الجزائر وفرنسا تطويان صفحة الأزمة الدبلوماسية

الرئيس الجزائري ونظيره الفرنسي يؤكّدان أهمية العودة إلى حوار متكافئ بين البلدين باعتبارهما شريكين وفاعلين رئيسيين في أوروبا وأفريقيا.
الثلاثاء 2025/04/01
تاريخ معقد ومصالح مشتركة

الجزائر/باريس – أكد الرئيسان الجزائري عبدالمجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي يوم الاثنين، أن العلاقات بين بلديهما عادت إلى طبيعتها بعد أشهر من الأزمة الدبلوماسية، مع إعادة إطلاق التعاون في مجالَي الهجرة والأمن، ورغبتهما في "استئناف الحوار المثمر" بينهما، بحسب بيان مشترك، في خطوة تشير إلى انفتاح الطرفين على التهدئة ووضع إطار لحلحلة الأزمة.

وتحادث الرئيسان "بشكل مطول وصريح وودّي حول وضع العلاقات الثنائية والتوترات التي تراكمت في الأشهر الأخيرة"، في أول اتصال بين الزعيمين منذ يوليو الماضي، مشيرين إلى اتفاقهما على عقد لقاء قريب بينهما، دون تحديد موعد معين، وفق بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية.

وأعرب الرئيس الفرنسي عن "ثقته في حكمة وبصيرة الرئيس تبون ودعاه إلى القيام بلفتة صفح وإنسانية" تجاه الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال الذي قضت محكمة جزائرية بسجنه خمس سنوات.

وللمضي في تحسين العلاقات، سيزور وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الجزائر في السادس من أبريل "من أجل الإسراع في إضفاء الطابع الطموح الذي يرغب قائدا البلدين في منحه للعلاقة".

وجدد رئيسا البلدين رغبتهما في "استئناف الحوار المثمر الذي أرسياه من خلال إعلان الجزائر الصادر في أغسطس 2022، والذي أفضى إلى تسجيل بوادر هامة تشمل إنشاء اللجنة المشتركة للمؤرخين الفرنسيين والجزائريين، وإعادة رفات شهداء المقاومة والاعتراف بالمسؤولية عن مقتل الشهيدين علي بومنجل والعربي بن مهيدي".

وفي 3 مارس 2021، اعترف ماكرون بمسؤولية بلاده عن تعذيب وقتل المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل سنة 1957، في وقت كانت الرواية السائدة لفرنسا تفيد بأن بومنجل انتحر قفزا من طابق مرتفع أثناء استجوابه، ما أدى لمصرعه.

كما أقر في 1 نوفمبر 2024، بقتل فرنسا الثائر الجزائري محمد العربي بن مهيدي، أحد كبار قادة ثورة التحرير من الاستعمار الفرنسي، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية السبعين لاندلاعها.

وقبل ذلك، ظلت الرواية الفرنسية الرسمية تزعم أن بن مهيدي "انتحر" في زنزانته، رغم أن الجنرال أوساريس الذي يُلقب في الجزائر بـ"السفاح"، اعترف بقتله في مذكرات نشرها عام 2000.

وانتهج ماكرون سياسة تقوم على الاعتراف التدريجي بجرائم الاستعمار الفرنسي للجزائري، حيث أدان في 16 أكتوبر 2021 القمع الدموي لمظاهرات 17 أكتوبر 1961، في العاصمة باريس من قبل الشرطة الفرنسية بقيادة موريس بابون، ما خلف آنذاك أكثر من 12 ألف قتيل، منهم من أُلقوا أحياءً داخل نهر السين.

ووفق البيان، اتفق الرئيسان على "متانة الروابط، ولاسيما الروابط الإنسانية التي تجمع الجزائر وفرنسا، والمصالح الاستراتيجية والأمنية للبلدين، وكذا التحديات والأزمات التي تواجه كل من أوروبا والحوض المتوسطي والأفريقي".

