الأنشطة الخيرية منذ 2015 بعد سن قانون المنظمات غير الحكومية الذي مهد لها الطريق في المملكة.

وأصبحت للقطاع الثالث صورة جديدة قدمتها الحكومة كمحرك رئيسي للتنمية، في ظل سعي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإعادة تشكيل اقتصاد البلاد والمجتمع السعودي في إطار رؤية 2030.

وتقول الكاتبة الصحافية كارولين مونتاغو ضمن مقال في موقع عرب دايجست “نجح القطاع الخيري  في تعديل اختصاصاته، حيث يستمر في الوفاء بمتطلباته الإسلامية ويُظهر مرونته واستقلاليته الكامنة”.

ونشرت دربال كتابا مهما عن جوانب العمل الخيري والمجتمع المدني في السعودية وكيفية سير الأمور في ظل نظام بن سلمان. وشبّعت الكتاب بما استخلصته من عملها الميداني في الحجاز من عام 2009 إلى عام 2020.

ويقدم الكتاب مساهمة كبيرة في الدراسة الأكاديمية للعمل الخيري في المملكة العربية السعودية، وهو موضوع لم يحظ بالاهتمام الأكاديمي الجاد إلا منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي.

وتقول مونتاغو إن خبرة دربال تسمح لها بالتدقيق في المؤسسات الخيرية “من أسفل إلى أعلى”، على عكس معظم الأكاديميين، مثل أوغسطس نورتون الذي ينظر إلى المجتمع المدني “من أعلى إلى أسفل”، وغيره ممن لا يدركون التعقيد والتنوع والصفات الفريدة التي يتميز بها المجتمع السعودي.

ومن بين هذه المنظمات جمعية ماجد التي تتخذ من جدة مقرا لها، والتي انطلقت في 2001. وجسّدت دراسة حالة مثالية مع تغييرها لغتها وأنشطتها. وتتوافق جميع برامجها في 2020 مع رؤية 2030.

وبدأت دربال بحثها منذ 2009 في جدة، حيث تلقت منها التمويل والترحيب والتشجيع. وازداد اهتمامها بعد فيضانات 2009 في جدة التي خلقت مجتمعات جديدة غير عادية من الشباب والمجتمع المدني. ثم اكتسبت بين 2009 و2013 فهما حقيقيا للالتزام المدني تجاه فقراء جنوب هذه المدينة، من خلال مؤسسة الخيرية وهي أول جمعية لرعاية المرأة ومن خلال مجموعة المبادرة الشبابية التي نشأت بعد فيضانات 2009.

وتأسست أبحاث دربال على الحجاز وجدة. وتصف في مقدمتها قيم الأعمال الخيرية كما هي مفسرة في جدة ولكنها تعتمد نفس المفاهيم لتغطية المملكة ككل. وتركز على أربعة مُثُل: معنى الرفاهية من خلال جمعية الخيرية بجدة، وإدارة الفقر والتنمية الوطنية من خلال جمعية ماجد، والتفاوض على الجنسية والانتماء من خلال مجموعة المبادرة الشبابية، والمتعة والحرية والنمو الشخصي.

لكن أبحاثها كانت قليلة نسبيا في الجمعيات الخيرية في الرياض حتى حصلت على منحة في 2020 من مؤسسة الملك فيصل الخيرية.

ثم قامت بعمل ميداني ممتاز مع النهضة، أول جمعية خيرية نسائية في المملكة العربية السعودية. وعملت أيضا مع مؤسسة الملك خالد في الرياض، وهي المنظمة الجامعة للمنظمات غير الحكومية. وتختلف نجد عن الحجاز بتفسيرات أكثر صرامة للإسلام. وتستضيف المناطق النائية في بريدة وعنيزة جمعيات خيرية نشطة وبعيدة النظر، مثل جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية النسائية بالقصيم في مدينة بريدة. ويتطلب اتساع نطاق الجمعيات الخيرية في نجد المزيد من العمل المركّز، لكنها لم تهتم أبدا بغير السعوديين كما فعلت الحجاز، ورعاية الأشخاص الذين بقوا بعد الحج وعاشوا هناك لأجيال.