الجزائر تضفي المزيد من السرية على مؤسستها العسكرية

أمر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بتعديل قانون القضاء العسكري لضمان المزيد من السرية والحفاظ على ما سماه بالمصالح العليا للدولة، ويربط مراقبون هذا القرار بالرغبة في إنهاء حرب التسريبات التي أضرت بصورة المؤسسة العسكرية.
الجزائر - تتجه الجزائر إلى إضفاء المزيد من السرية على شؤونها العسكرية، حيث أمر الرئيس عبدالمجيد تبون ببلورة قانون جديد للقضاء العسكري يتسم بالمزيد من التحفظ على الشأن العسكري سواء في القضاء أو في مجال التعاطي الإعلامي.
وجاء هذا القرار بعد صدور أمر بإعفاء وزارة الدفاع، إلى جانب وزارة الشؤون الخارجية، من المساءلة البرلمانية.
وطالب الرئيس الجزائري خلال ترؤسه جلسةً لمجلس الوزراء بإثراء قانون القضاء العسكري، من أجل فرض المزيد من التحفظ والسرية على الشأن العسكري، خاصة ما تعلق منه بالقضاء العسكري والتعاطي مع وسائل الإعلام.
والجزائر من الدول التي تعتمد بشكل كبير على القضاء العسكري، ولا تستثني من ذلك الأفراد المدنيين في حال كانت القضايا المعروضة تتعلق بالشأن العسكري، واستنادا إليه تتم متابعة كل الأفراد لمحاكمتهم أمامه.
وكانت محكمة الناحية العسكرية قد نظرت عام 2020 في قضية كل من زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون وسعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، بعدما وجهت إليهما تهم التخطيط والتآمر على المؤسسة العسكرية وعلى قيادتها، رفقة ضباط عسكريين آخرين كقائدي جهاز الاستخبارات الجنرالين محمد مدين (توفيق) وعثمان طرطاق (بشير).
المؤسسة العسكرية في الجزائر شهدت خلال السنوات الأخيرة تصاعدا للتسريبات، فيما يعكس صراعات داخلية
وتتعارض أوامر تبون الجديدة مع شفافية تسيير وإدارة القطاع، وحق الرأي العام في معرفة ما يجري داخل إحدى مؤسسات الدولة.
وبعد واجب التحفظ الذي فرض على الأفراد المتقاعدين للحيلولة دون الإدلاء لوسائل الإعلام بأي شيء يتعلق بالشأن العسكري، جاء الإعفاء من المساءلة النيابية، ثم مراجعة قانون القضاء العسكري، بشكل يقطع الطريق على نقل ما يدور داخل المحاكم العسكرية إلى الرأي العام، والمعنيون الرئيسيون بذلك هم المحامون.
وذكر بيان مجلس الوزراء أن الرئيس تبون “شدد على ضرورة مراعاة خصوصية المهام التي يشملها، وما تقتضيه من سرية في إطار حماية المصالح العليا للدولة، وتقييد أي تصريح لوسائل الإعلام، في القضايا ذات الصلة بمسائل الدفاع الوطني وتَهم الرأي العام، بترخيص من وزير الدفاع الوطني”.
وتترجم الخطوة المعلن عنها رغبة القيادة السياسية للبلاد في ترتيب الأوراق داخل المؤسسة العسكرية، وإنهاء الانفلات المسجل في بعض الحالات والوضعيات، خاصة منها الحالات التي سربت خلالها معطيات وبيانات تصنف ضمن السرية العسكرية.
وعرفت المؤسسة في السنوات الأخيرة تصاعدا ملحوظا للتسريبات التي أضرت بقاعدتيْ الانضباط والتماسك، ما يعكس الصراعات والتوازنات الداخلية. وتم نقل مضمون المحاكمات التي استمع خلالها لضباط عاملين أو متقاعدين من طرف محامي دفاع، وهو ما تريد السلطة عدم تكراره.
ويكرس التوجه الجديد للسلطة في تحييد الرأي العام عن معرفة مجريات القضاء العسكري، فرض المزيد من الموانع والقيود على الوصول إلى الشأن العسكري، حتى وإن تعلق الأمر بالمحاكمات وليس بالمعطيات أو البيانات الإستراتيجية، رغم وجاهة حق الرأي العام في معرفة المجريات، لاسيما وأن القضاء العسكري يزج بالعشرات من الجنرالات والضباط السامين، الملاحقين بتهم مختلفة، في السجن.
وتعود أشهر المحاكمات العسكرية في الجزائر إلى ثمانينات القرن الماضي، لما تمت محاكمة الجنرال محمد بلوصيف بتهم الفساد وسوء التسيير، بينما تحدث حينها البعض عن تصفية حسابات سياسية بين جناح جيش التحرير الذي ينتمي إليه وبين جناح ما يعرف بـ”ضباط فرنسا”، وهو لفيف من الجزائريين المتعاونين مع الاستعمار، تم زرعه من طرف القيادة الفرنسية داخل الجيش الجزائري لضمان الولاء الأيديولوجي بعد الاستقلال.
كما تعتبر محاكمة الجنرالات محمد مدين وعثمان طرطاق وخالد نزار أشهر محاكمة عسكرية في السنوات الأخيرة، قياسا بالقوة التي أسقطت نفوذهم وأحالتهم على القضاء، وبما دار حولهم من جدل لاحتواء احتجاجات الحراك الشعبي. غير أن تبرئة اثنين منهم فيما بعد (مدين ونزار) وبقاء الثالث (طرطاق) في السجن كرّسَا الصراعات داخل المؤسسة العسكرية والأبعاد السياسية التي رسمت توازنات متسارعة خلال السنوات الأخيرة.
ومنذ تنحي الرئيس الراحل بوتفليقة عام 2019 عن السلطة، تحت ضغط احتجاجات الحراك الشعبي، اكتسبت المؤسسة العسكرية الجزائرية مواقع متقدمة داخل السلطة، حيث ظل قائد الجيش السابق، الجنرال المتوفى أحمد قايد صالح، يدير ويوجه المؤسسات الانتقالية من داخل الثكنات، بينما كرس دستور عام 2020 صلاحيات جديدة للجيش تتيح له التدخل في الشأن العام في حال وجود خطر داهم.
وكثيرا ما عبر الرئيس تبون عن امتنانه للمؤسسة العسكرية على تثبيتها أركان مؤسسات الحكم، وعادة ما يوصف من طرف معارضيه بـ”الواجهة السياسية” للجيش، لكن التناغم بين الرئاسة والعسكر يسير على ما يبدو إلى أبعد الحدود، بالمزيد من المكاسب التي تحفظ وتكرس نفوذهم.