الجزائر تطارد الفرص المنسية في صناعة السياحة

شرعت الجزائر في رحلة فتح سوقها السياحية أمام الأجانب بعد أن ظلت هذه الصناعة مهملة لسنوات طويلة ومغلقة أمام الزوار نتيجة السياسات الارتجالية للحكومات السابقة والاتكاء على ما تدره تجارة النفط والغاز دون تكبد عناء تنويع مصادر الدخل.
الجزائر - باشرت الجزائر التي تعد من بين آخر وجهات السياحة في المنطقة العربية فتح أبوابها تدريجيا، حيث يمنح برنامج التأشيرات الجديد المزيد من الوافدين فرصة للاستمتاع بالمعالم الطبيعية القمرية وفنون ما قبل التاريخ على امتداد صحرائها الشاسعة.
وعلى العكس من مصر وتونس والمغرب، فإن أكبر دولة في أفريقيا لم تكن تولي الأولوية للسياحة على الرغم من قربها من أوروبا، وربما تحتضن آثارا رومانية مهيبة، ومدنا بإطلالة خلابة على البحر المتوسط وجبال الأطلس الشاهقة.
لكن الدولة العضو في منظمة أوبك، والتي تعتمد بشكل مفرط على عوائد الوقود الأحفوري كانت غالبا ما تحتفظ بكنوزها لنفسها، ما جعل القطاع بما يحتويه من تنوع لا يقدم سوى مساهمة بالكاد تذكر في النمو الاقتصادي السنوي.
وتشير التقديرات إلى أن السياحة الجزائرية تسهم بحوالي اثنين في المئة فقط من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 12 في المئة في مصر و10 في المئة في كل من تونس والمغرب خلال الظروف الطبيعية.
ويعتقد المحللون أن طموح الحكومة في وضع بصمة التغيير لن يتحقق بين عشية وضحاها، فتأشيرة الدخول إلى السوق الجزائرية لا تزال صعبة المنال بالنسبة إلى معظم الأجانب.
ومع ذلك، فإن المبادرة التي أُطلقت في يناير 2023 يسّرت استخراج التأشيرة على مسافرين من عشاق المغامرات الذين لا يطلبون أقصى قدر من وسائل الراحة للقيام بجولة في الصحاري الجنوبية الوعرة التي تشكل 80 في المئة من إجمالي مساحة البلاد، وقد بدأت تكتسب زخما.
وقال وزير السياحة مختار ديدوش في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق أجريت في العاصمة الجزائرية إن “هذا الأمر معني به الأشخاص الذين ينشدون استكشاف فخامة الطبيعة. وللسياح الذين يبحثون عن فندق خمس نجوم، أقول لهم ستجدون في الصحراء مليون نجمة”.
ومن المؤكد أن هذا لا يزال مسعى فئة محدودة من السائحين، إذ يؤكد ديدوش أنه تم إصدار 10 آلاف تأشيرة لزيارة الصحراء في العام المنتهي في فبراير 2024.
ومع ذلك، بلغ إجمالي عدد زوار الجزائر 3.3 مليون خلال الاثني عشر شهرا هذه، مدفوعا إلى حد كبير بالأشخاص الذين يزورون الأصدقاء والعائلة في البلاد.
وقال ديدوش عن هذا المستوى إنه “لم يكن متصورا على الإطلاق” سابقا، فالبلاد لديها هدف للوصول بعدد السائحين إلى 10 ملايين شخص بحلول عام 2030.
وتعليقا على المبادرة الأخيرة، أوضح الوزير أنه “على أقصى تقدير، لديك أسبوع إلى 10 أيام لإصدار التأشيرة”، وهي أقصر بكثير من السابق عندما كانت تُمنح التأشيرات عبر القنصليات.
ويتعين حجز الرحلات من خلال وكالات السفر المعتمدة في الجزائر، وعادة ما تصطحب الزائرين قوة أمنية مرافقة.
وبالإضافة إلى استكشاف الصحراء، أفاد بعض منظمي الرحلات السياحية بأنهم بإمكانهم تنظيم زيارات إلى مواقع في الشمال أيضا لمجموعات السياح، على الرغم من أنه ليس من الواضح مدى الإقبال على هذه الوجهات.
