الجفاف يغير مسار الصناعة في ألمانيا

الطلب على الشحن النهري انخفض بموازاة تراجع النشاط الاقتصادي في البلاد.
الخميس 2023/07/27
موعد الرحلة سيتأخر بعض الوقت

يفرض الجفاف الذي يضرب ألمانيا على العديد من الشركات الصناعية تغيير مسار أعمالها للتأقلم مع الوضع خاصة وأنها تعتمد في شحن منتجاتها على نهر الراين الذي يشكل عصب الحياة التجارية في قلب مصنع أوروبا، إذ باتت تجارتهم أكثر صعوبة.

فرانكفورت (ألمانيا) - تبحث الصناعة الألمانية عن طرق جديدة لنقل الشحنات من الفحم إلى الكيماويات مع استمرار انخفاض منسوب المياه في نهر الراين في تعطيل أكبر اقتصاد في أوروبا.

ويعد النهر البالغ طوله 1230 كيلومترا، وجهة سياحية مشهورة عالميًا وجزءا من الاعتزاز بالوطنية، وهو الشريان التجاري لنحو 80 في المئة من شحن البضائع داخليًا، بما في ذلك الوقود الأحفوري.

ولكن بعد فترات طويلة من انخفاض المياه في عامي 2018 و2022، أصبحت مستويات النهر مرة أخرى منخفضة للغاية بحيث لا تستطيع سفن الشحن الإبحار محملة بالكامل عندما يمكنها استيعاب ما يصل إلى 150 شاحنة.

وفي منطقة كوب، نقطة الاختناق الحرجة لصنادل الراين، انخفض منسوب المياه إلى أدنى مستوياته هذا العام في وقت سابق من هذا الأسبوع.

أوفي أرندت: انخفاض منسوب نهر الراين فرض تحديات كبيرة للشحن
أوفي أرندت: انخفاض منسوب نهر الراين فرض تحديات كبيرة للشحن

وفي العام الماضي، تم نقل نحو 182 مليون طن من البضائع عبر الممرات المائية في ألمانيا، بانخفاض مقداره 6.4 في المئة عن عام 2021 وهو الأدنى منذ إعادة توحيد ألمانيا.

ومع اجتياح موجات الحر الشديدة لجنوب أوروبا، تتوقع وكالة الممرات المائية والشحن الفيدرالية أن يستمر الاتجاه الهبوطي.

وتنقل شركة كوفيسترو الألمانية لصناعة الكيماويات أكثر من 30 في المئة من سلعها النهائية وتتلقى غالبية المواد الخام لإنتاجها عبر نهر الراين.

وقال أوفي أرندت، الذي يرأس فريق عمل الراين في كوفيسترو، إن “تغير المناخ وتزايد حدوث انخفاض منسوب المياه يفرضان تحديات كبيرة على شركة كوفيسترو وغيرها من الشركات”.

وهذا هو السبب في أن المجموعة استأجرت صندلَين منخفضي المياه قادرين على تزويد العملاء بحمض الهيدروكلوريك حتى عندما تنخفض مستويات نهر الراين في كولونيا إلى 0.4 متر.

وعلى بعد 260 كيلومترا أسفل النهر بدأت شركة بي.أي.أس.أف أيضًا في استخدام سفينة منخفضة المياه لتزويد مركز لوديغسهافن الخاص بها، والذي يحصل على حوالي 40 في المئة من مواده الخام عبر نهر الراين.

وفي حالة المواد الكيميائية السامة والقابلة للاشتعال، غالبًا ما يكون النهر هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق للنقل.

لكن مستويات كوب التي تقل عن متر تعني أن المراكب التقليدية يجب أن تخفض حمولتها بأكثر من النصف إلى أقل من 1500 طن، كما تقول تعاونية الشحن دي.تي.جي.

ومع ذلك، لا يزال بإمكان ناقلة بي.أي.أس.أف الجديدة منخفضة المياه ستولت لوديغسهافن أن تنقل حمولة تبلغ 2300 طن وتبحر عبر عنق الزجاجة كوب عند مستويات منخفضة للغاية تبلغ 30 سنتيمترا.

وأكدت باربرا هوير نائب رئيس بي.أي.أس.أف أن “المواد الكيميائية التي تعد الرقم واحد في العالم تعتمد على نهر الراين حيث يتم نقل معظم المواد الخام السائلة، بما في ذلك النافتا”.

