الجزائر توظف الغاز لرسم توازناتها الدبلوماسية في المنطقة

روسيا تقرر ضخ كميات كبيرة من الغاز الطبيعي نحو إسبانيا.
الاثنين 2022/07/18
الجزائر تضخ أربعة مليارات متر مكعب من الغاز نحو إيطاليا

الجزائر - بعد التراجع المسجل في صادرات الجزائر من الغاز نحو إسبانيا في الآونة الأخيرة في ظل الأزمة التي تخيم على العلاقات بين البلدين، جاء الإعلان عن ضخ كميات إضافية لصالح السوق الإيطالية ليعكس تحول ورقة الغاز إلى مؤشر يرسم توازنات الدبلوماسية الجزائرية في المنطقة رغم التحذيرات المتصاعدة من الزج بالتعاملات الاقتصادية في التشنّجات الدبلوماسية.

وأعلنت السلطات في الجزائر أنها قررت ضخ كميات إضافية من الغاز الطبيعي قدرها أربعة مليارات متر مكعب نحو إيطاليا ابتداء من الأسبوع القادم، على أن تصل إلى ستة مليارات حتى نهاية 2022، وهي الخطوة التي تكرس التعاون في مجال الطاقة بين البلدين المعلن عنه بمناسبة زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى روما خلال الأسابيع الماضية.

وجاء الإعلان بالموازاة مع حديث تقارير مختصة عن تراجع صادرات الجزائر من الغاز إلى إسبانيا في الآونة الأخيرة، مما سمح للغاز الروسي أن يحل محل الجزائر في تزويد إسبانيا، وهو الأمر الذي لم يصدر بشأنه أي توضيح أو تعليق من طرف الجزائريين، خاصة إمكانية ارتباط التراجع بالأزمة الدبلوماسية القائمة بين البلدين.

أصوات حذرت الجزائر من الزج بملف الطاقة في التجاذبات الدبلوماسية، وطالبتها بالحفاظ على صفة الممون الموثوق

وأفادت برقية لوكالة الأنباء الرسمية بأن “شركة سوناطراك ستضخ الكميات الجديدة من الغاز لصالح شركة الطاقة الإيطالية ‘إيني’ وشركاء آخرين، وأن الشركة ضخت منذ بداية العام الجاري 13.9 مليار متر مكعب نحو إيطاليا متجاوزة التوقعات بنسبة 113 في المئة، وتنوي ضخ ستة مليارات متر مكعب إضافية حتى نهاية عام 2022”.

وظلت الجزائر تمثل المزوّد الأساسي لإسبانيا بالغاز طيلة العقود الماضية، حتى في ظل الأسعار والعقود محدودة المردودية والعائدات، لكن يبدو أن الأزمة القائمة بين الطرفين تسير نحو التأثير على المبادلات الاقتصادية والتجارية وفي مجال الطاقة، ولذلك تحدثت التقارير عن حلول روسيا محل الجزائر في ترتيب مزوّدي إسبانيا، وذلك في ذروة الأزمة الدولية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.

وكان تقنيون وحتى سياسيون قد حذروا الحكومة الجزائرية من الزج بملف الطاقة في التجاذبات الدبلوماسية، ودعوها إلى الحفاظ على صفة الممون الموثوق في السوق، واعتبروا مسألة غلق الأنبوب العابر عبر المغرب قرارا لم يراع المصالح الحقيقية للبلاد.

ولا يستبعد أن يكون التراجع في تزويد إسبانيا بالغاز ناجما عن صعوبات الالتزام بالوفاء بالكميات المطلوبة في ظل غلق الخط المذكور، ولو أن السلطة بالإعلان عن الكميات الإضافية لإيطاليا تظهر بأنها تحوز ورقة تعويض الزبائن وامتلاكها مكانة مهمة في سوق الغاز.

وكانت شركة سوناطراك قد أعلنت مطلع الشهر الماضي عن توقيع عقد لضخ كميات إضافية من الغاز الطبيعي لصالح شركة الطاقة الإيطالية “إيني”، وأنها أبرمت معها ملحقا لعقد شراء وبيع الغاز الذي يعود إلى عام 1977، إذ ترتبط الشركتان منذ ذلك الوقت بعقود لبيع وتسويق الغاز لصالح إيطاليا.

ولفتت إلى أن الاتفاق الجديد تضمن شروطا تجارية تحدد كيفيات تزويد “إيني” بالغاز في عامي 2021 و2022، إذ يشمل إمداد “إيني” بكميات إضافية، والتي تتضمن زيادة في الصادرات تقدر بنسبة 109 في المئة خلال الربع الأول من 2022، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، ويأتي ذلك بعد عقود التوريد المبرمة في مايو 2019، والتي يتم بموجبها توريد الغاز الجزائري إلى إيطاليا لمدة عشر سنوات بكمية تقدر بتسعة مليارات متر مكعب سنويا.

الجزائر تمثل المزوّد الأساسي لإسبانيا بالغاز طيلة العقود الماضية لكن يبدو أن الأزمة القائمة بين الطرفين تسير نحو التأثير على المبادلات الاقتصادية والتجارية

ويعكس التعاون في مجال الطاقة بين البلدين حالة التناغم السياسي بين القيادتين السياسيتين، حيث تبادل الرئيسان الزيارات، وينتظر عقد اللجنة العليا المشتركة خلال الأسابيع القادمة، بينما يخشى أن تزيد الأزمة القائمة مع إسبانيا في التأثير على التعاون والمصالح الاقتصادية، لاسيما في ظل القطيعة التجارية المعلنة من طرف الحكومة الجزائرية.

وهو ما يعكس انتشاء إدارة شركة سوناطراك في بيان لها بعقودها مع “إيني” الإيطالية، حيث اعتبرتها “تعزيزا لموقع الجزائر كثاني مورد للغاز إلى إيطاليا” باستحواذها على حصة بهذه السوق بلغت 35 في المئة، مقابل 16 في المئة خلال الفترة نفسها من 2020، لاسيما وأنها تملك شبكة بنية تحتية تسمح بتوفير أي طلب إيطالي أو أوروبي عبر روما.

وكانت روسيا قد حلت محل الجزائر وأصبحت ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي لإسبانيا في شهر يونيو الماضي، وذلك بعد تراجع التدفقات القادمة من الجزائر وسط توتر دبلوماسي.

وشرعت إدارة سوناطراك في الآونة الأخيرة في مراجعة بنود توريد الغاز، لاسيما في ما يتعلق بالأسعار، حيث توصلت إلى اتفاق نهائي مع شركة توتال الفرنسية حول جدول أسعار جديد، بينما تكون المفاوضات مستمرة مع الإيطاليين والإسبان.

وذكرت بيانات مختصة بأن “الواردات الإسبانية من روسيا بلغت 8752 جيغاوات/ساعة في يونيو الماضي، أي أكثر من الضعف بالمقارنة بشهر مايو، وبما يعادل 24 في المئة من إجمالي طلب إسبانيا، في حين تراجعت التدفقات من الجزائر إلى 7763 جيغاوات/ساعة مقابل 9094 جيغاوات/ساعة في مايو، وهي نحو نصف الكميات المسجلة في يونيو 2021 ، وبما يمثل 22 في المئة من الطلب، فيما تظل الولايات المتحدة أكبر ممون بحصة 30 في المئة”.

4