الجزائر تعتمد الحلول الجاهزة والمؤقتة لشراء السلم الاجتماعي

الحكومة تلجأ إلى الاستيراد لتهدئة غضب الشارع.
الأربعاء 2022/10/12
وضع مربك

تواجه الجزائر معدلات تضخم مرتفعة أثرت بشكل كبير على شريحة هامة من المواطنين، فضلا عن ظهور أزمة شح في المواد الأساسية في الأسواق، الأمر الذي أدى إلى احتقان شعبي أثار قلق السلطة التي عمدت إلى اتخاذ سلسلة من القرارات وصفها متابعون بالارتجالية لاحتواء الوضع.

الجزائر - تحاول الحكومة الجزائرية امتصاص الغضب الاجتماعي المتفاقم في الآونة الأخيرة جراء ندرة المواد الأساسية وارتفاع الأسعار.

واتخذ مجلس الوزراء الذي انعقد مؤخرا برئاسة الرئيس عبدالمجيد تبون حزمة من القرارات ترمي في ما يبدو إلى شراء السلم الاجتماعي، في غياب بدائل اقتصادية حقيقية طالما أن البلاد التي تملك ثروة من الطاقة لا تزال تراهن على الاستيراد في توفير المواد الأساسية، في مقابل شح المنتوج المحلي الذي لا يغطي ولو نسبيا الحاجيات الوطنية.

ويقول مراقبون إن الحكومة الجزائرية تنتهج سياسة ترقيعية برهانها على الحلول الجاهزة والمؤقتة لتفادي أي اضطرابات قد تحصل، وهو ما بدا واضحا من خلال جلسة مجلس الوزراء التي شددت على ضرورة سهر الحكومة على توفير الكميات الضرورية من المواد ذات الاستهلاك الواسع مع التحكم في أسعارها، فضلا عن فتح المجال أمام الخواص لاستيراد المركبات.

وتسود حالة من القلق الاجتماعي بالجزائر في الآونة الأخيرة بسبب عودة ظاهرة الندرة والارتفاع الكبير في الأسعار، خاصة في المواد ذات الاستهلاك الواسع على غرار الحليب والزيت والدقيق (الطحين)، إلى جانب تصاعد الانتقادات لأداء الحكومة في العديد من القطاعات لاسيما التجارة والزراعة والمالية.

إسماعيل لالماس: أي إصلاح اقتصادي لا بد أن يمر عبر إصلاح سياسي

وتطبق السلطات الجزائرية في السنوات الأخيرة مخططا تقشفيا غير مسبوق بدعوى تقليص فاتورة الاستيراد إلى مستويات تقارب مداخيل البلاد من عائدات النفط والغاز، لكن ذلك كان على حساب الحاجيات الأساسية للسكان، الأمر الذي خلق غليانا شعبيا حمل نذر انفجار اجتماعي وشيك، وقد تمت ترجمته في مداخلات ناقدة لها من طرف نواب البرلمان أثناء عرض مشروع بيان السياسة العامة.

ويعتبر قطاع المركبات من بين القطاعات المتضررة من قرار وقف الاستيراد خلال السنوات الأخيرة، ففيما تم حل ورشات التركيب المملوكة لرجال أعمال يتواجدون في السجن منذ العام 2019 بتهم الفساد ثم تأميمها من طرف الحكومة، لم تحضر الحكومة بديلا مناسبا، مما أدى إلى اهتراء المركبات، وتصاعد حوادث السير المميتة، وارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية المتداولة للمركبات المستعملة.

ويقول مختصون في هذا المجال إن قرار وقف الاستيراد في هذا المجال خلف تراكما للحاجيات حيث تقدر حاليا بمليون مركبة، الأمر الذي سيخنق السوق المحلية ويؤدي إلى حالة من اللهفة يصعب على الحكومة إشباعها متى أرادت العودة إلى الوضع الطبيعي.

