الجزائر تنهي استيراد القمح الفرنسي في خضم توتر دبلوماسي

الجزائر تغلق سوقا استراتيجية تُقدر بنحو 9 ملايين طن سنويا في ضربة اقتصادية قوية لباريس تُعيد رسم خريطة التجارة بسبب التوتر الدبلوماسي المتصاعد.
الأربعاء 2025/05/28
توظيف سياسي للمعاملات التجارية

الجزائر - أوقفت الجزائر استيراد القمح الفرنسي بشكل كامل، مما أغلق فعليا سوقا استراتيجية تبلغ قيمتها 9 ملايين طن سنويا أمام باريس.

 وهذا القرار الذي أكده لاعبون في الصناعة، يأتي في خضم توتر دبلوماسي متصاعد بين البلدين، ويُعد ضربة قوية لجزء كبير من الصادرات الزراعية الفرنسية، وخاصة تلك القادمة من منطقة بورغوندي، مُعيدا بذلك رسم خريطة الشراكات التجارية في شمال أفريقيا ومبرزا تداعيات الأزمة الدبلوماسية على العلاقات الاقتصادية.

ولم تسجل الجزائر هذا العام أي طلبات استيراد للقمح الفرنسي، وفقا لما نقلته صحيفة "Le Bien Public"، مما يعني إغلاق باب تصدير نحو 9 ملايين طن كانت تمثل حصة كبيرة من المبيعات الفرنسية في الخارج.

وأوضح ألان كاكيرت المدير العام لاتحاد سيرافيا الفرنسي، (اتحاد للتسويق الزراعي، يضم أربع تعاونيات زراعية) ، أن الجزائر "لم تعد تشتري القمح الفرنسي بأي كمية، مما أثار ارتباكًا في الأوساط الزراعية الفرنسية."

وصرح كاكيرت أن الجزائر كانت "شريكا مفضلا لصناعة القمح الفرنسية، خاصة في منطقة بورغوني، إلا أن هذه السوق أغلقت بالكامل اليوم."

وهذا التغيير المفاجئ في التوجه التجاري يؤكد ما كان قد أكده رئيس المجلس الفرنسي للمحاصيل الكبرى فرانس أغري مار مطلع العام الجاري، بأن الجزائر "أغلقت بشكل شبه كامل باب استيراد القمح من فرنسا بسبب توتر العلاقات الدبلوماسية."

ويُحذر أمين عام الجمعية الفرنسية لمنتجي القمح، فيليب هيوزيل، من "خطر فقدان فرنسا لحصتها في مبيعات القمح في الأسواق الخارجية، خاصة في شمال أفريقيا والصين،" مما يزيد الضغط على المزارعين الفرنسيين في ظل تراجع الطلب الصيني وتدفق القمح الأوكراني إلى أوروبا.

ولم يأت هذا القرار الجزائري بمعزل عن الخلفية السياسية المتوترة بين البلدين، فقد أشار رئيس المجلس الفرنسي للمحاصيل الكبرى في وقت سابق من هذا العام إلى أن التدهور الدبلوماسي بين باريس والجزائر انعكس بشكل مباشر على العلاقات التجارية، ولا سيما في قطاع الحبوب.

ولطالما كانت الجزائر مستوردا رئيسيا للقمح الفرنسي، حيث بلغت حصة القمح الفرنسي من السوق الجزائرية نحو 50 بالمئة من إجمالي واردات الجزائر في عام 2022، قبل أن تنخفض إلى ما دون 10 بالمئة مطلع عام 2024 بسبب التوترات السياسية المتصاعدة.

وفي المقابل، أعلن الديوان الوطني الجزائري للحبوب عن مناقصة لشراء 700 ألف طن من القمح اللين، مشترطا أن يكون المصدر من روسيا وأوكرانيا، ومستبعدا القمح الفرنسي.

ونقل موقع "تار نت" الفرنسي قبل أيام عن مصادر أن الشحنة ستصل خلال الأشهر المقبلة دون تضمين القمح الفرنسي، مما يعكس اتساع الفجوة الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا.

وتُعد الجزائر من أكبر مستوردي القمح في العالم، خصوصا القمح اللين المستخدم في صناعة الخبز، باستهلاك يتراوح بين 9 إلى 12 مليون طن سنويًا، حيث ويبلغ متوسط استيراد الجزائر السنوي حوالي 7.8 ملايين طن، ما يمثل أكثر من 60 بالمئة من الاستهلاك المحلي للقمح.

ويأتي هذا القرار في سياق تصريحات سابقة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أكد على "ضرورة رفع إنتاج القمح المحلي إلى ضعفين لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وزيادة إنتاجية الهكتار الواحد إلى نحو 35 قنطار بدل 20 قنطار."

وهذا التوجه نحو تنويع مصادر الاستيراد وتقليل الاعتماد على طرف واحد، خاصة في ظل الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا، يعكس رغبة الجزائر في تعزيز أمنها الغذائي واستقلالها الاقتصادي.

ومع ذلك، يخشى خبراء زراعيون في فرنسا من اتساع الخسائر، ليس فقط بفقدان السوق الجزائرية، ولكن أيضا في ظل انخفاض الطلب الصيني وتنامي تدفق القمح الأوكراني إلى الأسواق الأوروبية، مما يزيد الضغط على المزارعين الفرنسيين.

ويُعد هذا القرار الجزائري مؤشرا على أن العلاقات الدبلوماسية بين الدول يمكن أن تلقي بظلالها على التجارة بشكل مباشر، مما يفتح الباب أمام تحولات في الخارطة التجارية العالمية.