الجفاف ينذر بموسم كارثي لإسبانيا أكبر منتج لزيت زيتون في العالم

مدريد - تثير موجة الجفاف القاسية ودرجات الحرارة المرتفعة بصورة غير طبيعية في إسبانيا مخاوف المزارعين من تسجيل “كارثة” في قطاع إنتاج زيت الزيتون في البلد الذي يُعد أكبر مصدّر لهذا المنتج في العالم.
ويشهد القطاع الذي تضرر بصورة كبيرة العام الماضي تراجعا في الإنتاج ويواجه احتمال تسجيل نقص في كميات الزيت ما يجعله على أبواب “سنة سوداء”.
ويقول كريستوبال كانو الأمين العام لاتحاد صغار المزارعين في إقليم الأندلس جنوب إسبانيا، والذي يعتبر مركز زراعة الزيتون في البلاد، لفرانس برس إن “التربة جافة بسبب انحباس الأمطار بالكامل تقريباً منذ يناير” الماضي.
ولم يشهد هذا الأربعيني الذي يملك عشرة هكتارات من أشجار الزيتون في ألكالا لا ريال بجنوب البلاد، يوما مثل هذا الوضع المقلق في مسيرته الممتدة منذ عشرين عاما. ويحذر قائلا “إذا لم نشهد أي تغيير جذري في الأسابيع المقبلة، سنكون أمام كارثة”.
وتشير هيئة الأرصاد الجوية المحلية إلى أن كمية الأمطار المتراكمة منذ مطلع أكتوبر الماضي أقل من المستوى الطبيعي بنسبة 25 في المئة على الأراضي الإسبانية بالمجمل.
وبالنسبة إلى الأندلس فإن الأمطار تراجعت في جزء كبير من الإقليم إلى النصف عن مستواها الطبيعي، حيث خزانات المياه لم تصل سوى إلى 25 في المئة من قدرتها الإجمالية.
وتفاقم هذا النقص الصارخ في سقوط الأمطار نهاية أبريل الماضي جراء موجة حر مبكرة بشكل استثنائي.
وقد سُجل مستوى قياسي مطلق لهذا الشهر في البر الرئيسي الإسباني في قرطبة بمنطقة الأندلس، مع حرارة بلغت 38.8 درجة مئوية، ما يشبه المستويات المسجلة عادة في شهر أغسطس.
ويذكّر مدير جمعية منتجي الزيتون ومصدّريه رافاييل بيكو بأن هذا الوضع “تزامن مع تفتّح أزهار” شجر الزيتون، مُبديا خشيته من يباس الأزهار على الأشجار. ويقول “من دون نمو للزهور، لا زيتون، ومن دون زيتون، لا زيت”.
وبالنسبة إلى إسبانيا، التي تزود أسواق العالم عادة بنصف احتياجاتها من زيت الزيتون، مع صادرات تقارب ثلاثة مليارات يورو سنويا، فإن الوضع مثير للقلق بشكل أكبر مع خروج القطاع من وضع كارثي لموسم 2022 – 2023.
وبسبب نقص المياه ودرجات الحرارة القصوى، استقر إنتاج زيت الزيتون الإسباني عند نحو 660 ألف طن، مقارنة بحوالي 1.48 مليون طن في الموسم الماضي، بانخفاض قدره 55 في المئة وفق وزارة الزراعة.
ويُتوقع أن يتكرر السيناريو نفسه هذا العام. ويقول رافائيل سانشيز دي بويرتا مدير عام تعاونية دي كوب الرائدة في مجال الزيتون في إسبانيا “نظرا لتوقعات الطقس، يبدو الأمر واضحا تقريباً: نحن في طريقنا إلى عام قاتم جديد”.
660
ألف طن إنتاج الموسم الحالي مقارنة مع 1.48 مليون طن قبل عام، بانخفاض قدره 55 في المئة وفق وزارة الزراعة
ويعرّض ذلك مزارع كثيرة للخطر. ويؤكد دي بويرتا أنه “بالإمكان تحمل عام سيء، فهذا جزء من تقلبات الزراعة. لكن مع عامين سيئين متتاليين، يكون الوضع كارثياً. بات الكثيرون بالفعل على شفير الهاوية”.
ومن شراء الآلات إلى دفع الرواتب وسداد القروض، “يحتاج المزارعون إلى المال للحفاظ على نشاطهم”، بحسب رافائيل بيكو، الذي يرى أن “القطاع بأكمله سيعاني”. ويقول “في إسبانيا، زيت الزيتون يوفر لقمة العيش للكثير من الناس”.
وبالنسبة إلى المستهلكين، فإن التوقعات قاتمة أيضاً. ويذكّر بيكو بأن “السعر العالمي لزيت الزيتون يعتمد إلى حد كبير على ما يحدث في إسبانيا”، متوقعا حصول توترات في السوق.
وفي الأشهر الأخيرة، قفزت الأسعار بشكل ملحوظ. وتلاحظ فاني دي غاسكيه من شركة الوساطة بايون إنتركور أن “زيت الزيتون كان يُباع في منتصف أبريل بسعر 5800 يورو للطن، بينما كان بسعر 5300 يورو في يناير الماضي و3500 يورو في يناير 2022.
ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه النزولي لفترة أطول. وفي الأندلس، ليست لدى أشجار الزيتون الصغيرة “جذور نامية بشكل كافٍ لسحب المياه” من الأعماق. وتتوقع دي غاسكيه تسجيل “خسائر” مع تأثير على الإنتاج لمدة “عامين أو ثلاثة أعوام”.
وفي ضوء ذلك، خفضت الحكومة ضريبة القيمة المضافة على زيت الزيتون من 10 إلى 5 في المئة نهاية العام الماضي، كجزء من خطة مكافحة التضخم. ولدعم المزارعين المتضررين من الجفاف، خفضت أيضا ضريبة الدخل للقطاع بنسبة 25 في المئة.
لكنّ هذه التدابير اعتُبرت غير كافية في مواجهة الأزمة التي تلوح في الأفق. ويقول دي بويرتا إن “خفض ضرائب الدخل للأشخاص الذين لن يحصلوا على أي شيء تقريباً، لن يساعد كثيراً”، داعياً إلى خطة أوسع لمواجهة “الجفاف الذي سيستمر”.