الجزائر تعول على إحصاء أصولها الزراعية للنهوض بقدرات القطاع

الجزائر- تعول الجزائر على المضي قدما في إحصاء أصولها الزراعية أملا في النهوض بالقطاع الذي ظل لسنوات طويلة بعيدا عن اهتمام الدولة قياسا بجيرانها بسبب الاعتماد المفرط على الاستيراد بفضل دولارات النفط والغاز.
ويقول المسؤولون إن الخطوة تهدف لتحقيق معرفة أفضل بواقع الزراعة ووضع مؤشّرات واقعية في إطار أهداف التنمية المستدامة، وتوجيه وتحديد سياسات بما يخدم المزارعين، ومختلف الفاعلين في هذا القطاع الإستراتيجي.
وشدد الرئيس عبدالمجيد تبون خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه الأحد الماضي على ضرورة إيلاء كل الأهمية للإحصاء العام للزراعة، التي تشكل ثاني أكبر قطاع بعد صناعة الوقود الأحفوري، باعتباره أداة “أساسية” لاتخاذ القرار.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن مجلس الوزراء قوله إن تبون “طلب من الحكومة” التركيز على هذا الأمر “كونه آلية لمعرفة القدرات الوطنية وتحديد الاحتياجات لاتخاذ القرارات الصحيحة المستندة على المعطيات العلمية الدقيقة”.
وقررت السلطات قبل أكثر من عامين الاتجاه نحو إحصاء الأصول الزراعية والحيوانية وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين، بينما يمر البلد كغيره من الدول العربية بمشكلة الجفاف وشح الأمطار بسبب التغير المناخي.
ورغم أن أوساط القطاع أكدوا حينها أن القرار جاء متأخرا، لكنه يمكن أن يضع بوصلة جديدة لتطوير استثمارات القطاع، في ظل امتلاك البلد النفطي مقومات كبيرة لتحقيق تنمية مستدامة في ركيزة أساسية لم تعرها السلطات اهتماما كبيرا في السابق.
وكانت آخر عملية إحصاء للقطاع قد أجريت في العام 2001، ومنذ ذلك الحين لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من وضع إستراتيجية واضحة المعالم لتنمية هذا المجال الحيوي بالشكل المطلوب.
وتعكف وزارة الفلاحة على القيام بإحصاء زراعي وحيواني شامل في كافة أرجاء البلاد، والذي يتوقع أن يعطي ملامح دقيقة عن حجم الأصول في هذا القطاع انسجاما مع الخطة الخمسية التي تنتهي في العام 2024.
وتسطير القرارات والخطط الاستثمارية والتنموية في الزراعة بطريقة أكثر فاعلية تنفيذا لخارطة الطريق التي بدأت في 2020، مما يعززُ توجُّه الجزائر نحو نموذج التنويع الاقتصادي الذي لا يزال مجرد شعارات للسياسيين.
وشملت المرحلة الأولى من عملية الإحصاء، التي بدأت في أواخر 2021 خمس ولايات (محافظات)، تشمل كلا من عين تموشنت وتيبازة وميلة وغرداية وأدرار، ثم باقي الولايات التي تمت على مراحل من شأنها إيجاد قيمة مضافة في المجال.
ومن المرجح أن تساعد عملية الإحصاء في جمع كافة بيانات المستثمرين والاستثمارات الزراعية المنتشرة بالبلاد وأيضا القوى العاملة والتأمينات والموارد المائية والمواشي ونسبة استغلال الأراضي وكل المدخلات الأخرى التي لها علاقة بالقطاع.
وخلصت وزارة الفلاحة بعد أشهر من الجرد إلى أن مساحة الأراضي المستغلة زراعيا لا تتجاوز 1.8 مليون هكتار بينما كان الرقم المتداول 3 مليون هكتار، وبالنسبة إلى رؤوس الأغنام مثلا فتبلغ 19 مليونا وليس 29 مليونا كما كان يُتداول.
وخلفت زيادة تكاليف البضائع في أنحاء العالم ضغوطا هائلة على الأسعار وخاصة السلع الغذائية. وكان من المنطقي أن يرتفع التضخم إلى حد لا يحتمل بالنسبة إلى عدد كبير من الجزائريين.
13
في المئة نسبة إيرادات الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي البلاد، أي ما يعادل 25 مليار دولار سنويا
ولمواجهة التقلبات غير المتحكم فيها، تسعى الحكومة إلى إرساء أسس زراعية عصرية تتسم بالكفاءة والفعالية والتنافسية مما يساعدها في ضمان الأمن الغذائي المنشود على المدى القصير.
ويعتمد الإحصاء العام للمناطق الزراعية والثروة الحيوانية بالبلاد على الاستفادة من تقنيات الرقمنة ومعالجة البيانات وربطها مع قاعدة البيانات المركزية الخاصّة بوزارة الفلاحة. وبدأت الوزارة قبل عامين في استخدام المسيرات في هذه العملية، كأوّل تجربة بالبلاد، خاصة في الإحصاء للمزارع والثروة الحيوانية في المناطق الصّحراوية.
وسبق أن أكد الخبير الاقتصادي أنور سكيو أن الإحصاء الدقيق يُعطي نوعا من الدفع الإيجابي للقطاع عن طريق تمويل التجهيزات والوسائل المادية والبشرية الخاصّة بالعملية على مستوى 1541 بلدية منتشرة في أنحاء الجزائر.
وتوقع سيكو، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة عين تموشنت غرب الجزائر إيجاد معلومات خاصة بعد عملية الإحصاء، ما سيسمح بامتلاك مراجع تُستعمل قاعدة بيانات ضرورية لإجراء تحقيقات وسبر آراء مستقبلية حسب الحاجة.
وتشير التقديرات إلى أن الجزائر تمتلك أكثر من مليون مستثمرة زراعية وحيوانية، لكن يبدو أنها غير كافية لتحقيق الاكتفاء الغذائي بدليل أن الحكومة تعمل تقليص فاتورة الاستيراد مهما كانت التكاليف.
وتشكل إيرادات الزراعة 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البلاد، أي ما يعادل 25 مليار دولار سنويا، فيما يعمل بالقطاع 2.5 مليون شخص من بين 44 مليون نسمة، بحسب التقديرات الرسمية.
كما تمكن القطاع من تحقيق متوسط نمو في العقد الماضي وصل إلى حوالي 2.7 في المئة، مع تغطية الاحتياجات الغذائية للسكان بنحو 73 في المئة، وفق ما يؤكده المسؤولون الحكوميون.
ومع ذلك، فإن هذا المجال الذي يعتمد بكثافة على الأمطار ورواتب العاملين فيه ضعيفة لم يتطور على النحو المأمول، وبالكاد يستخدم بعض التقنيات الحديثة، التي يمكن أن تحفزه على المزيد من النمو.