الجزائر تُجر إلى استقطاب غير مسبوق بين موسكو وواشنطن

مخاوف في الجزائر من هوامش المناورة المتاحة للنأي عن صراع الكبار.
الخميس 2022/09/22
تطور العلاقات الروسية – الجزائرية

تشير تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن دعم بلاده للخط المتوازن الذي تنتهجه الجزائر إلى التأكيد على الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في مواجهة الضغوط الغربية، فيما تسعى السلطات الجزائرية إلى التخفيف من مخاوف واشنطن من هذا التقارب والحفاظ على نوع من الحياد.

الجزائر- تتجه الجزائر إلى أن تكون محور استقطاب مفتوح بين روسيا والولايات المتحدة، في إطار لعبة التحالفات التي تديرها القوتان، خاصة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية مطلع العام الجاري، وهو ما يجعلها في موقع حرج يصعّب عليها رسم إستراتيجيتها المستقبلية وامتلاك سيادة خياراتها، لأن مسار الحياد حاد جدا وأي انحراف إلى جهة ما يجعلها مستهدفة من طرف الجهة الأخرى.

ولم يتأخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التعبير عن موقف بلاده من علاقاتها الإستراتيجية مع الجزائر، ليكون بذلك قد رد سريعا على مساعي الولايات المتحدة لإجهاض التحالف القائم بين الجزائر وموسكو، عبر بوادر ضغط طفت على السطح مؤخرا، الأمر الذي يرشحها لأن تكون محور استقطاب مستقبلي، خاصة إذا لم تحسن إدارة التوازن واستغلال الصراع لصالحها قبل أن يكون عليها.

واستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة مراسم تسليم أوراق اعتماد السفير الجزائري في موسكو إسماعيل بن عمارة، ليجدد موقف بلاده من علاقاتها وتحالفها التاريخي والإستراتيجي مع الجزائر، كرد على ما وصف بـ”الضغوط الممارسة من طرف واشنطن على السلطة الجزائرية للابتعاد عن المحور الروسي”، في ظل التوازنات العسكرية الميدانية الأخيرة في الحرب الأوكرانية.

العلاقات الروسية - الجزائرية عميقة في المجالين الاقتصادي والتجاري وهي ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في أفريقيا

وصرح الرئيس الروسي، بأن “العلاقات الروسية الجزائرية عميقة في المجالين الاقتصادي والتجاري، وأنها تعد ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في القارة الأفريقية، وأن التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين مستمر، وهو آخذ في التطور بشكل نشط في العديد من المجالات على غرار المجالات العسكرية، الفنية، والإنسانية”.

وأضاف “تفاعل روسيا مع الجزائر هو من طبيعة الشراكة الإستراتيجية بينهما، واحتفال البلدين في مارس الماضي بالذكرى الستين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وروسيا، هو دليل على عمق وإستراتيجية تلك العلاقات”، كما جدد توجيه دعوته لنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون لزيارة موسكو، وهو تذكير للغرب لا غير، لأن الزيارة مبرمجة منذ عدة أشهر.

وأعرب بوتين، عن دعمه لما أسماه بـ”الخط المتوازن الذي تنتهجه الجزائر في الشؤون الإقليمية والدولية، وأشاد بمواصلة العمل معا”، وهو ما يمثل استدراجا للجزائر إلى الحلف الروسي عبر التذكير بالمواقف المشتركة بين الطرفين حول العديد من القضايا والملفات الإقليمية والدولية، مما يزيد من استياء الغرب، وخاصة الولايات المتحدة من مثل هذا التقارب المقلق لها.

ويرى مراقبون أن وتيرة الضغوط قد تضاعفت في الآونة الأخيرة على الجزائر، الأمر الذي يجعل قيادة البلاد في موقع حرج للغاية وأمام سيناريوهات فائقة الحساسية، فإما الانحياز إلى طرف ما والاستعداد لرد فعل الطرف الثاني، وإما تقديم المزيد من التنازلات إلى الذي يضغط أكثر، أو الاستمرار في مسعى التوازن بإرضاء الطرفين وعدم إزعاج أي منهما.

ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية مطلع العام الجاري وجدت الجزائر نفسها بين مطرقة الغرب وسندان روسيا، ولو استطاعت إلى حد الآن النأي بنفسها عن الضغوط الكبيرة، فهي تلبي مطالب الغرب بضخ كميات إضافية من الغاز إلى الأسواق الأوروبية من جهة، وتستمر من جهة أخرى في تعاونها العسكري مع روسيا والحفاظ على مكانتها كزبون مهم لسوق السلاح الروسي.

وكان السفير الروسي بالجزائر فاليريان شوفايف، قد صرح بأن بلاده “ترحب بانضمام الجزائر إلى منظمة بريكس الاقتصادية إذا أرادت ذلك، وأن روسيا لن تعارض انضمام الجزائر إلى المنظمة”.

وأكد المتحدث “ليس لدى روسيا أي اعتراض على رغبة الجزائر في الانضمام إلى منظمة بريكس، حيث ناقش الرئيسان هذه القضية”، فيما اعتبر سلفه إيغور بيلياييف، أن “مستوى الشراكة الإستراتيجية العميقة بين البلدين بلغ مستوى كبيرا، وأن العلاقات عرفت تقدما وتطورا ملحوظا في الأعوام الخمسة الماضية”.

b

ولفت إلى أن البلدين “يعملان حاليا على صياغة وثيقة إستراتيجية جديدة تعكس جودة العلاقات الجزائرية – الروسية، وهي الوثيقة التي ستصبح أساسا لتحفيز وتكثيف التعامل بين البلدين مستقبلا”.

ويبدو أن السلطة الجزائرية التي تعاني من أزمة سياسية داخلية، مستعدة إلى حد الآن للتعاون مع جميع الأطراف بشكل يضمن لها الاستمرار في مواقعها، وأنها مستعدة لتقديم تنازلات لأي من الطرفين، لكن مخاوف السقوط في فخ الانحياز تبقى قائمة، وهو ما سيكون خطرا حقيقيا على البلاد.

وفيما شاركت وحدة من الجيش الجزائري في مناورات عسكرية روسية خلال الأسابيع الماضية ويجري التحضير لمناورات أخرى بين الطرفين بالجزائر مطلع شهر نوفمبر القادم، بحسب ما أعلن عنه في الجزائر وموسكو منذ أسابيع، لا تمانع الجزائر في التعاون العسكري مع الولايات المتحدة بإجراء مناورات حربية مماثلة في عرض البحر.

وذكر تقرير للوكالة الرسمية الجزائرية، أنه “تجسيدا لبرنامج التعاون العسكري الجزائري – الأميركي لعام 2022، رست المدمرة (يو إس إس فاراجوت – دي دي جي 99) التابعة للبحرية الأميركية في ميناء جن جن بمحافظة جيجل الواقعة في شرق البلاد، بالواجهة البحرية الشرقية بالمنطقة العسكرية الخامسة، لتنفيذ تمرين بعنوان: تبادل الخبرات في مجال الأعمال تحت الماء وإزالة الألغام مع تنفيذ توقف لسفينة أميركية على متنها غواصون”.

وأضاف “خلال التوقف لمدة أربعة أيام، ستقوم السفينة الأميركية بالعديد من الأنشطة على مراحل، مثل التدريبات على الأعمال تحت الماء وإزالة الألغام، وكذلك تنفيذ تمرين (باساكس) مع وحدة من البحرية الجزائرية”.

4