الجزائر تفتح إدارة المؤسسات المدنية أمام ضباط الجيش

السلطة الجزائرية تصدر مرسوما جديدا يكرس توجها سياسيا اختارته في السنوات الأخيرة لعسكرة الإدارات المدنية العمومية.
الثلاثاء 2024/07/16
دور المؤسسة لم يعد مهمة تقليدية بل يشمل مفاصل الشأن العام

الجزائر- أصدرت السلطات الجزائرية مرسوما يقضي بفتح مناصب المسؤولية في المؤسسات المدنية أمام ضباط الجيش، وحددت الشروط والمعايير المطلوبة لذلك، الأمر الذي سيجدد الجدل المثار في السنوات الأخيرة حول عسكرة البلاد، ومعها تمدد نفوذ المؤسسة العسكرية داخل مفاصل الدولة، رغم الانتقادات السياسية الموجهة إلى هذا التوجه.

وتضمن العدد الأخير من الجريدة الرسمية الجزائرية مرسوما رئاسيا حدد شروط وكيفيات إحالة المستخدمين العسكريين العاملين والمتعاقدين على وضعية انتداب لدى الإدارات المدنية العمومية، الأمر الذي يكرس توجها سياسيا اختارته السلطة في السنوات الأخيرة، يقضي بتوسيع دائرة المؤسسة العسكرية لتشمل مختلف الدوائر المدنية.

وبدأت ملامح التوجه تبرز في الآونة الأخيرة بعد تعيين لواء متقاعد على رأس جهاز الجمارك، وضابط في الدرك على رأس مؤسسة الهاتف الخلوي “موبيليس” المملوكة للدولة، ثم تعيين عقيد طيار متقاعد على رأس مؤسسة مطار الجزائر الدولي، فيما تم وضع المؤسسة العمومية للصناعات الميكانيكية تحت وصاية المؤسسة العسكرية.

وعرّف المرسوم الانتداب بأنه “وضعية قانونية أساسية يوضع فيها المستخدمون العسكريون العاملون والمتعاقدون خارج الأسلاك المكونة للجيش الوطني الشعبي، لشغل منصب عمل في إدارة مدنية عمومية”.

◄ الخطوة المتخذة من طرف السلطات الجزائرية جاءت نتيجة لتغول المؤسسة منذ الإطاحة بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عام 2019، تحت ضغط احتجاجات الحراك الشعبي

ويتم انتداب المستخدمين العسكريين العاملين والمتعاقدين بناء على طلب “يُوجه من قبل السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المعنية إلى وزير الدفاع الوطني، ويوضح الطلب طبيعة ومستوى حساسية منصب العمل المعني وتصنيفه، وكذا المؤهلات الخاصة بالمجالين العسكري والأمني المشترطة لتوليه”.

وذكر المرسوم أنه “يتم انتداب المستخدمين العسكريين العاملين والمتعاقدين بموجب مقرر من وزير الدفاع الوطني، ويتم إنهاؤه حسب نفس الأشكال، في حين يمكن الترخيص بتمديد مدة الانتداب المحددة من طرف وزير الدفاع الوطني”.

وحصر العملية في الضباط السامين، حيث ورد في البند الثامن من المرسوم أنه “يتم انتداب الضباط العمداء والضباط السامين لشغل بعض الوظائف العليا في الدولة ضمن القطاعات الإستراتيجية والحساسة من حيث السيادة والمصالح الحيوية للبلاد، وتمديده حصريا بعد الموافقة المسبقة لرئيس الجمهورية، بموجب مقرر من وزير الدفاع الوطني، وبالتنسيق مع السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المعنية”.

على أن يتم الانتداب في منصب عمل يتوافق مع الرتبة التي يحوزها المستخدم العسكري العامل أو المتعاقد المنتدب، والوظيفة أو المنصب الذي كان يشغله قبل تاريخ الانتداب.

