الجزائر تطلق يدها الحزبية لتطويق اليمين الفرنسي

طرحت مبادرة حزب التجمع الوطني الديمقراطي في الجزائر الداعية لأحزاب فرنسية من أجل التحالف ضد اليمين المتطرف في فرنسا، تساؤلات شعبية وسياسية بشأن طبيعة الخطوة وأهدافها، في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين توترا غير مسبوق.
الجزائر - أطلق رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي في الجزائر، دعوة لأحزاب فرنسية من أجل التحالف ضد اليمين المتطرف، وهي الخطوة الغامضة التي أثارت استفهامات المتابعين، حول جدوى ومعقولية الخطوة، وما إذا كانت المبادرة موقفا حزبيا معزولا، أم صوتا يعبر عن رأي داخل السلطة يريد تجريب مختلف الآليات للتطبيع مع فرنسا.
وأكد الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي مصطفى ياحي، وهو القوة السياسية الثانية في البلاد، رفض حزبه لخطاب الابتزاز والضغط الذي يعتمده اليمين المتطرف وأذرعه الإعلامية، خاصة في ما يتعلق بمراجعة اتفاقية 1968، والتي أفرغت من محتواها، ولم تعد تتضمن أي امتيازات للجزائريين.
وأوضح المتحدث، في ندوة بعنوان “قراءة في اتفاقيات إيفيان”، المفضية إلى استقلال الجزائر في 1962، أن حزبه مستعد للتواصل مع التيارات والشخصيات السياسية والإعلامية الفرنسية المعتدلة، من أجل التصدي لحملات التصعيد التي يقودها اليمين المتطرف، حفاظا على علاقات متوازنة بين الجزائر وفرنسا تقوم على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.
وأشاد بما أسماه، “المواقف الحكيمة لبعض القوى السياسية والإعلامية الفرنسية، التي تعي أهمية العلاقات التاريخية والاجتماعية بين البلدين، وترفض الانسياق وراء خطابات التصعيد العدائية، لاسيما وأن هذه المواقف تلعب دورا في تهدئة التوترات وحماية الروابط المشتركة.”
ويرى متابعون لعلاقات البلدين، بأن الاتفاقيات التي تصر الحكومة الفرنسية على تعديلها، بدعوى عدم مواكبتها للتطورات، ولتداعياتها على الجبهتين الاجتماعية والأمنية، هي امتداد للاتفاق الأصلي المفضي لتقرير مصير الجزائر، وهو اتفاق إيفيان المبرم بين قيادة جبهة التحرير الجزائرية والحكومة الفرنسية.
ويضيفون: “الاتفاقيات المتصلة بتلك المبرمة العام 1968، والمعدلة 1974، و1986، و1994، و2002، عالجت مخرجات اتفاق تقرير المصير، وأن السلطات الفرنسية تريد في كل مرة، التنصل من التزاماتها وافتعال الأعذار من أجل تعديل جديد، إلى درجة أن صارت اتفاقية بدون محتوى حقيقي.”
وقال الرجل الأول في الحزب الموالي للسلطة مصطفى ياحي، بأن “اتفاقيات إيفيان لم تكن مجرد إطار قانوني لتنظيم العلاقات بين الجزائر وفرنسا، بل مثلت تتويجا لنضال طويل، حيث فرضت الثورة الجزائرية واقعا جديدا أجبر فرنسا على الاعتراف باستقلال الجزائر، بعد فشلها في قمع المقاومة الشعبية.”
◙ مثل هذه المواقف والتصريحات عادة ما تكون انعكاسا لموقف رسمي يراد أن يعبر عنه بواسطة حزب سياسي
ولفت إلى أن “هذه الاتفاقيات، الموقعة في 18 مارس 1962، لم تكن مقتصرة على تنظيم حركة تنقل الجزائريين، كما يروج له اليمين المتطرف، بل تضمنت أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية، تهدف إلى ترسيخ تعاون متوازن بين دولتين مستقلتين.”
وتفادى المتدخل، تقديم توضيحات أكثر حول دعوته لفتح اتصالات مع من وصفهم، بـ “القوى المعتدلة” في فرنسا، من أجل إرساء تحالف يحيد اليمين المتطرف، فهو على مشروعية الطرح الغامضة، لاسيما وأنها تمثل تدخلا في الشأن الداخلي الفرنسي، فإنه لم يبرز إن كانت المسألة خطوة خالصة من الحزب، أم إيحاء فوقيا، يعبر عن موقف داخل السلطة، يبحث عن تطويق الأزمة مع الفرنسيين بشتى الوسائل.
وعادة ما تكون مثل هذه المواقف والتصريحات، خاصة تلك التي تتعدى صلاحيات القادة في الداخل، انعكاسا لموقف رسمي يراد أن يعبر عنه بواسطة حزب سياسي أو منشور إعلامي، ولذلك لا يستبعد مراقبون، أن يكون تصريح مصطفى ياحي، وجه من أوجه الرغبة في التسوية السياسية التي ترغب فيها الجزائر مع الفرنسيين بعيدا عن لوبيات اليمين.
وانتقد رئيس حزب التجمع محاولات حصر اتفاقيات إيفيان في مسائل الهجرة، واعتبرها انعكاسا لرؤية ضيقة وتوظيفا عدائيًا من اليمين المتطرف، يتجاهل السياق التاريخي والاقتصادي والاجتماعي لهذه الاتفاقيات، التي شكلت أساس العلاقات بين البلدين رغم التحولات التي شهدتها.
وأضاف “الحزب يدرك أن الاستفزازات الأخيرة للحكومة الفرنسية تضر بالعلاقات الثنائية، وأنه يقف إلى جانب الدبلوماسية الجزائرية، بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في حماية الجالية الجزائرية بفرنسا من حملات اليمين المتطرف.”
ولم يفوت الفرصة للدعوة إلى اعتماد الحوار الفكري كوسيلة لفهم التحديات واستشراف الحلول بعيدا عن الشعبوية والتضليل، لاسيما وأن العلاقات الجزائرية – الفرنسية يجب أن تبنى على المصالح المشتركة، بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة والأجندات الظرفية.
لكن في المقابل أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، موقفا مشروطا لبلاده، مقابل التطبيع مع الجزائر مجددا، وأعرب عن رغبة بلاده في إقامة علاقات جيدة مع الجزائر، وعن أمله في أن تبدأ السلطات الجزائرية مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية من خلال معالجة مشكلة الهجرة.
وقال المتحدث خلال جلسة في الجمعية الوطنية: “من المؤكد أن فرنسا تتطلع إلى إقامة علاقات جيدة مع الجزائر، وهي دولة مجاورة تربطنا بها علاقات وثيقة، ولكي يحدث هذا، لابد أن تهدأ العلاقات، ولكن لا يمكن فرض الهدوء من جانب واحد.”
وشدد على أن، “فرنسا ليست هي السبب في التصعيد، وأن فرنسا ليست هي التي تقف وراء الاعتقال التعسفي لكاتب فرنسي جزائري. وليست فرنسا هي التي ترفض إعادة الرعايا الفرنسيين الموجودين في وضع غير نظامي على الأراضي الجزائرية، ومن من الواضح أننا نريد حل التوترات، ولكن بشروط ومن دون أي ضعف.”