الجزائر تعول على السينما التاريخية أكثر من غيرها

"السويقة" و"الساقية" فيلمان جديدان يستعيدان تاريخ الاستعمار من تونس إلى الجزائر.
الاثنين 2023/02/20
كواليس تصوير فيلم "السويقة"

تعتبر السينما التاريخية مواد توثيقية هامة للغاية، تتجاوز في تأثيرها كتب المؤرخين وحتى النصوص الأدبية بما تقدمه من مواد سمعية بصرية برؤى إخراجية وعناصر فنية تجعل من الحدث التاريخي حدثا حيا، وبالتالي يتعامل معه المشاهدون على أنه الحقيقة أو التاريخ مستعادا. ومن هنا تفطن الكثيرون إلى أهمية السينما في استعادة التاريخ وتمرير رسائل الحاضر حتى، على غرار ما فعلته وتفعله الجزائر.

قسنطينة (الجزائر) - تشهد السينما الجزائرية هذه الأيام عودة إلى تصوير عدد من الأفلام التاريخية، على غرار فيلم “السويقة” عن قسنطينة وفيلم “الساقية” عن الأحداث التاريخية المشتركة بين تونس والجزائر في مدينة ساقية سيدي يوسف التونسية المتاخمة للحدود الجزائرية.

ومع هذين الفيلمين تواصل الجزائر دعمها للسينما التاريخية رغم الجدل الذي يحوم حولها بعد إنجاز كل عمل من هذا النمط، جدل يمس بمصداقية التناول التاريخي والتوظيف السياسي الراهن لأحداث الماضي.

واحتضنت ساحة متحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية “قصر الحاج أحمد باي” بقسنطينة نهاية الأسبوع إشارة انطلاق تصوير المشاهد الأولى للفيلم التاريخي “السويقة” الذي يسلط الضوء على إحدى أهم الحقب التاريخية التي عاشتها مدينة قسنطينة خلال الفترة الاستعمارية ونضال سكان هذا الحي العتيق.

رغم أهمية الفيلمين في التأريخ لمرحلة مهمة من تاريخ شمال أفريقيا لا الجزائر فحسب فإنهما يظلان محل جدل

ويروي هذا الفيلم أحداثا حقيقية لنضال سكان هذا الحي إبان فترة الاستعمار الفرنسي وهو من تأليف وإخراج عمار محسن، حيث يسلط الضوء على مدار ساعة ونصف الساعة على عادات وتقاليد المدينة وكفاحها المرير إبان الثورة التحريرية الوطنية الجزائرية وما تبعها من أحداث دامية.

وتعود الفترة الزمنية التي يتناولها الفيلم إلى أول يوم من شهر رمضان إلى غاية ليلة عيد الفطر من سنة 1958 وذلك بحي السويقة العتيق.

وقد أبرز المخرج محسن أن القصة حقيقية وممزوجة بشيء من الخيال عاش تفاصيلها باعتباره ابن الحي وشاهدا على مآس عاشها أفراد عائلته وجيرانه واستشهاد عدد من سكان المدينة سنة 1958.

كما يتضمن هذا العمل السينمائي حسب ذات المتحدث مشاهد لأسماء ثورية على غرار الشهيد حملاوي وشخصيات أخرى، إلا أن هناك مشاهد وشخصيات في فيلم ”السويقة” من نسج الخيال.

وخلال إشرافه على انطلاق تصوير المشاهد الأولى لهذا الفيلم التاريخي بحضور عدة وجوه فنية، أبرز محافظ قسنطينة عبدالخالق صيودة أهمية مثل هذه الأعمال الفنية التي توثق لمحطة هامة من تاريخ قسنطينة التي تعد قلعة للفداء، مؤكدا على دعمه لإنجاح هذا الفيلم.

وأوضح سمير قنز مدير الإنتاج بالتلفزيون الجزائري أن الانطلاق الفعلي لتصوير فيلم “السويقة” سيكون في غضون الأسبوع الثاني الموالي لعيد الفطر المقبل لتتبعه عملية ترويج لهذا الإنتاج السينمائي. وأضاف أن هذا الفيلم سيسمح بفتح المجال أمام مواهب في مسارح جهوية ومؤسسات شبابية.