وأشارا الى أهمية "العودة إلى حوار متكافئ بين البلدين باعتبارهما شريكين وفاعلين رئيسيين في أوروبا وأفريقيا، مُلتزمين تمام الالتزام بالشرعية الدولية وبالمقاصد والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة".

واتفقا على "العمل سويا بشكل وثيق وبروح الصداقة هذه بُغية إضفاء طموح جديد على هذه العلاقة الثنائية بما يكفل التعامل مع مختلف جوانبها ويسمح لها بتحقيق النجاعة والنتائج المنتظرة منها"، فيما اتفقا على "استئناف التعاون الأمني بين البلدين بشكل فوري".

وأكدا على "ضرورة الاستئناف الفوري للتعاون في مجال الهجرة بشكل موثوق وسلس وفعّال، بما يُتيح مُعالجة جميع جوانب حركة الأشخاص بين البلدين وفقا لنهج قائم على تحقيق نتائج تستجيب لانشغالات كلا البلدين".

كما أشاد الرئيسان بما أنجزته اللجنة المشتركة للمؤرخين التي أنشئت بمبادرة منهما (عقب زيارة ماكرون في أغسطس 2022)، وأعربا عن عزمهما الراسخ على مواصلة العمل المتعلق بالذاكرة وإتمامه بروح التهدئة والمصالحة وإعادة بناء العلاقة التي التزم بها رئيسا الدولتين، وفق البيان.

وأوضح البيان أن اللجنة المشتركة للمؤرخين "ستستأنف عملها بشكل فوري وستجتمع قريباً في فرنسا، على أن ترفع مخرجات أشغالها ومقترحاتها الملموسة إلى رئيسي الدولتين قبل صيف 2025".

وشهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية توترا متزايدا في الفترة الأخيرة بسبب قضايا عدة، أبرزها قرار السلطات الفرنسية ترحيل عدد من المهاجرين الجزائريين بتهمة التحريض على العنف والمساس بالنظام العام، وهو ما رفضته الجزائر، وقضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، والتقارب الفرنسي المغربي واعتراف باريس بمغربية الصحراء في يوليو 2024.

وبلغت الأزمة ذروتها بعد الهجوم الذي وقع في مدينة ميلوز في شرق فرنسا، والذي ارتكبه جزائري رفضت الجزائر إعادته بعد صدور قرار إبعاد بحقه.

ويشير الاتصال الهاتفي والبيان المشترك إلى رغبة الطرفين في تجاوز الخلافات والتركيز على المصالح المشتركة، خاصة في مجالَي الأمن والهجرة، فيما ستكون زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر فرصة لتحديد الخطوات العملية لتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها.

ويمثل إقرار الرئيس الفرنسي بجرائم الإستعمار الفرنسي في الجزائر كان له أثر كبير في إذابة جزء كبير من الخلافات بين البلدين.

ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية تحسنًا ملحوظًا في الفترة المقبلة، فيما سيساهم استئناف اللجنة المشتركة للمؤرخين عملها، وتقديم تقريرا إلى رئيسي الدولتين قبل صيف 2025، في معالجة ملف الذاكرة.

إلى ذلك، سيساعد استئناف التعاون الأمني بين البلدين، في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث سيتم إيجاد حلول عملية لمسألة الهجرة، بما يراعي مصالح البلدين.

وتعد فرنسا شريكا اقتصاديا رئيسيا للجزائر، حيث تربط البلدين مصالح تجارية واستثمارية كبيرة، ومن شأن تحسين العلاقات أن يعزز التعاون الاقتصادي ويزيد من حجم التبادل التجاري بين الجزائر وباريس.

ويمثل هذا التطور خطوة إيجابية نحو تحسين العلاقات الجزائرية الفرنسية، ولكنه يظل مرتبطًا بتطورات إقليمية ودولية، وكذلك بقدرة الطرفين على تجاوز التحديات التي تواجههما.