الجزائر تنظر ثانية إلى فرص إنتاج الغاز الصخري

السلطات تواجه تحديات مختلفة بدءا من التكاليف وصولا إلى الأضرار البيئية التي قد تفجر احتقانا شعبيا.
الأربعاء 2023/03/08
رصدتم البوصلة. هذا جيد. متى التنفيذ؟

وجهت الجزائر أنظارها مجددا إلى فرص إنتاج الغاز الصخري، والذي لطالما كان مرفوضا شعبيا لأضراره البيئية، إذ يعتقد محللون أن البلد يبدو في وضع موات لجعله محركا يغري المستثمرين ويسد جزءا من فجوة الإمدادات بالأسواق الخارجية في المستقبل.

لندن - يرجح محللو الطاقة أن تطلق الجزائر جولة جديدة من مناقصات التنقيب عن الغاز تشمل الموارد التي تُستخرج من الصخور قبل الصيف المقبل، بينما تستمر مناقشاتها مع شركة شيفرون الأميركية حول اتفاق رئيسي في هذا المضمار.

وتشكل المناطق غير التقليدية ثلث المساحات الجديدة التي ستفتحها البلاد للأنشطة الاستكشافية، ومن المحتمل أن تجمع احتياطات من الغاز الصخري وأنواعا من الغاز السائل، وخاصة منها المكثفات.

وكانت إيني وإكسون موبيل وتوتال إنيرجي وإيكوينور من بين الشركات الدولية الرائدة، التي وقعت اتفاقيات استكشاف مع الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات (النفط) منذ مراجعة قانون الهيدروكربونات، الذي سُنّ في 2019.

وتعد شيفرون منتجا رئيسيا للصخر الزيتي في كل من الولايات المتحدة والأرجنتين. ومن المتوقع أن تُضاعف إنتاجها الهيدروكربوني من هذا المصدر إلى حوالي 1.5 مليون برميل نفط مكافئ خلال الفترة بين 2030 و2040.

فرانسيس غيليس: الاتجاهات تتغير في دول مثل الجزائر بعد معاقبة روسيا
فرانسيس غيليس: الاتجاهات تتغير في دول مثل الجزائر بعد معاقبة روسيا

وتقدّر إدارة معلومات الطاقة الأميركية وصول موارد الجزائر إلى حوالي 97 ألف مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ونحو 121 مليار برميل من الغاز السائل، وأغلبه من المكثفات.

وستبلغ الموارد القابلة للاسترداد على أساس هذه الأرقام نحو 20 ألف مليار متر مكعب من الغاز و5.7 مليار برميل من السوائل غير التقليدية، لتكون البلاد بذلك الثالثة بعد الصين والأرجنتين.

وطيلة سنوات كانت السلطات الجزائرية مترددة في السماح بتطوير موارد النفط الصخري، لكن عوامل خارجية أثّرت على قرارها، ومن أبرزها تعديل التوقعات الخاصة بالطلب على النفط والغاز على المدى الطويل والتي تنامت إثر الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وتسعى أوروبا منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام لإيجاد مصادر بديلة للنفط والغاز الروسيين من دول منتجة لهذين الموردين من بينها الجزائر وقطر والإمارات.

وتشير اكتشافات إيني الحديثة بالقرب من حوض بركين بولاية (محافظة) ورقلة إلى أن هناك الكثير من الغاز الذي يمكن العثور عليه، لأن المناطق التي لم يتم استكشافها جيولوجيا تشبه تلك المُستغلّة اليوم.

ويقول فرانسيس غيليس، الخبير بمركز برشلونة للشؤون الدولية، في مقالة لمؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية “لئن لم تكن الأنشطة الاستكشافية كبيرة في المناطق التقليدية، وهو أمر لا يُعد مفاجئا في البلد، فإنها كانت شبه منعدمة في الأراضي الغنية بالصخر الزيتي”.

ومع ذلك يشير الباحث إلى أن الاتجاهات تتغير في دول مثل الجزائر بعد فرض العقوبات الغربية على الصادرات الروسية من الغاز.

