الجزائر تعقد ملتقى حول منطقة الساحل رغم القطيعة مع الدول المعنية

المؤتمر يمنح انطباعا للرأي العام الداخلي بأن الجزائر لا تزال حاضرة في المنطقة وأنها لا تعيش حالة عزلة.
الاثنين 2025/05/26
تناقضات الدبلوماسية الجزائرية

الجزائر- نظمت وزارة الدفاع الجزائرية ملتقى وطنيا حول الوضع في منطقة الساحل بحضور كبار الخبراء والضباط والمختصين، في وقت تشهد فيه علاقات الجزائر قطيعة وتوترا غير مسبوق مع كل دول المنطقة، مما أثار تساؤلات حول أهدافه والغاية منه.

ويكشف الملتقى عن تناقضات السياسة الجزائرية التي تصعّد مع جيرانها في منطقة الساحل وفي نفس الوقت تصر على الظهور كعرّاب إقليمي، وهو ما يعكس ارتباكا جزائريا بات مألوفا في ملفات كثيرة أخرى.

وبينما ترجّح أوساط أن يكون هدف الجزائر من الملتقى هو إرسال رسائل تعبر عن رغبتها في العودة إلى الحوار مع دول الساحل من موقع المُبادر، يخشى محللون أن يأتي بمردود عكسي ويتم تأويله إلى تدخل في الشأن الداخلي لدول المنطقة التي تتبنى خطابا استقلاليا.

ويمنح المؤتمر انطباعا للرأي العام الداخلي بأن الجزائر لا تزال حاضرة في المنطقة وأنها لا تعيش حالة عزلة وارتباك.

الملتقى يكشف عن تناقضات السياسة الجزائرية التي تصعّد مع جيرانها في منطقة الساحل وفي نفس الوقت تصر على الظهور كعرّاب إقليمي

ولم يصدر أي تعليق أو موقف من عواصم دول الساحل عن انعقاد ملتقى دفاعي لمناقشة الأوضاع في المنطقة بالعاصمة الجزائرية المدرجة ضمن لائحة الأطراف غير المرغوب فيها، خاصة منذ حادثة الطائرة المسيّرة المالية التي أسقطها الجيش الجزائري مطلع شهر أبريل الماضي، التي تسببت في تأجيج الأزمة بين الطرفين، وأفضت إلى إجراءات قطيعة متبادلة بينهما على غرار سحب السفراء وغلق المجال الجوي.

وأكد الوزير المنتدب للدفاع الجزائري وقائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، في كلمة افتتاحية، على التزام بلاده بمبادئها الثابتة القائمة على حسن الجوار واحترام سيادة الدول ووحدتها، وتفضيلها للمقاربات السلمية المبنية على الحوار في حل الأزمات.

وهي رسالة واضحة تعبّر عن رغبة الجزائر في فتح صفحة جديدة مع دول المنطقة السائرة نحو إرساء تحالف إقليمي تدعمه قوى إقليمية ودولية، على غرار روسيا وتركيا، عبر حزمة من التدابير ومشاريع التعاون العسكري والأمني والاقتصادي والتنموي، خاصة في ظل الحتميات التي تمليها الطبيعة الجغرافية والإستراتيجية لدى الطرفين، فمهما كانت البدائل الممكنة، إلا أنها لا تلغي كون كل طرف هو بوابة للآخر في وجهتي الشمال أو الجنوب.

وشدّد شنقريحة على أن “الجزائر حريصة دوما على تقديم يد المساعدة لبلدان الجوار من خلال برامج تعاون عسكري متعددة الأشكال لاسيما في إطار لجنة الأركان العملياتية المشتركة.”

وتابع “الجزائر، الملتزمة بمبادئ سياستها الخارجية الثابتة، على غرار الاحترام المتبادل وحسن الجوار ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها الوطنية ووحدتها الترابية، بذلت ولا تزال تبذل جهودا حثيثة من خلال مساعيها الدبلوماسية، لاستعادة الاستقرار السياسي والأمني في منطقة الساحل، من خلال تفضيل الحلول السلمية للأزمات، ورفض منطق السلاح وتشجيع أسلوب الحوار والمفاوضات.”

واستطرد “كانت الجزائر ولا تزال عنصر أمن واستقرار في المنطقة، من خلال حرصها على تعزيز إمكانات الدفاع لشركائها وجيرانها في الساحل، في إطار برامج التعاون العسكري الثنائية والتكوين لفائدة القوات المسلحة لبلدان المنطقة، وكذا مرافقتها في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال لجنة الأركان العملياتية المشتركة، في إطار مبدأ التكفل الذاتي لكل بلد بتحدياته الأمنية، واحترام تام لسيادة الدول.”

pp

وكانت الحكومة المالية قد أعلنت انسحابها الفوري من لجنة الأركان العملياتية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، في أعقاب حادثة الطائرة المسيّرة الشهر الماضي، كما أعلنت حكومة النيجر قبل ذلك إنهاء العمل باتفاقية مراقبة الهجرة السرية، وهما خطوتان اعتبرتهما الجزائر تملصا للطرفين من مسؤولية المحافظة على الأمن في المنطقة، ودعما غير مباشر لفوضى حركة الأشخاص، التي فاقمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية من مختلف الجنسيات الأفريقية.

وفي المقابل تتمسك الجزائر، باعتبار المكون الأزوادي جزءا من النسيج السياسي والاجتماعي في المنطقة خاصة بالنسبة إلى دولة مالي، وأن الحل المثالي للأزمة يكمن في اعتماد المقاربة السياسية والحوار بين الفصائل الأزوادية وحكومة باماكو، وفق مخرجات اتفاق المصالحة الوطنية المبرم في العام 2015 برعاية أممية.

ولفت شنقريحة في كلمته إلى أن “الدور النشط الذي اضطلعت به الجزائر في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الساحل، من خلال تكريس مبدأ التضامن مع شعوب تربطها مع الجزائر علاقات تاريخية وحضارية متميزة، وأنه يتم تقديم المساعدات الإنسانية، وتمويل مشاريع التنمية المهيكلة ذات البعد الإقليمي، بغرض تشجيع سكان المنطقة على العيش بكرامة وأمل في أوطانهم، وإحباط مشاريع صناعة عدم الاستقرار في المنطقة.”

وشدّد شنقريحة على أن بلاده، “ستظل رغم محاولات التشويش على دورها المحوري في المنطقة، رقما فاعلا في الأمن والسلام في الساحل، وستواصل في ظل الرؤية الإستراتيجية الحكيمة والمتبصرة لرئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، تبذل كل ما في وسعها لإرساء أسس الحوار، وبعث مقاربات إقليمية بناءة من أجل تكريس الأمن والاستقرار في المنطقة.”

1