الجزائر تفشل في كسب أول رهان لتحقيق الأمن الغذائي

شكلت زراعة السلجم الزيتي أحد أبرز المشاريع التي راهن عليها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في إطار خطة موسعة تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. وانخرط العديد من المزارعين الجزائريين في هذا المشروع الذي كان ينظر إليه على أنه “ريادي” لكن سرعان ما اصطدموا بواقع مرير في علاقة بصعوبة تسويق منتوجهم، الأمر الذي كلفهم خسائر مادية فادحة في غياب خطة إنقاذ حكومية واضحة لتخفيف الخسائر.
الجزائر- أعرب مزارعون وفاعلون في القطاع الزراعي عن خيبة أملهم من مشروع زراعة السلجم الزيتي، بعدما تكبدوا خسائر فادحة نتيجة نوعية البذور والإجراءات الإدارية المطبقة، ليكون ذلك إيذانا بفشل أول مشروع ألح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على تنفيذه من أجل كسب رهان الأمن الغذائي في الحبوب والزيوت الغذائية، أين تسجل الجزائر تبعية كلية فيهما للأسواق الدولية، وهو ما يكلف الخزينة العمومية أموالا طائلة لتلبية الحاجيات المحلية.
وكشف وزير الزراعة الجزائري عبدالحفيظ هني أن الحكومة لا تزال تنتظر نتائج التحقيق الذي فتح في شأن فشل مشروع زراعة السلجم الزيتي، وتكبد بسببه المزارعون خسائر فادحة نتيجة البذور السيئة والتعاطي الإداري البيروقراطي مع نشاطهم الجديد، واستبعد في نفس الوقت فرضية البذور المغشوشة لأن المخابر المختصة قامت بالتحاليل اللازمة، مؤكدا على أن الحكومة لن تتخلى عن هذا المنتوج.
وعبر الكثير من المزارعين المنتجين للسلجم الزيتي عن استيائهم وتذمرهم الشديدين من مماطلة الجهات المختصة في اقتناء الكميات المنتجة منهم، الأمر الذي جعلهم يلجأون إلى استئجار مستودعات خاصة لتخزينها، وذلك بعدما رفضت تعاونيات الحبوب والبقول الجافة (حكومية) استلام كميات السلجم وتخزينها في مستودعاتها، رغم أن المشروع أدرجه الرئيس تبون ضمن خارطة طريق النهوض بالقطاع الزراعي، عبر تنويع الإنتاج الزراعي وولوج عالم التصدير وتحقيق عائدات بالعملة الصعبة.

عبدالحفيظ هني: ما زلنا ننتظر نتائج التحقيق بشأن فشل مشروع زراعة السلجم
ويتوزع منتوج السلجم الزيتي في تجربته الأولى على مساحة تقدر بأحد عشر ألف هكتار قادرة على إنتاج مئة وعشرة آلاف قنطار في انتظار رفع المساحة إلى ثلاثين ألف هكتار وتخفيض فاتورة الاستيراد بنسب تتراوح بين عشرين وثلاثين في المئة.
لكن يبدو أن التوجه لا يحظى بالإجماع داخل الحكومة، فرغم إلحاح الرئيس تبون على القيام بالتجربة في اجتماع للوزراء إلا أن الدوائر الحكومية والمصالح المختصة لم تتفاعل مع الأمر بجدية لأسباب تبقى مجهولة، مما يعطي الانطباع بأن الخطوة اتخذت في إطار عشوائي ولم تحظ بالمشاورات اللازمة حول الجدوى الحقيقية من الخوض في هذه المسألة، ويبدو أن الوزير نفسه غير متحمس للفكرة بحسب مصادر داخل وزارة الزراعة.
وذكرت تقارير محلية أن مديرية تعاونيات الحبوب والبقول الجافة أفادت بأنه “ليس باستطاعتها استلام محاصيل السلجم الزيتي وتخزينه في مستودعاتها، بسبب غياب متعاملين اقتصاديين مختصين في تحويل المنتوج، مثلما كان عليه الحال في الماضي، أين قمنا بتخزينه تطبيقا لأوامر الوزير السابق لقطاع الزراعة والتنمية الريفية الذي وفر محولين دفعوا لهم مستحقات الشراء، ويستحيل علينا استلام المحاصيل لأننا لم نتلق أية أوامر من الوزير”.
