الجزائر في سباق لتعظيم مكاسبها من الوقود الأحفوري

يراقب المحللون خطوات الجزائر باتجاه توسيع نشاط قطاع الوقود الأحفوري في ظل الاكتشافات المتتالية، التي تعلن عنها منذ عامين ذراعها شركة سوناطراك، على أنه مؤشر يعكس مساعيها لتعظيم مكاسبها مع إقصاء منافسين في مقدمتهم روسيا من العديد من الأسواق.
الجزائر - تبذل الجزائر جهودا للاستفادة من موارد النفط والغاز بعد اكتشاف احتياطيات جديدة مؤخرا، سعيا لإغراء الشركات العالمية للاستثمار في البلاد، وفي الوقت ذاته تعزيز عملياتها التجارية خارجيا.
وتتطلع شركة سوناطراك المملوكة للدولة ضمن إستراتيجيتها التوسعية، التي أعلنت عنها قبل عامين، إلى ضمان دعم حصتها في الأسواق العالمية، وخاصة أوروبا، مع تعزيز أنشطتها في مجالات أخرى من الطاقة، بما في ذلك الهيدروجين.
وفي مؤشر على مدى الانقلاب، الذي يحاول المسؤولون القيام به في نشاط الشركة، والقطع مع سياسة نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، أعلن وزير الطاقة محمد عرقاب، مساء الأربعاء الماضي، عن تحقيق اكتشافات جديدة منذ بداية السنة الجارية.
وجاء إعلان عرقاب خلال حديثه للتلفزيون الجزائري الرسمي عن إستراتيجية تطوير قطاع الطاقة وخاصة زيادة إنتاج الغاز الطبيعي إلى 200 مليار متر مكعب سنويا.
وقال إن “منذ بداية هذه السنة وإلى غاية الأسبوع الأخير من مايو الجاري، حققنا 8 اكتشافات مهمة جدا، وستعطي إضافة كبيرة لاحتياطات المحروقات لاسيما الغاز”.
وبلغ عدد الاكتشافات خلال ثلاث سنوات حوالي 21 اكتشافا، بالإضافة إلى الاحتياطات المعلنة، تم اكتشاف 6 حقول العام الماضي، وسبعة في العام 2022.
وأفاد عرقاب بأن هذه الاكتشافات الجديدة، التي لم يكشف عن حجمها كلها، “في مواقع جديدة، وقد قامت بها سوناطراك بمفردها وبإمكاناتها الذاتية”.
وتتواجد الحقول المكتشفة في كل من ولاية (محافظة) بشار، وجنوب ولاية عين صالح، وأيضا ولايتي جانت وايليزي، وشرق ولاية ورقلة.
وسبق أن أكد عرقاب وجود إستراتيجية لسوناطراك هي رفع الإنتاج، وبلوغ المستهدف في غضون خمسة أعوام مما يساعد في تنمية الناتج المحلي الإجمالي، الذي يبلغ 267 مليار دولار.
ووجدت السلطات نفسها في السنوات الأخيرة، في مواجهة استهلاك داخلي متنام، بلغ نحو 50 مليار متر مكعب بنهاية العام الماضي، وزيادة الصادرات في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية بكمية بلغت 56 مليار متر مكعب.
ويرى محللو هذه الصناعة أن الاكتشافات تعتبر واعدة بالنسبة للبلد، حيث لم تنمُ احتياطاته بشكل ملحوظ منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي.
وتعمل سوناطراك على توسيع محفظة أعمالها عبر استثمار 39 مليار دولار ضمن خطتها الممتدة بين 2022 و2026 لمواكبة تنامي مستوى إنتاجها.
وتنوي الشركة إنجاز استثمارات في البلاد بقيمة 59 مليار دولار على المدى المتوسط، في إطار إستراتيجية 2030، منها 45.8 مليار دولار في الإنتاج والتصدير، و8.6 مليار دولار في التكرير والبتروكيماويات، و2.3 مليار دولار في النقل بالأنابيب.
ومن المرجح أن تؤدي جاذبية الجزائر كوجهة استثمارية وسط عزلة روسيا، إلى تعزيز تطوير البنية التحتية الجديدة لقطاع الطاقة، لاسيما في حقل الغاز حاسي الرمل، الذي خضع قبل عامين لواحدة من أكبر عمليات إعادة تقييم احتياطاته منذ عقدين.
والخميس الماضي، وقّعت سوناطراك عقدا مع شركتي مير تكنيمونت الإيطالية وبيكر هيوز الأميركية، لتشييد ثلاث محطات لمعالجة الغاز لتعزيز الإنتاج في الحقل، والذي يبعد عن العاصمة بنحو 550 كيلومترا.