وتبلغ تكلفة الرحلة المتوسطة التي تستغرق أسبوعا والتي ينظمها مشغلون محليون وتشمل مركبات الطرق الوعرة والتخييم البسيط، ما يصل إلى 800 يورو (863 دولارا) للفرد الواحد، ولا تشمل الرحلات الجوية الدولية والمحلية، وفقا لوكلاء السفر الجزائريين.
وتدرج وكالة يريز دا أفنتور، وهي وكالة فرنسية تتعاون مع نظيراتها الجزائرية، جولات تبدأ مدتها من تسعة أيام مقابل 1850 يورو، شاملة الرحلات الجوية.
ويأتي هذا التغيير البطيء بعد أن اتخذت السعودية الخطوة التاريخية باستقبال السياح في عام 2019، مما جعل الجزائر أحد آخر حدود المنطقة الأوسع لسفر المغامرات.
وربما تساهم العملة الصعبة أيضا في دعم خطط الجزائر لتنويع الاقتصاد الذي يمارس منذ فترة طويلة سياسات حمائية، ولا يزال يعتمد بشكل كبير على احتياطيات النفط والغاز التي بدأت استغلالها في الخمسينات من القرن الماضي.
ولم يتجاوز عدد الوافدين 2.7 مليون سنويا خلال العقد الماضي، وتساهم صناعة السياحة بنسبة اثنين في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقا لديدوش.
وغالبية الزائرين المسجلين هم من الوافدين الذين يرتبطون بروابط عائلية بالجزائر، حيث يُسمح لهؤلاء الزوار بالدخول بسهولة.
وقال الوزير إن هناك خططا لتوسيع سياسة التأشيرة الأسرع لتشمل البلاد بأكملها “قريبا”، دون تقديم تفاصيل إضافية في هذا الصدد.
◙ 800 يورو كلفة رحلة الفرد لمدة أسبوع تشمل مركبات الطرق الوعرة والتخييم باستثناء الرحلات الجوية
وفي شمال الجزائر، التي يعيش الغالبية العظمى من سكانها البالغ عددهم 47 مليون نسمة، تشمل مناطق جذب الزوار المنتجعات والفنادق في امتداد ساحل مطل على البحر المتوسط بطول 1200 كيلومتر.
كما تتضمن تلك المنطقة مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو مثل الآثار الرومانية في تيبازة وتيمقاد وجميلة، بالإضافة إلى الأزقة مترامية الأطراف على السفح الجبلي لمنطقة القصبة في قلب الجزائر العاصمة.
وفي فبراير الماضي، افتتحت العاصمة “المسجد الأعظم” الجديد، الذي وُصف بأنه ثالث أكبر مجمع ديني في العالم، وهو معلم يمكن رؤيته من أي مكان في المدينة. لكن إذا أرادت الجزائر جذب السياح، فقد تحتاج إلى موجة بناء أخرى.
وتعد الجزائر متراجعة في ما يتعلق بالبنية التحتية الفندقية، إذ بلغ عدد الأسرة 127 ألفا في نهاية عام 2020 مقابل قرابة 231 ألف سرير لدى جارتها تونس وهي دولة أصغر منها بكثير.
وقال ديدوش “حاليا ثمة 1600 فندق تقدم خدمات مناسبة للمسافرين الدوليين بسعة تتراوح بين 150 ألفا و160 ألف سرير”، بيد أنه أقر بأن “هذا لا يكفي لاستيعاب تدفق أعداد كبيرة من السياح”.
ولذلك، تعمل الحكومة على تشجيع تنمية السياحة، حيث تتخذ حاليا الخطوة التالية المتمثلة في إتاحة الأراضي للمستثمرين في القطاع.
وكشف ديدوش أنه تم تخصيص 58 ألف هكتار في جميع أنحاء البلاد، بينما تم منح الأرض سابقا كشكل من أشكال الامتياز، وإنه بموجب القوانين الجديدة سيتم نقل الملكية إلى المستثمرين بعد اكتمال المشروع.
وأشار هنا إلى أن السلطات بحاجة إلى “إبراز صورة الجزائر كوجهة سياحية. نريد أن نظهر للرأي العام العالمي أن لدينا وجهة جيدة، وأننا شعب له تاريخ وتقاليد وتراث وفن الطهو والفنون الحرفية”.