الجزائر: لا تسامح مع من يعكر صفو الانتخابات الرئاسية

الجزائر – أبدت السلطات الجزائرية صرامة لافتة حيال كل ما ينغص أجواء الانتخابات أو يسيء إلى الخطاب الرسمي المتفائل والإيجابي. ولم يتأخر القضاء في سجن أصحاب محاولات الغش في امتحان دراسي، والمتسببين في أحداث العنف الكروي، أو مدير إقامة جامعية بغرب البلاد، كما أقالت رئاسة الجمهورية مسؤول التشريفات بعد “سلوك غير لائق” خلال زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى ولاية (محافظة) خنشلة.
وأعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان مقتضب عن إقالة المستشار المكلف بمديرية التشريفات في رئاسة الجمهورية محمد بوعكاز، وبررت ذلك بـ “ارتكاب أخطاء جسيمة ومخالفة أخلاقيات المهنة “، وهي ذريعة رافقت عدة قرارات مماثلة صدرت في حق عدد من المسؤولين السامين في الدولة، دون تقديم توضيحات أكثر.
وأفاد مصدر مطلع بأن القرار اتخذ بعد ظهور مدير التشريفات يسحب شرطيا إلى الخلف، خلال الاستقبال الشعبي الذي نظم للرئيس تبون أثناء الزيارة التي قام بها إلى خنشلة في شرق البلاد، وتم تداول الصورة على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع المؤسسة إلى التخلص من المسؤول المذكور تفاديا لأي تأويلات تأتي في غير صالح الرئيس الذي يتهيأ لإعلان الترشح لولاية رئاسية ثانية.
المرحلة التي تفصل البلاد عن موعد الانتخابات الرئاسية لن تكون فيها حماية للمؤسسات والكوادر، ولا يُستبعد أن تتم التضحية بالمزيد من أجل تحقيق درجات أكبر في مؤشر الشرعية الشعبية
ويبدو أن السلطة بدأت تتشدد وتتوخى الصرامة في التعامل مع كوادرها وأعوانها، تجنّبا لأي إساءة أو صورة غير مقبولة حولها لدى الرأي العام، الذي تعمل على إقناعه بالانخراط في الاستحقاق الرئاسي القادم، وبالحصيلة الإيجابية التي يروج لها الرئيس تبون نفسه عبر خطاب متفائل ومفتخر بما يسميه بـ”إنجازات ومكاسب الجزائر الجديدة”.
ولأنها تريد ربط الاختلالات المفاجئة في التنمية والخدمات بالمؤسسات والمسؤولين المحليين، وظهورها في ثوب الحريصة على خدمة مواطنيها، بادرت الحكومة بتوقيف مسؤولين محليين في ولاية تيارت يتبعان قطاع المياه، في محاولة لامتصاص غضب السكان الذين احتجوا منذ أيام قليلة على نقص مياه الشرب، وأصدر الرئيس تبون تعليمات للحكومة تقضي بمعالجة المشكلة في ظرف 48 ساعة.
وأزمة المياه ليست في ولاية تيارت وحدها والاحتجاجات المسجلة لن تكون الأخيرة، لذلك تسعى السلطة بكل الوسائل والإمكانيات إلى تطويق البؤر الاجتماعية والاقتصادية التي بإمكانها تعكير صفو المناخ السياسي الذي تريد السلطة إشاعته لمرور مرشحها إلى ولاية رئاسية ثانية بأريحية وبشرعية شعبية أكبر من تلك التي سجلت عام 2019.
وفي خطوات مماثلة تعاملت السلطة القضائية في قسنطينة والطارف شرق البلاد بسرعة فائقة مع من قاموا بالمساعدة على الغش في امتحان شهادة التعليم المتوسط، وفي محاكمة بالمثول الفوري والإحالة على السجن من قاعة الجلسات تمت معاقبة فتاتين بثلاث سنوات سجنا نافذا.
وبالوتيرة نفسها تجري محاكمة الأشخاص المتورطين في أحداث الشغب والتخريب التي عاشها ملعب الشهيد حملاوي، بعد مباراة كروية بين النادي المحلي وضيفه من العاصمة في إطار بطولة الدوري، وتمت إحالة نحو 40 شابا على السجن المؤقت في انتظار محاكمتهم، ويجري إتمام التحقيق للوصول إلى كل الأيادي والرؤوس المدبرة لأعمال التخريب التي طالت الملعب المذكور.
وتراهن السلطة الجزائرية، مدعومة بأذرعها السياسية والإعلامية والإلكترونية، على إضفاء حالة من الاستقرار والهدوء الاجتماعي، وتسويق خطاب متفائل لم يتضح مفعوله لدى الشارع الجزائري، في ظل غياب فرص وآليات التعبير ورد الفعل، وبقاء خطاب السلطة وحده في الساحة.
كما أعلن مجلس قضاء وهران الخميس أن مدير الديوان الجزائري للخدمات الجامعية في وهران ومتهمين آخرين في قضايا فساد تخص الخدمات الجامعية تم إيداعهم رهن الحبس المؤقت.
وجاء في بيان له “على إثر معلومات واردة من مُبلغ حول وقائع فساد في طرق منح صفقات على مستوى مديريات الخدمات الجامعية تم فتح تحقيق ابتدائي من طرف الديوان المركزي لقمع الفساد”.
وأضاف “التحقيق توصل إلى تسجيل تجاوزات في المديريات الولائية للخدمات الجامعية بالجلفة، وهران ومستغانم من خلال التلاعب في دفاتر الشروط ومخالفة مبادئ المنافسة النزيهة لقانون الصفقات العمومية لغرض منح امتيازات غير مبررة للغير”. وتابع “تم تقديم 20 شخصا مشتبها فيهم أمام النيابة وفتح تحقيق قضائي ضدهم”.
وبعد استجواب المتهمين من طرف قاضي التحقيق أصدر “أمرا بإيداع 4 متهمين رهن الحبس المؤقت، ويتعلق الأمر بمدير الخدمات الجامعية لولاية الجلفة سابقا، وهران حاليا، ومتعاملين خواص، ووضع بقية المتهمين تحت نظام الرقابة القضائية”.
وبغض النظر عن خطاب تبون، الذي يريد القطع مع ممارسات حقبة سلفه الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في إطار ما أسماه في برنامجه الانتخابي السابق بـ”أخلقة الحياة السياسية”، فإن المرحلة التي تفصل البلاد عن موعد الانتخابات الرئاسية المقررة بعد ثلاثة أشهر لن تكون فيها حماية للمؤسسات والكوادر، ولا يُستبعد أن تتم التضحية بالمزيد من أجل تحقيق درجات أكبر في مؤشر الشرعية الشعبية.