وترك القرار الباب مفتوحا أمام المناصب المدنية التي يمكن أن يُعيَّن على رأسها ضابط عسكري، الأمر الذي يفسح المجال أمام إمكانية احتواء المؤسسة العسكرية لقطاع عريض من المؤسسات المدنية، خاصة في ظل الخطاب السائد حول انضباط ومردودية التكوين العسكري، فيما يقابله تسيب وفساد في السلك المدني.

ويطرح متابعون للشأن الجزائري إشكالية التباين في التكوين والأداء بين المؤسسات المدنية والمؤسسة العسكرية، ويتم التساؤل عن التفاوت في الإمكانيات المتاحة، حيث تسجل المدارس التعليمية التابعة للجيش نسبة نجاح كاملة في امتحاني شهادة التعليم المتوسط وشهادة البكالوريا، بينما لا تتجاوز في المدارس المدنية حدود الـ70 في المئة في أحسن الأحوال.

ويذهب هؤلاء إلى أن الاستلهام من المدرسة المصرية في هذا المجال تغافل عن مراجعة سلطات القاهرة في المدة الأخيرة لتمدد مهام وصلاحيات الجيش في الشأن العام، وأن الخطوة المتخذة من طرف السلطات الجزائرية جاءت نتيجة لتغول المؤسسة منذ الإطاحة بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عام 2019، تحت ضغط احتجاجات الحراك الشعبي.

وتتجلى الصورة أكثر في الحضور القوي لقيادة المؤسسة العسكرية في وسائل الإعلام المحلية وفي النشاط الرسمي لهرم السلطة؛ حيث عادة ما يظهر قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، إلى جانب الرئيس عبدالمجيد تبون، في مختلف الأنشطة الداخلية والخارجية، وهو ما يوحي بأن دور المؤسسة لم يعد مهمة تقليدية فقط، بل تعداها ليشمل مفاصل الشأن العام.

◄ ملامح التوجه بدأت تبرز بعد تعيين لواء متقاعد على رأس جهاز الجمارك، وضابط في الدرك على رأس مؤسسة الهاتف الخلوي

ولفت المرسوم إلى أنه “لا يمكن تحويل المستخدمين العسكريين العاملين والمتعاقدين المنتدبين إلى مناصب عمل أخرى في الإدارة المدنية العمومية المستقبلة غير تلك التي تم انتدابهم فيها في الأصل، إلا بعد موافقة مسبقة من وزير الدفاع الوطني”.

وأضاف “تواصل هيئات وزارة الدفاع الوطني التي يتبعها المستخدمون العسكريون العاملون والمتعاقدون المنتدبون ضمان تسيير مسارهم المهني، لاسيما فيما يتعلق بالترقية في الرتبة وإسداء الأوسمة والتكوين طبقا للتشريع والتنظيم الساري المفعول”، وهو ما يبقي وصايتهم تحت المؤسسة الأم، ويطرح معها مسألة محاسبتهم ومساءلتهم.

ويتواجد العشرات من الضباط، من بينهم نحو 40 جنرالا، في السجن العسكري بتهم مختلفة، لاسيما الفساد والتربح غير المشروع واستعمال الوظيفة والنفوذ، وهو ما يوحي بأن الفساد ليس حكرا على المؤسسات المدنية والموظفين المدنيين فقط، وإنما يوجد في المؤسسة العسكرية والأمنية التي فُسح المجال أمامها لشغل المناصب المدنية.

وجاء في المرسوم “يبقى المستخدمون العسكريون العاملون والمتعاقدون المنتدبون خاضعين لمجموع الواجبات القانونية الأساسية التي تحكم حالة العسكري، ومجموع النصوص التشريعية والتنظيمية الأخرى التي يخضعون لها”.

وعن أوجه الخطأ والتقصير في المهمة الجديدة يقول المرسوم “يكون كل إخلال بقواعد الانضباط والواجبات المهنية يرتكبه المستخدمون العسكريون العاملون والمتعاقدون المنتدبون، محل تقرير مفصل توجهه السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المستقبلة إلى وزير الدفاع الوطني”.

1