معهد كايل يقول إن الإنتاج الصناعي يتراجع بواحد في المئة إذ انحسرت المياه في منطقة كوب
معهد كايل يقول إن الإنتاج الصناعي يتراجع بواحد في المئة إذ انحسرت المياه في منطقة كوب

ونسبت وكالة رويترز إلى هوير قولها “نحن في حاجة إلى الكثير لمواصلة الإنتاج، ومن الصعب للغاية نقل هذه الأحجام”.

واستأجرت شركة تيسينكروب، التي أعلنت القوة القاهرة خلال فترة الجفاف في عام 2018 لأنها لم تعد تتلقى ما يكفي من المواد الخام، قطارًا طويل الأجل يمكنه توفير حوالي ثلاثة آلاف طن من الفحم اللازم لصنع الفولاذ يوميًا.

ولا يقتصر تأثير انخفاض مستويات المياه على الأعمال التجارية الكبيرة، فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بنسبة 0.4 في المئة عام 2018 مع تباطؤ حركة المرور في نهر الراين.

وكقاعدة عامة، إذا انخفض منسوب المياه في كوب إلى أقل من 78 سنتميترا لمدة 30 يوما متتالية، كما كان الحال في 2022 و2018، فإن الإنتاج الصناعي ينخفض بنسبة واحد في المئة، وفقا لمعهد كايل للاقتصاد العالمي.

ويعتقد دويتشه بنك، الذي يتوقع بالفعل أن ينخفض الاقتصاد الألماني بنسبة 0.3 في المئة هذا العام، أن فترة طويلة من انخفاض مستويات المياه يمكن أن تؤخر تعافي البلاد من الركود.

ومع ذلك، قال عضو مجلس إدارة دي.تي.جي روبرتو سبرانزي إن “الطلب على الشحن قد انخفض تماشيًا مع النشاط الاقتصادي المنخفض، مما يعني أن تأثير انخفاض مستويات المياه يمكن التحكم فيه بشكل أكبر مما كان عليه في السنوات السابقة”.

وحقق الإنتاج الصناعي في ألمانيا ارتفاعا طفيفا في بداية الربع الثاني من 2023 وسط تراجع في الطلب وترد لحالة الشركات المعنوية وفق بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي.

وأشارت وزارة الاقتصاد الألمانية إلى استقرار وضع الإنتاج الصناعي، حيث ارتفع الإنتاج في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بنسبة 1.6 في المئة بمقارنة سنوية.

غير أن الوزارة التزمت أيضا الحذر في تقييمها وتوقعت حدوث انتعاش محدود في الوضع الاقتصادي الصناعي نظرا إلى تراجع الطلب وتردي الحالة المعنوية للشركات.

باربرا هوير: نحتاج إلى مواصلة الإنتاج ويصعب نقل الأحجام الكبيرة
باربرا هوير: نحتاج إلى مواصلة الإنتاج ويصعب نقل الأحجام الكبيرة

وبالنسبة إلى الصناعة، تتقلص هوامش الربح بسبب ارتفاع معدلات الشحن وتكلفة استئجار الصنادل ذات المياه المنخفضة. لكن شركات الخدمات اللوجستية تستفيد من زيادة الطلب على السفن التي تتكيف مع مستويات الأنهار المنخفضة.

وقال مايكيل أويجتيوال المدير العام لشركة ستولت – نيلسون “نتوقع، بسبب تغير المناخ، أن تحدث الظواهر المتطرفة على نهر الراين في الكثير من الأحيان”.

وأوضح أن الشركة تجري محادثات مع العديد من العملاء، الذين لديهم مواقع على نهر الراين أو بالقرب منه بشأن الصنادل منخفضة المياه، مؤكدا أن الشركات قلقة بشأن سلامة سلاسل التوريد الخاصة بها.

وتقوم شركة أتش.جي.كي الألمانية، وهي وحدة تابعة لمرفق بلدية كولونيا، ببناء ثلاث سفن من هذا القبيل للعملاء، بما في ذلك شركة تجارة الحبوب العالمية آرشر دانيالز ميدلاند.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة ستيفن باور إن “شركات الطاقة والكيماويات والصلب لديها بدائل محدودة لنقل كميات كبيرة من المواد الخام”.

وأضاف “هناك نقص في القدرات والبنية التحتية والموظفين على المدى القصير والمتوسط من أجل تحول مماثل إلى السكك الحديد والطرق”.

وترى شركة المواد الكيميائية إيفونيك، وهي أيضًا مستخدمة للقوارب منخفضة المياه، أن سكك الحديد تحتاج إلى تحديث شامل، وأن الدولة الصناعية الرائدة لا يمكنها الاعتماد على شبكة من الدرجة الثانية.

10