وقرر مجلس الوزراء فتح المجال أمام الخواص لاستيراد مركباتهم بإمكانياتهم المالية الخاصة دون توجيهها إلى النشاط التجاري على ألا يتجاوز عمر المركبة ثلاث سنوات، وهو القرار الذي تباينت ردود الفعل بشأنه بين مرحب يرى أنه سينهي اللغط القائم في السوق، وبين متردد لأنه لن يحل مشكلة السوق، بالنظر إلى الإمكانيات الخاصة (السوق الموازية للعملة الصعبة)، والرسوم الجمركية والجبائية التي تجعل المركبة في نفس السعر الحالي.

ولتجاوز هذه المسألة أمر مجلس الوزراء أيضا بالسماح للشركات الأجنبية التي يجري التفاوض معها حاليا للاستثمار بالجزائر، باستيراد المركبات كمرحلة أولى قبل الوصول إلى إقامة مصانعها والشروع في الإنتاج.

ولم يفصح بيان الاجتماع عن الآليات العملية لضمان الوفرة والأسعار المناسبة للمواد ذات الاستهلاك الواسع، أو مرافقة المؤسسات الحكومية لمستوردي المركبات الخواص، الأمر الذي علق عليه البعض بالقول إنه “ذر للرماد في العيون”، لأن السياسة الاجتماعية لا يمكن أن تحل تعقيدات الأزمة الحقيقية التي تتخبط فيها البلاد، لاسيما في شقيها السياسي والتحول الاقتصادي.

ويقول الخبير المالي والاقتصادي إسماعيل لالماس في هذا الشأن إن “أي اصلاح اقتصادي أو مالي لا بد أن يمر عبر إصلاح سياسي حقيقي يعيد الكلمة إلى الشعب في اختيار حكامه ومؤسساته، وأنه لا يمكن لسياسة شراء السلم الاجتماعي أن تنزع من الجزائريين رغبتهم في تغيير سياسي حقيقي”.

وعمد الرئيس تبون منذ وصوله إلى قصر المرادية في العام 2019 إلى إعلان حزمة من الإجراءات الاجتماعية، كالرفع من الرواتب واستحداث منحة للبطالة، والتعهد برفع آخر في المدى القريب، فضلا عن الاستمرار في سياسة الدعم الشامل للمواد الاستهلاكية، رغم أن برنامج حكومته يتضمن شقا يتعلق بتحويل الدعم المذكور إلى دعم مباشر، الأمر الذي يكلف الخزينة العمومية سنويا ما مقداره 15 مليار دولار.

لكن التقلبات التي تشهدها الأسواق الدولية في بعض المواد المستوردة كالقمح والحليب والمادة الأولية للزيوت، خاصة بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، وانتهاج سياسة التقليص المفرط للاستيراد، ساهمت في ارتفاع مؤشر التضخم إلى ما فوق تسع درجات حسب بيان رسمي، لكن بالموازاة يقول مختصون إنه أعلى بكثير، الأمر الذي دمر القدرة الشرائية ووسع دائرة الفقر وأشاع الندرة وارتفاع الأسعار.

وألمحت خطابات مسؤولين حكوميين على غرار رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن ووزير العدل عبدالرشيد طبي إلى وجود ما أسمته بـ”جهات تريد تأليب الشارع على السلطات العمومية”، دون أن تشير إلى هويتها، وأعطت الانطباع بأنها تتعدى نشاط شبكات التهريب، ولذلك قررت إدراج ممارسات المضاربة والاحتكار في جرائم الإرهاب التي تصل عقوبتها إلى ثلاثين سنة سجنا نافذة.

وخلال الجلسة الأخيرة اتخذ مجلس الوزراء العديد من التدابير الأخرى المتعلقة بتطوير وتحديث المنظومة الضريبية لتحقيق عدالة جبائية بين جميع الفئات الاجتماعية بمن فيهم أصحاب الثروات، واستحداث مناطق حرة في مناطق حدودية بالجنوب الغربي والجنوب وشرق البلاد لتطوير نشاط التصدير للمنتوجات المحلية، فضلا عن إجراءات أخرى في قطاع السكن والتربية والجماعات المحلية.

4