الجزائر في جولة حاسمة لإعادة هيكلة قطاع الطاقة

دخلت الجزائر في جولة حاسمة لإعادة هيكلة شركة سوناطراك، إحدى بؤر الفساد في عهد الحكومات السابقة، في تحرّك يرى محللون أنه منقوص إذا لم تتمكن الحكومة الجديدة من تغيير العقلية القديمة في التعامل مع قطاع النفط والغاز.
الجزائر - فرض تخلّف قطاع الطاقة الجزائري عن القيام بدوره في تحريك التنمية الاقتصادية، على السلطات الجديدة النظر بعمق في كيفية تحويل القطاع من نقمة إلى نعمة.
وأعلنت حكومة الرئيس عبدالمجيد تبون عن تنصيب إدارة جديدة في أعلى هرم الذراع النفطية للدولة، في أحدث خطوات تنفيذ الإصلاحات العاجلة، التي يطالب بها الحراك الشعبي منذ الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة.
وجاء ذلك بعد إنهاء مهمة كمال الدين شيخي كرئيس تنفيذي لشركة سوناطراك، بعد أقلّ من ثلاثة أشهر له على رأس الشركة وذلك خلفا لحشيشي رشيد.
وقال التلفزيون الرسمي إن الرئيس عبدالمجيد تبون قرر تعيين توفيق حكار، وهو مسؤول تنفيذي كبير في سوناطراك، رئيسا جديدا لشركة الطاقة الوطنية.
وسيكون حكار رابع رئيس تنفيذي للشركة في غضون عام، وهو وضع لم يشهده هذا الكيان من قبل.
وخلف رشيد في أبريل الماضي عبدالمؤمن ولد قدور، الذي كان تولى المنصب منذ 2017 في الشركة، التي تملكها الدولة.
وكان ولد قدور من المقرّبين من بوتفليقة، وقد أقيل بعد أيام قليلة من استقالة الرئيس الأسبق، الذي سيطر على الحكم لعقدين من الزمن تحت ضغوط حركة احتجاج غير مسبوقة.
وعكس التأخر في تنفيذ استراتيجية واضحة المعالم لتطوير القطاع حجم العراقيل المتراكمة والتي زادتها الأزمة الاقتصادية منذ منتصف 2014، أمام تنفيذ خطط الخروج من الاقتصاد الريعي.
ويرى محللون أن الخطوة التي اتخذتها الجزائر لترتيب عمل الشركة وجعلها تؤدي دورها بالشكل المطلوب ليست كافية إذا لم يصاحب هذه الخطةَ برنامج متكامل لتغيير عقلية إدارة قطاع النفط والغاز.
ويشير البعض إلى التجارب العربية للشركات التي تعمل في قطاع الطاقة وخاصة أرامكو السعودية، أكبر كيان نفطي في العالم، إلى جانب شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك).
وفي خضم الإصلاحات الاقتصادية في السعودية والإمارات استطاعت أرامكو وأدنوك تعزيز أعمالها بشكل أكبر بعد أن اعتمدت رؤية مستقبلية ترتكز على التنويع من خلال الاستثمار في البيتروكيمياويات والغاز، إلى جانب تصدير الخام.
والجزائر، التي تعدّ ثالث منتج للنفط في أفريقيا وأحد المنتجين العشر الأوائل للغاز في العالم، بحاجة ملحة لاكتشاف حقول جديدة لسد نقص إنتاج الحقول المنتجة حاليا وارتفاع الاستهلاك المحلي.
والشركة النفطية ذات أهمية محورية في الاقتصاد الجزائري، الذي يحصل على 60 بالمئة من موارد ميزانيته و95 بالمئة من عائدات التصدير من المحروقات.
وكانت سوناطراك التي يتولى أنشطة استكشاف وإنتاج وتكرير ونقل النفط والغاز، قد شهدت في السنوات الأخيرة فضائح مالية وفساد كانت موضع تحقيق في الجزائر وخارجها.
وتُظهر أحدث الأرقام أن إيرادات النفط والغاز بلغت 30.25 مليار دولار في الأحد عشر شهرا الأولى من العام الماضي، بانخفاض 15 بالمئة عن الفترة ذاتها من العام السابق مع تقلّص أحجام التصدير بسبب الطلب المحلي وتراجع الإنتاج.
وواجهت الجزائر ذلك بمحاولة تعزيز الطاقة الإنتاجية، ويسعى البلد العضو في منظمة أوبك إلى جذب استثمارات شركات النفط الأجنبية للمساعدة في ذلك.
وبالفعل انتقلت سوناطراك إلى المربع التالي من خطوات الإصلاح التي يطالب بها الحراك الشعبي قبل نهاية العام الماضي، وبدأت تظهر انفتاحا أكبر عقب سنوات من الانغلاق ضمن دائرة السياسات الاستثمارية القديمة.
وفي ديسمبر 2019، سنت الجزائر قانونا جديدا لتشجيع مثل تلك الاستثمارات مع منع الشركات الأجنبية من تملك حصة أغلبية في مشاريع الطاقة.
ويأتي التحرّك ضمن خطة لمعالجة أزمة شلل سوناطراك بسبب إداراتها طيلة عقدين من أشخاص متنفذين اتّهموا بالفساد.
وفي خطوة غير مسبوقة، بحثت سوناطراك قبل اقرار قانون الاستثمار مع شركة شيفرون الأميركية عن شراكات محتملة في قطاع النفط.
واعتبر محللون أن هذه الخطوة قد تطمئن المستثمرين الأجانب للدخول إلى السوق المحلية مستقبلا مع استكمال خطط إعادة الهيكلة.
وكانت الشركات العالمية تتردد في العمل في الجزائر، والآن يبدو أنها ستنقلب على تلك السياسات في حال وجدت مرونة في التعامل من قبل السلطات الجديدة.
وشكّل عزوف الشركات عن عروض استكشاف النفط الجزائري، والتي طرحتها الحكومة منذ 2008، أحد المؤشرات على فشل سوناطراك في تطوير نشاطها وإيراداتها.
ومن بين الدلائل الأخرى الصراعات الداخلية حول قيادتها وتغلغل الفساد في إداراتها، فضلا عن قانون النفط الصادر في 2005، كرّس احتكار الدولة بدعوى السيادة الوطنية نشاطها، كما قيدت المستثمرين الأجانب بسلة ضرائب حازمة.
ويؤثر تراجع إيرادات الطاقة على ميزانية الدولة، التي تقرر خفض الإنفاق العام فيها 9 في المئة هذا العام، مع عدم المساس بالدعم الحساس سياسيا.
وسيكون من الصعب إجراء أي خفض على البرامج الحكومية في ضوء الأزمة السياسية، التي هزت الجزائر على مدار العام الماضي.