ويهدف المشروع إلى استمرارية استخراج الغاز من الحقل الأكبر في البلاد وأفريقيا، لضمان الحفاظ على مستوى الإنتاج عند 188 مليون متر مكعب قياسي يوميا.
ولدى الجزائريين طموح ليصبح حاسي الرمل مركزا لمشروع خط أنابيب الغاز عبر الصحراء (تي.أس.جي.بي) بطول 4128 كيلومترا باستثمارات أولية بقيمة 10 مليارات دولار، يهدف إلى إيصال الغاز النيجيري إلى الجزائر عبر النيجر.
ولكن المشروع، الذي ترى الجزائر أنه سيكون منافسا لخط الأنابيب الرابط بين نيجيريا والمغرب، ويمر بنحو 13 بلدا أفريقيا، مُحاط بالكثير من الشكوك.
كما أبرمت سوناطراك مؤخرا اتفاقية مبادئ مع عملاق الطاقة الأميركي إكسون موبيل، لتطوير الموارد في حقلين في حوضي أحنات وقورارة جنوب البلاد.
ويسمح قانون المحروقات الصادر عام 2019 بإبرام اتفاقيات تقاسم الإنتاج بين سوناطراك وشركات النفط الأجنبية، رغم أن التشريع أثار انتقادات في الأوساط الاقتصادية والشعبية. ومع ذلك، فقد وفر إطارا قانونيا لجذب المستثمرين الأجانب.
وكانت سوناطراك قد أبرمت صيف 2022 صفقة بقيمة 4 مليارات دولار مع شركة أوكسيدنتال الأميركية وتوتال أنيرجيز الفرنسية وإيني الإيطالية لتطوير موقع يقع في محيط بيركين لإنتاج مليار برميل من المكافئ النفطي.
وتصنف وكالة الطاقة الدولية الجزائر على أنها صاحبة ثالث أكبر احتياطي عالمي من الغاز الصخري (الشيست) بمخزونات مؤكدة تفوق 20 ألف مليار متر مكعب.
◙ 59 مليار دولار تنوي سوناطراك استثمارها على المدى المتوسط بالشراكة مع شركات أجنبية
ويعتزم البلد العضو في منظمة أوبك زيادة قدرات إنتاج الغاز مع اقترب دخول مجموعة من الحقول الاستكشافية الجديدة حيز التشغيل، وفق مخطط اعتمدته وزارة الطاقة لمواكبة التحولات في أسواق الطاقة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في 2022.
ومن المتوقع أن يسهم الإنتاج الإضافي في زيادة الإنتاج السنوي للغاز بنحو 4 مليارات متر مكعب، ومنها زيادة قدرات التصدير نحو الأسواق الأوروبية مع العمل أكثر فأكثر على ترشيد استعمال الطاقة، خاصة الغاز.
وتزود الجزائر أوروبا بالغاز عبر خطي أنابيب، الأول ترانسماد – إنريكو ماتاي، والذي يصل إيطاليا عبر المتوسط مرورا بتونس، والثاني ميدغاز، الذي يمر من الساحل الشمالي الغربي للبلاد مباشرة إلى ألميرية جنوب إسبانيا.
وراجعت الشركة في 2022 أسعار عقود توريد الغاز مع معظم شركائها في أوروبا، وجرى رفعها لتتماشى مع واقع السوق الدولية، حسب ما أكده رئيسها التنفيذي السابق توفيق حكار.
ومنذ بداية 2023، لوحظت زيادة في صادرات النفط والغاز عبر خطوط الأنابيب والبحر بعدما وافقت على تزويد إيطاليا بأربعة مليارات متر مكعب إضافية من الغاز هذا العام، ليصل إجمالي الإمدادات إلى 25 مليار متر مكعب.
وتنتج الجزائر مليون برميل يوميا من الخام ضمن مبادرة طوعية إلى جانب أخرى إلزامية ينفذها أعضاء في تحالف أوبك+، في وقت يعاني فيه اقتصادها تبعية مفرطة لعائدات النفط والغاز، إذ تمثل قرابة 90 في المئة من إيراداتها.
ومع ذلك، تتوقع الحكومة انخفاض الإيرادات النفطية هذا العام بقيمة نحو 2.55 مليار دولار على أساس سنوي، لتبلغ 26 مليار دولار، رغم ثبات تقديرات سعر البرميل الذي بنت البلاد على أساسه ميزانية 2024.