الجزائر تواجه الإكراهات الاقتصادية بميزانية قياسية

الحكومة تستمر في رفع يافطة شراء السلم الاجتماعي بزيادة الإنفاق على حساب اتساع العجز المالي.
السبت 2022/12/17
بحوزتي آخر دنانير من الراتب!

ينظر خبراء بعين الشك في قدرة الحكومة الجزائرية على التصدي للمشاكل الاقتصادية المتنوعة، حتى مع إقرار البرلمان لميزانية العام المقبل، وهي الأضخم على الإطلاق، خاصة مع توقع اتساع العجز المالي وزيادة الإنفاق ضمن سياسة شراء السلم الاجتماعي.

الجزائر – اعتمدت الجزائر ميزانية قياسية لمواجهة الإكراهات الاقتصادية خلال 2023 في ظل الظروف الضاغطة بسبب ما يحدث في الأسواق العالمية بغية الخروج بأخف الأضرار من الأزمات رغم زيادة إيرادات الطاقة هذا العام.

وتؤكد ملامح الميزانية الجديدة أن إصرار الحكومة على تعزيز الالتزام بتنفيذ الإصلاحات الرامية لتجميل المؤشرات يصطدم باحتمال فقدان أسواق الطاقة لزخمها في العام القادم مع استمرار عدم اليقين بشأن تعافي الاقتصاد العالمي من مخلفات حرب أوكرانيا.

ويشكو البلد العضو في منظمة أوبك، المدمن على النفط والغاز، من سوء إدارة المسؤولين للأزمات رغم أنهم يسعون منذ 2019 تحت يافطة الإصلاح لإظهار قدرتهم على معالجة الاختلال في التوازنات المالية ومن ثم تنويع مصادر الدخل.

وأقر البرلمان أواخر الشهر الماضي قانون الميزانية، والتي يقدر حجمها بحوالي مئة مليار دولار، بزيادة قدرها 24.5 مليار دولار عن ميزانية 2022، وبقيت خطوة واحدة لدخولها حيز التطبيق مطلع يناير القادم بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليها.

ورغم أن الحكومة تتوقع عوائد إجمالية في ميزانية تم إعدادها على أساس سعر مرجعي للنفط يبلغ 60 دولارا للبرميل، وسعر سوق يبلغ 70 دولارا، تصل إلى نحو 7.9 تريليون دينار (56 مليار دولار)، لكن العجز المالي سيواصل الاتساع.

محمد حميدوش: ثمة اتجاه نحو نموذج جديد يقود فيه الاستهلاك قاطرة النمو
محمد حميدوش: ثمة اتجاه نحو نموذج جديد يقود فيه الاستهلاك قاطرة النمو

وستبلغ نسبة العجز 20.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأكبر في تاريخ البلاد، أي بأكثر من 43 مليار دولار، صعودا من 15.9 في المئة خلال العام الجاري، التي تعادل 31 مليار دولار.

وبرر وزير المالية إبراهيم كسالي ارتفاع نسبة العجز، بالأثر المالي المتوقع لرفع الأجور والمرتبات المنتظرة خلال السنة المقبلة، إضافة إلى مراجعة علاوة العاطلين عن العمل (زيادتها).

واللافت أن الحكومة لم تفرض ضرائب جديدة، ولم تلجأ إلى أي مراجعة جبائية أو رسوم مباشرة وغير المباشرة على استهلاك السع الأساسية، مما يثير التساؤلات بشأن كيفية تمويل العجز المتوقع.

وفي رده على أسئلة أعضاء البرلمان حول طريقة تمويل هذا العجز غير المسبوق، قال كسالي إنه سيتم “عن طريق استغلال موارد صندوق ضبط الإيرادات المتاحة في نهاية 2022”.

وصندوق ضبط الإيرادات، هو مؤسسة مالية لادخار عائدات النفط ويتضمن الإيرادات المحسوبة من الفارق بين سعر النفط المرجعي للبرميل عند إعداد الميزانية، وسعر السوق حيث يباع الخام فعليا.

كما سيتم التمويل حسب الوزير من “سوق قيم الخزينة الذي أجريت عليه تحديثات، من خلال وضع أرضية إلكترونية لإصدار وتداول القيم، أدت إلى توسيع قاعدة المستثمرين في قيم الخزينة السيادية”.