وأجرت وزارة الزراعة الأحد اجتماعا طارئا بحضور مدير المعهد التقني للزراعات الواسعة محمد الهادي صخري، وبعض المتعاملين المختصين في التحويل ومنتجين للسلجم الزيتي، من أجل إيجاد حل عاجل للمشاكل التي بات يتخبط فيها هؤلاء، وتوفير محولين وتحديد سعر الشراء، ويكون قد تم التوصل إلى اتفاق بين المنتجين وشركة “سيفيتال” المملوكة لرجل الأعمال يسعد ربراب، لاقتناء المحصول من أجل تحويله وإنقاذ الموسم من الضياع.
وكانت وزارة الزراعة والتنمية الريفية قد أوفدت لجنة وزارية إلى محافظة قالمة بشرق البلاد، لتقصي الحقائق والوقوف على حجم الخسائر والأضرار التي لحقت بالمزارعين الذين انخرطوا في برنامج إنتاج السلجم الزيتي للموسم الزراعي الحالي، وذلك بعد تعرض مزروعاتهم للتلف بسبب نوعية البذور المستعملة التي تم استيرادها من فرنسا.
وأثار النائب هشام سفير خلال الأيام الأخيرة قضية البذور المغشوشة للسلجم الزيتي من نوع “ليديا” المستوردة من فرنسا، بعد معاينته للخسائر التي لحقت بحقول المزارعين، عبر عدد من بلديات المحافظة وبعض محافظات شرق البلاد، وطالب من الجهات المعنية بضرورة فتح تحقيق في القضية بغرض تعويض المزارعين المتضررين الذين بلغ عددهم على مستوى محافظة قالمة 52 مزارعا من الخواص وسبعة مزارع نموذجية تكبدت خسائر فادحة بعد أن أصبح منتجها من السلجم الزيتي مهددا بالتلف، لاسيما بعدما تبين أن نوعية البذور لا تتلاءم مع طبيعة ومناخ المنطقة.
وحققت محافظة قالمة الموسم الماضي نتائج جد مشجعة في زراعة السلجم الزيتي، بعد استعمال بذور من صنف آخر، وهو ما شجّع المزارعين على توسيع دائرة زراعة هذا المنتوج خلال هذا الموسم، قبل أن يتفاجأوا بوجود عدة صعوبات كبدتهم خسائر فادحة بعد تغيير نوعية البذور المستعملة.
رغم إلحاح الرئيس تبون على القيام بالتجربة في اجتماع للوزراء إلا أن الدوائر الحكومية والمصالح المختصة لم تتفاعل مع الأمر بجدية لأسباب تبقى مجهولة
ووجهت أصابع الاتهام إلى شركة حصلت على حصرية استيراد البذور من فرنسا مرورا بليبيا، وإلى جهات إدارية ألزمت المزارعين بالاعتماد على تلك البذور التي اتضح أنها مغشوشة أو غير ملائمة للمناخ المحلي، عكس البذور التي كانت تستخدم في السنوات الأخيرة، بينما حملت جهات أخرى المسؤولية للمزارعين أنفسهم كونهم لم يتبعوا المسار التقني للمنتوج.
وصرح وزير الزراعة لوسائل الإعلام بأن “دائرته الوزارية تنتظر نتائج لجنة التحقيق التي باشرتها بهذا الخصوص، وذلك عبر كل المحافظات المتضررة”، ونفى فرضية “البذور المغشوشة، كون المخابر المختصة قامت بالتحاليل اللازمة”، كما لم يستبعد تقصير المزارعين في اتباع المخطط التقني للمنتوج.
ولفت الوزير إلى أن “الوزارة باشرت إنتاج عباد الشمس، لأن مساره التقني أسهل بكثير من السلجم الزيتي”، لكن دوائر سياسية موالية للسلطة ألمحت إلى خطة خفية لإجهاض مخطط الرئيس تبون، ووجهت أصابع الاتهام إلى من أسمتهم “العصابة”، في إشارة إلى مسؤولين في النظام السابق.