الجزائر تصل بين التوترات السياسية وتفاقم ظاهرة الإرهاب

تنظيم داعش انتهى في سوريا والعراق ولا يستبعد أن يتغلغل في أفريقيا.
السبت 2024/02/17
الاضطرابات الأمنية في دول الساحل تقلق الجزائر

الجزائر - أكدت سفارة الجزائر في الأمم المتحدة أن التوترات السياسية تساهم في تنامي الظاهرة الإرهابية، لكونها تضاعف فرص الانفلات الأمني وانتشار السلاح والجريمة، وسط تشديد على أن المقاربة الناجعة تبقى قائمة على احتواء الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية بالموازاة مع المحاربة الأمنية.

ودعا الممثل الجزائري الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك عمار بن جامع إلى ضرورة وجود تعاون دولي للتغلب على المنظمات الإرهابية، ومعالجة الدوافع العميقة للتمكن من مكافحة الإرهاب بشكل فعال، وذلك في إشارة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمثل حاضنة للتطرف الديني.

وذكر في مداخلة له خلال اجتماع لمجلس الأمن للأمم المتحدة تناول التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليان بسبب الأعمال الإرهابية، أن القضاء على جماعات مسلحة مثل داعش يبقى بحاجة إلى تعاون دولي، وأن التعاون مع الحكومات والمجموعات الإقليمية والمنظمات الأممية لمكافحة الإرهاب أمر جد مهم.

وشدد الدبلوماسي الجزائري على أن التنظيم المذكور يملك قدرة على التمدد والانتشار، وإذا ساد الاعتقاد بأنه قد تم القضاء عليه في سوريا والعراق، فإن التوترات التي تعيشها القارة الأفريقية، خاصة في منطقة الساحل، يمكن أن تحولها إلى أرضية خصبة للتنظيم ومختلف الجيوب الناشطة، وهو سيناريو طرح بقوة في سنوات سابقة لما ضاق الخناق على التنظيم في الشرق الأوسط مقابل الانفلات الذي عرفته ليبيا.

الجزائر تتمسك في مقاربتها بحظر ومعاقبة كل أشكال التمويل، بما فيها دفع الفدى للمجموعات الإرهابية

ويبدو أن عمار بن جامع بصدد توجيه رسائل بلاده إلى المجموعة الدولية، للتحذير من تداعيات التحولات التي تعرفها دول الساحل الأفريقي، بعد هيمنة نخب عسكرية على أنظمة الحكم السياسي، وهو ما تعتبره الجزائر مفتاحا لتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، خاصة بعد انسحاب حكام مالي من اتفاق السلم والمصالحة في مالي، رغم ما يتيحه من فرص المعالجة السياسية السلمية للمشاكل الداخلية.

وسبق للخارجية الجزائرية أن حذرت من أي انزلاق أمني وسياسي في مالي، بعد إعلان التملص من الاتفاق المذكور من طرف المجلس العسكري الحاكم، وأكدت في بيان لها أن “الوحدة الوطنية المالية والانسجام السياسي باتا مهددين بعد الخطوة التي أقدم عليها حكام مالي الجدد”.   

ووصف الممثل الجزائري الدائم في مجلس الأمن التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة حول داعش بـ”المقلق جدا”، لاسيما وأن “تنظيم داعش وحلفاءه لا يزالون يشكلون تهديدا خطيرا خاصة في مناطق النزاع”.

وحذر بالقول “على الرغم من أن قدرة داعش على تنفيذ هجمات خارج معاقله تبدو قد تراجعت، غير أنه يمكن لهذه الجماعة أن تعاود الظهور بسهولة في العراق وسوريا إذا ما قللنا من جهودنا لمواجهتها، وأن الجماعات المنضوية تحت لواء داعش تتطور في أفريقيا مستغلة التوترات السياسية والنزاعات القائمة”.

وشدد على “ضرورة الإدراك بكون الإرهاب يتطور في المناطق التي تشهد غياب الاستقرار والعدالة، وأن فعالية الإستراتيجيات طويلة المدى في مكافحة الإرهاب تستوجب معالجة هذه الأسباب العميقة، فلا يمكننا مكافحة الإرهاب بالقوة العسكرية فقط، بل يجب علينا أن نعطي الأولوية لتعزيز السلام والدبلوماسية والتنمية لحل الصراعات التي تسمح لهذه الجماعات بالتموقع”.

يبدو أن عمار بن جامع بصدد توجيه رسائل بلاده إلى المجموعة الدولية، للتحذير من تداعيات التحولات التي تعرفها دول الساحل الأفريقي

ورافع المتحدث على مقاربة بلاده في هذا المجال، باستعراض بعض العناصر التي من شأنها مكافحة الإرهاب بشكل فعال، مشترطا “وجود تنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب في إطار مقاربة جماعية تقوم على الدور التنسيقي للأمم المتحدة، ولذلك من الضروري إضفاء شفافية أكبر وإبداء التزام أوسع في عمليات إدراج الدول ضمن القائمة لضمان دراسة موضوعية للأدلة التي تقدمها الدول الأعضاء”.

وتتمسك الجزائر في مقاربتها بحظر ومعاقبة كل أشكال التمويل، بما فيها دفع الفدى للمجموعات الإرهابية، وعدم الرضوخ لأي مطالب مالية لتلك التنظيمات، لكنها اصطدمت في عدة مرات مع حكومات محلية وغربية، لم تتوان في تلبية بعض المطالب، كما حدث لفرنسا التي دفعت مبلغ 30 مليون دولار مقابل إطلاق بعض رعاياها الذين كانوا محتجزين في مالي. 

وأكد بن جامع في مداخلته أن “الأسباب الجذرية، لاسيما نقص التنمية والفقر والنزاعات الإقليمية التي لم تتم تسويتها، لا تزال تهيء مناخا خصبا لتفشي الإرهاب، وأن التسويات السياسية والاستثمارات في مجال التعليم والشغل والحوكمة الرشيدة تبقى أمورا ضرورية لمحاربة الظاهرة”.

وأوضح أن “استغلال الإرهابيين للتكنولوجيات لأغراض التواصل والتجنيد والتمويل أمر مقلق جدا، وأن علاقة الإرهاب بالجريمة المنظمة تستدعي هي الأخرى استجابات منسقة”.

ولفت إلى أن الجزائر، بصفتها الرئيس الحالي للجنة مكافحة الإرهاب، ستواصل الاعتماد على أسس وإنجازات العهدات السابقة، بما فيها المبادئ التوجيهية المقترحة في مجال تكنولوجيات الإعلام والدفع الرقمي، وستدافع عن الأعمال التي تستهدف كل مصادر التمويل، بما فيها الفدية والروابط التي تجمع بين الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، لاسيما تجارة المخدرات.

وأكد أن بلاده ستدعم بشكل كبير الجهود التي تساعد على تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب بالنسبة للدول الضعيفة، وستواصل الجهود الرامية إلى تنفيذ الإستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب لمنظمة الأمم المتحدة.

4