ويضاف إلى ذلك السيولة البنكية التي شهدت خلال هذا العام تطورا ملحوظا حيث بلغت في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام 1.8 تريليون دينار (13 مليار دولار).

ويرى كسالي أن هذه السيولة ستساهم بالإضافة إلى تمويل المشاريع الاقتصادية، في تمويل عجز الخزينة من خلال الاكتتاب في سوق سندات الخزينة.

وتشهد البلاد منذ انهيار أسعار النفط في 2014 عجزا ماليا متراكما ظهر بوضوح مع تبخر احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة لدى البنك المركزي والتي كانت في ذلك الوقت عند نحو مئتي مليار دولار.

أكرم خريف: هذه الميزانية نوع من الاستباق للتصدي لأي طارئ اجتماعي
أكرم خريف: هذه الميزانية نوع من الاستباق للتصدي لأي طارئ اجتماعي

وسعت الحكومة لشراء السلم الاجتماعي مرة أخرى حينما خصصت في الميزانية الجديدة، بينما قدمت حوافز وإعفاءات ضريبية للمستثمرين الشباب ورواد الأعمال من أجل دعم مشاريعهم الناشئة.

ويتوزع الإنفاق العام على بند المخصصات التشغيلية وتشمل الرواتب ومنحة البطالة، والذي سيبلغ نحو 70 مليار دولار بما فيها 22 مليار دولار للإنفاق العسكري وهو الأكبر في تاريخ البلاد، أما الباقي فسيذهب إلى بند المشاريع الاستثمارية الحكومية.

وتطبق الجزائر سياسة الدعم منذ عقود، وتتحمل الدولة الفارق بين سعر تسويق المنتجات واسعة الاستهلاك وقيمتها الحقيقية، إضافة إلى دعم قطاعات السكن والوقود وذوي الاحتياجات الخاصة والأسر محدودة الدخل.

وتعد أسعار الوقود منخفضة للغاية بالمقارنة بالأسعار العالمية وهو بند أساسي في فاتورة الدعم إلى جانب السلع الأساسية الأخرى.

وتتوقع الحكومة تراجع التضخم خلال العام المقبل إلى 5.4 في المئة، نزولا من 9.4 في المئة حاليا، في حين ستصل نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.1 في المئة.

ويرى المحلل الاقتصادي محمد حميدوش أن ميزانية بهذا الحجم تشير إلى توجه نحو نموذج اقتصادي جديد يقود قاطرة النمو فيه الاستهلاك وليس القطاع العام.

وأوضح أن الميزانية موجهة بالدرجة الأولى إلى زيادات الأجور المرتقبة في العام المقبل. وقال لوكالة الأناضول “سنتوجه تدريجيا إلى أن الأسر هي التي تحفز النمو من خلال الاعتماد على الاستهلاك”.

واعتبر حميدوش، الذي كان خبيرا لدى البنك الدولي، أن هذا التوجه سيعطي دافعا للنمو وأنه عكس ما تتوقعه الميزانية بأن يكون أكبر من 4 في المئة في 2023، ستقترب النسبة من 6 في المئة.

اقتصاد الجزائر

ويعاني اقتصاد الجزائر من تبعية مفرطة لإيرادات المحروقات (نفط وغاز)، إذ تشكل مداخيل الطاقة حوالي 94 في المئة من الصادرات، في حين لم تحقق بعد الصناعات التحويلية الصغيرة في البلاد إنتاج بدائل كافية.

ويرى الصحافي المتخصص في القضايا الإستراتيجية أكرم خريف أن اعتماد السلطات هذه الميزانية الضخمة يمكن تفسيره بسببين رئيسيين.

وذكر في حديث للأناضول أن السبب الأول في تخصيص هذه الميزانية يشير إلى وجود نية لإطلاق إصلاحات كبرى لاسيما من الناحية الاقتصادية.

أما السبب الثاني فهو أن السلطات متوجسة من الحالة الاجتماعية، واحتمالات تفاقمها جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، التي طالت العديد من البلدان ويمكن أن تصل الجزائر أيضا ولو بأقل حدة.

وقال إن “هذه الميزانية الضخمة هي نوع من الاستباق للتصدي لأي طارئ اجتماعي ومحاولات لتهدئة الجبهة الاجتماعية تحسبا لتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية”.

11