سماح السلطات الجزائرية بالتنقيب عن موارد النفط الصخري سيمنح المنتجين دفعة بعد سنوات من التراجع

ويعتقد غيليس أن مجال النفط الصخري لا يخلو من التحديات، وخاصة التي تفرزها المخاوف البيئية. ويؤكد أن السلطات الجزائرية لم تنس الاحتجاجات البيئية غير المسبوقة، التي انتشرت في بلدات عبر منطقة الصحراء الشاسعة في الجزائر قبل ثماني سنوات.

وشملت الاحتجاجات بلدات تمنراست المتاخمة لحدود النيجر، وغرداية الواقعة جنوب حقل غاز حاسي الرمل الواسع، وأيضا ورقلة الموجودة غرب حقل حاسي مسعود الذي يعدّ أقدم حقل نفط في البلاد.

وتحولت تلك المناطق إلى مسرح لمواجهات كانت عنيفة في الكثير من الأحيان بين المتظاهرين والشرطة.

ولم تخفت أصوات المتظاهرين رغم زيارات كبار المسؤولين إلى المنطقة حينها، بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق عبدالمالك سلال والمدير العام للأمن الوطني عبدالغني هامل ووزير الطاقة يوسف يوسفي.

وقال غيليس “لم تُخمِد تلك الاحتجاجات في النهاية سوى وحشية الدرك وأحكام السجن القاسية التي أصدرها القضاء”.

ومع وصول المظاهرات إلى العاصمة الجزائر صرّح الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في ذلك الوقت بأن “جميع مصادر الطاقة، سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية، تعدّ هبة من الله ومن واجبنا استخدامها لتنمية البلاد مع احترام البيئة”.

ورغم تحسّن طرق استخراج الصخر الزيتي خلال العقد الماضي حتى مع تكاليفه العالية قياسا بالوقود الأحفوري التقليدي، تواصل حقن كميات كبيرة من الرمل الممزوج بالمياه والمواد الكيميائية في أعماق الأرض تحت ضغط عالٍ لتكسير الصخور وإطلاق النفط والغاز المحتبسين.

Thumbnail

ويرى غيليس أن الخزان الجوفي الكبير يبقى حيويا في منطقة انتشاره تحت الصحراء عبر الجزائر وتونس وليبيا، ومع ذلك تساءل عما إذا كانت السلطات ستتبنى الشفافية في إدارة هذه المخاطر الجديدة؟ مستدركا أن “هذا السؤال لم يلق إجابة بعد”.

وقال إن “أولئك الذين يعيشون في حزام المدن الصحراوية يكوّنون مزيجا متفجرا، ومن بينهم بدو الطوارق الرحل السابقون، ملوك الصحراء الفخورون بماضيهم الذين يحنّون إلى أسلوب حياتهم السابق والعبيد الأفارقة السود الذين منحتهم الجزائر المستقلة التعليم”.

وفضلا عن ذلك “هناك القبائل العربية مثل شامباس، إذ كان أشهر المنتمين إليها مختار بلمختار الزعيم الإسلامي المتشدد، الذي تورط في الهجوم على حقل غاز عين أميناس في يناير 2013”.

كما أن الكثير من أولئك الذين يعملون في شركة النفط والغاز الحكومية سوناطراك قدموا من شمال الجزائر ويتلقون رواتب تتراوح بين أربع وخمس مرات ضعف رواتب العمال من أصيلي المنطقة.

ويُحبط السكان المحليون الذين يرون ثروة النفط والغاز المستخرجة من منطقتهم تموّل التنمية الاقتصادية في المناطق الساحلية الشمالية المكتظة بالسكان منذ الاستقلال في 1962. ويقول الباحث غيليس إن “هذه المظالم المقترنة بالمخاوف على بيئتهم الفريدة تغذّي مشاعر الاستياء”.

وباتت الجزائر في وضع يمكّنها من تعزيز أهميتها كمزود آمن للغاز إلى أوروبا. وهي تعمل على تكثيف عمليات تزويد إيطاليا مع مواصلة ضخ الإمدادات عبر خط أنابيب يمتد من وهران غرب البلاد إلى المَرِيَّة في إسبانيا إضافة إلى سفن الغاز الطبيعي المسال.

ويرى غيليس أن الصفقة مع شركة شيفرون الأميركية ستمثّل بداية حقبة جديدة في مجال الغاز بالنسبة إلى الجزائر، لكنها ستؤجج مخاوف بيئية واقتصادية سيكون من صالح الحكومة معالجتها.

10