الجزائر تطلق خلية للإنذار ورصد تقلبات الأسواق العالمية

الجزائر - أطلقت الجزائر لجنة لرصد ومتابعة تقلبات الأسواق الدولية، تضم العديد من القطاعات كالتجارة والزراعة والصناعة والأمن، من أجل تفادي صدمات الأسواق الدولية التي باتت تفاجئها في أكثر من مناسبة، سواء بتذبذب الإنتاج العالمي وصعوبات التموين أو بارتفاع الأسعار، الأمر الذي دفعها إلى التدخل في كل مرة بإضافة أعباء جديدة على الخزينة العمومية، للحفاظ على استقرار السوق المحلية والقدرة الشرائية للمستهلكين، كما حدث مؤخرا مع مادة البن.
ونصبت الحكومة الجزائرية، ممثلة في وزير التجارة وترقية الصادرات طيب زيتوني ووزير المالية لعزيز فايد ووزير الزراعة والتنمية الريفية يوسف شرفة، “خلية الرصد والإنذار المبكر” كآلية لضبط تموين السوق بمختلف المنتوجات، واستشراف حركة السوق المحلية والعالمية، تفاديا لأزمات التموين التي خلقت اهتزازات اجتماعية وتداعيات سياسية على أداء الحكومة.
وجاءت الآلية الجديدة في إطار ما أسمته الحكومة بـ”تعزيز الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي”، حيث تضطلع بمهمة ضبط التموين بمختلف المنتجات لضمان وفرتها بصفة مستدامة ومنتظمة ومتوازنة، من أجل تلافي إخلالات التموين ومشاكل الإنتاج والتسويق العالمي، كما حدث مؤخرا مع مادة البن، وقبل ذلك مع الزيت والحليب.
وظلت الحكومة الجزائرية تلجأ إلى الحلول الآنية والطارئة، والاعتماد على الخزينة العمومية في تغطية الفارق الذي كانت تقره في عمليات الدعم وتسقيف الأسعار، فضلا عن إطلاق ترسانة تشريعية نصت على عقوبات رادعة للمضاربين والمحتكرين والمتلاعبين بالأسعار، غير أن التباس أزمة الأسواق العالمية مع سياسة حظر الاستيراد أو تقليصه والتسيير الإداري للتجارة الخارجية خلق حالة من الاضطراب والارتباك في تحديد الأسباب الحقيقية لاشتعال الأسعار والندرة المتجددة لبعض المواد الاستهلاكية.
الحكومة الجزائرية تعول على الآلية الجديدة في رسم صورة واضحة لمتطلبات السوق المحلية وحركية الأسواق العالمية
وأكد وزير التجارة طيب زيتوني على أن “تنصيب هذه الآلية جاء استجابة لتعليمات رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، بتموين السوق الوطنية قصد تكثيف الجهود لضمان الأمن الغذائي، ضمن إستراتيجية وطنية شاملة، اعتمادا على الإطار المرجعي الذي وضعه للنموذج الاقتصادي الجديد بين عامي 2020 و2024”.
وقال خلال عملية التنصيب “استحداث الخلية يجسد الاهتمام الذي توليه السلطات العليا للبلاد من أجل استقرار السوق الوطنية وحماية القدرة الشرائية للمواطن، مع تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، وأن الخلية ستعتمد على آليات متطورة للاستشراف الإستراتيجي وتعزيز اليقظة الاقتصادية، بهدف تمكين الحكومة من مواجهة التحديات المناخية والجيوسياسية وتوقعات الاقتصاد الكلي”.
وأضاف “ضمان الأمن الغذائي يتطلب تضافر الجهود ورفع سقف التوقعات في ظل التقلبات العالمية المستمرة، مع الاستفادة من إمكانيات البلاد الطبيعية والمادية لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي، وأن الخلية ستعمل على تحديد وتحليل عناصر استقرار السوق الوطنية من حيث قدرات الإنتاج والتصنيع، مع اقتراح حلول ذكية لتطوير إنتاج محلي مستدام بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة”.
وتشمل مهام الآلية المستحدثة جمع وتحليل وتوحيد المعطيات المتعلقة بوضعية السوق، وإعداد كشوفات المعلومات اليومية وتحليل عناصر استقرار السوق الوطنية، بالإضافة إلى اقتراح مبادرات لتعزيز قدرات البحث والتطوير في مجال الغذاء وتشجيع الأنشطة الزراعية.
مهام الآلية المستحدثة تشمل جمع وتحليل وتوحيد المعطيات المتعلقة بوضعية السوق، وإعداد كشوفات المعلومات اليومية
وعانت السوق الجزائرية خلال السنوات الأخيرة من تذبذب لافت في عدد من المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، على غرار الزيت والحليب والطحين وأخيرا البن، قبل أن تعود في الآونة الأخيرة إلى الاستقرار لكن مع أسعار أكلت القدرة الشرائية للمستهلكين، حتى مع بقاء المواد المدعومة في متناول الجميع، وتحت متابعة مشددة من طرف مصالح الرقابة الحكومية.
وتتمسك الجزائر بالطابع الاجتماعي للدولة، حيث ترصد سنويا موازنة ضخمة توظف في دعم المواد الاستهلاكية والخدمات الحكومية كالتعليم والصحة والسكن، فضلا عن الماء والكهرباء والوقود، وهو ما جعلها محل انتقاد الهيئات المالية الدولية، التي تحضها دوريا على تقليص الدعم الاجتماعي تدريجيا من سقف الـ15 مليار دولار حاليا إلى أدنى حدوده، الأمر الذي دفعها إلى التفكير في تغيير الطريقة من الدعم الشامل إلى الدعم المباشر، لكن صعوبات تحديد الخارطة الاجتماعية وحساسية الملف جعلتاها تتردد إلى غاية الآن في اتخاذ أي خطوة صريحة.
وتعول الحكومة على الآلية الجديدة في رسم صورة واضحة لمتطلبات السوق المحلية وحركية الأسواق العالمية، واستشراف قطاع الإنتاج الاستهلاكي لمختلف المواد، من أجل عدم السقوط مجددا في سياسة الترقيع ورد الفعل واللجوء إلى الحلول الاستعجالية المكلفة بغية مواجهة الأوضاع الاستثنائية.
وقال وزير التجارة “انطلاقا من تعزيز التشاركية في رسم السياسات، يأتي استحداث خلية الرصد والإنذار المبكر للاستشراف الإستراتيجي وتعزيز اليقظة الاقتصادية عبر توفير لوحة قيادة ترتكز على ميكانيزمات حقيقية لوضع الحكومة في صورة المتغيرات المناخية والجيوسياسية، وكذلك في سياق التحولات الهيكلية وتوقعات الاقتصاد الكلي وأوجه التعاون المتبادل بين البلدان”.
وأوضح أن “استحداث الهيئة يجسد اهتمام السلطات العمومية باستقرار السوق وحماية القدرة الشرائية للمواطن، وترمي إلى تحديد وتحليل عناصر استقرار السوق من حيث قدرات الإنتاج والتصنيع بما يوافق الاحتياجات الوطنية، بالإضافة إلى تحليل خطط تنويعِ مصادر الإنتاج والتوريد وفق سياسة مالية مضبوطة لمرافقة الإجراءات التي ستتخذ”.
وأكد المتحدث على أن الأمن الغذائي يمر عبر توسيع التدابير المتخذة لمضاعفة الإنتاج الزراعي والصناعي بالعمل على زيادة المساحات المزروعة وتطوير المنتجات الصناعية ونسج الشراكات المجدية مع المستثمرين الأجانب حتى يصبح العرض متوافقا مع الطلب.