أحداث ساقية سيدي يوسف تاريخ تونسي – جزائري مشترك
أحداث ساقية سيدي يوسف تاريخ تونسي – جزائري مشترك

أما الممثل حكيم دكار بطل فيلم “السويقة” الذي يتقمص شخصية الهادي فقد أشار إلى أن هذا العمل ”مزيج بين الحقيقة والخيال ويروي أحداث ويوميات سكان حي السويقة العتيق والذي كان يمثل القلب النابض لمدينة قسنطينة”.

كما أطلقت الجزائر إشارة انطلاق تصوير أول فيلم جزائري تاريخي من نوع التحريك ثلاثي الأبعاد بعنوان “الساقية” بتونس، وينتج هذا الفيلم التاريخي من طرف وزارة المجاهدين وذوي الحقوق حيث تبلغ مدته 70 دقيقة ويقوم بإخراجه نوفل كلاش، فيما أعد السيناريو الخاص به والذي يتناول أحداث ساقية سيدي يوسف الطيب توهامي.

وتستخدم في هذا الفيلم مشاهد مستنبطة من مناطق بالجزائر العاصمة والمدية وسوق أهراس وسيستغرق تحضيره 30 أسبوعا ويسهم في ضبطه 20 تقنيا.

مخرج فيلم "السويقة" يبين أن قصته حقيقية وممزوجة بشيء من الخيال عاش تفاصيلها باعتباره ابن الحي وشاهدا

ويعد فيلم “الساقية” ملحمة ثورية لمنطقة حدودية امتزج فيها الدم الجزائري بالدم التونسي بعد أن توحدت قلوب الشعبين على هدف واحد وهو الحرية ونيل الاستقلال.

ويروي الفيلم قصة عائلة الجد أحمد الجزائرية المتكونة من الجد أحمد وابنته وحفيده عمار والذين اضطرتهم حملات القمع والنهب والتخريب التي يقوم بها جيش المستعمر ضد المدنيين إلى مغادرة الدوار الذي يعيشون فيه والانتقال كلاجئين إلى بلدة ساقية سيدي يوسف لتستقر العائلة هناك في كوخ بسيط يملكه أحد أهالي الساقية وهو التونسي بلقاسم الذي قرر من تلقاء نفسه مساعدة هذه العائلة الجزائرية ومد يد العون لها واقتسام لقمة العيش معها.

وفي مشهد آخر، يتمكن الطفل عمار من تحدي الصعاب وقطع المسافات للالتحاق بوالده في ساقية سيدي يوسف والالتقاء به قبل أن يفارق الحياة.

ولم تتوقف مأساة عمار عند هذا الحد، بل عايش أحداث ومجازر ساقية سيدي يوسف وقصف طائرات الاحتلال لكل ما هو حي في تلك المنطقة الحدودية.

وبشيء من التشويق، وقع القصف الاستعماري عندما كان عمار رفقة زملائه في القسم يدرسون حيث كان بصدد رسم يهديه لصديقه بمناسبة عيد ميلاده. وهنا يطرح الفيلم العديد من الأسئلة من بينها هل ينجح عمار في إيصال هديته وهل يتمكن الطفلان من البقاء على قيد الحياة تحت بطش القصف ونيران التفجيرات التي طالت الساقية ذات الثامن من فبراير 1958.

ورغم أهمية الفيلمين في التأريخ لمرحلة مهمة من تاريخ شمال أفريقيا لا الجزائر فحسب، وفي رصد انتهاكات الاستعمار والتذكير بنضالات الشعوب المشتركة، فإن هذه الأعمال تظل محل تشكيك في مصداقيتها التاريخية، خاصة من باب التوظيف السياسي لها، لكن السيينما في النهاية تكتسب قوتها من أنها فن لا يدعي النقاء، بل تتداخل فيه الغايات والمآرب والفنون والأفكار بشكل كبير، ما يجعله ذا حدين، إذا علمنا مدى تأثيره العميق في أفكار ومشاعر المتلقين.

13