الجزائر تصطدم بآفاق عالمية متقلبة لجني مكاسب استثمار ثروات الطاقة

تضع مسألة زيادة إنتاج النفط والغاز الجزائر أمام تحدي استثمار فرصة نهم الأسواق علها تبعد البلد عن فلك الأزمات المالية، التي عانى منها لسنوات جراء سوء إدارة دفة الاقتصاد، لكن تلك الآمال تصطدم بآفاق قاتمة للطلب قد تحبط جني المزيد من الدولارات.
دافوس/الجزائر- تعطي مساعي أوروبا لفطم نفسها عن الغاز والنفط الروسيين دفعة قوية للجزائر لزيادة صادراتها هذا العام من أجل جني المزيد من المكاسب رغم المؤشرات المتقلبة التي تحذر من نذر عودة تخمة المعروض في الأسواق العالمية.
وكشف توفيق حكار، الرئيس التنفيذي لشركة سوناطراك الحكومية للطاقة، في مقابلة مع رويترز أن بلاده ستعزز إنتاجها من المنتجات الهيدروكربونية إلى 200 مليون طن من المكافئ النفطي (1.44 مليار برميل) هذا العام، وهو كم لم تتمكن من إنتاجه منذ 2010.
وقال قبل زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى الجزائر الأسبوع المقبل إن “الأولوية الأهم بالنسبة إلي هي التأكد من أن الشركة تسجل نموا في الاحتياطات والإنتاج للعام المقبل والأعوام التالية”.
وأضاف “سوناطراك ستوقع اتفاقات جديدة مع شركة الطاقة الإيطالية إيني هذا العام، منها اتفاقات بشأن إمدادات الكهرباء”.
وتراجع قطاع الطاقة الجزائري لسنوات خلال العقد الماضي، متأثرا جزئيا بانخفاض أسعار النفط الخام، لكنه انتعش في العام الماضي بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وإصدار قانون جديد ينظم الاستثمار.
وتتباين مواقف المحللين بشأن هذا القانون وتغليفه بمجموعة من المغريات لجذب رؤوس الأموال الأجنبية في سياق خطط الإصلاح المثيرة للجدل، لأنه لا يمكن معرفة جدواه قبل الوقوف على النتائج التي يفترض أنها ستساعد البلد النفطي على تنويع اقتصاده.
ويعاني الاقتصاد الجزائري من تبعية مفرطة لإيرادات النفط والغاز، إذ تمثل نحو 90 في المئة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي.
ولم تنشر سوناطراك بعد بيانات الإنتاج لكامل العام الماضي، لكن الأرقام الخاصة بعام 2021 أظهرت أن إجمالي الإنتاج بلغ 185 مليون طن من المكافئ النفطي (1.33 مليار برميل).
وتتوقع الشركة أن تتجاوز إيرادات الطاقة حاجز الخمسين مليار دولار في العام الماضي، مقارنة بمكاسب بلغت 34 مليار دولار في العام السابق و20 مليار دولار في 2020.
وسجل إنتاج البلد تراجعا للشهر الثالث على التوالي خلال ديسمبر الماضي بنسبة بلغت واحدا في المئة، وقد جاءت بالتزامن مع سياسة تحالف أوبك+ الهادفة إلى خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا حتى نهاية العام الجاري.
وأوضح التقرير الشهري الصادر عن منظمة أوبك الثلاثاء الماضي أن إنتاج الجزائر من النفط تراجع إلى 1.015 مليون برميل يوميا خلال ديسمبر مقابل 1.02 مليون برميل يوميا في الشهر السابق له، و1.05 مليون برميل يوميًا خلال أكتوبر.
ورغم التراجع الشهري جاء إنتاج الجزائر من الخام في الشهر الماضي أعلى من الحصة المقررة للبلاد وفقا لاتفاق تحالف أوبك+ خلال الشهر، والبالغة 1.007 مليون برميل.
وتواجه أسواق النفط العالمية ارتفاعا في فائض المعروض من النفط خلال الربع الحالي من العام، حيث مازال الطلب على الخام مقيدا رغم إعادة فتح الاقتصاد الصيني ورفع القيود المفروضة لاحتواء كوفيد.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية نقص الإمدادات في السوق العالمية خلال النصف الثاني من العام الحالي مع تسارع وتيرة الطلب الصيني وتداعيات العقوبات المفروضة على قطاع النفط الروسي.
وقال مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول الخميس إن “أسواق الطاقة قد تشهد نقصا أكبر في الإمدادات هذا العام”، وعبر عن أمله في ألا تشهد الأسعار المزيد من الارتفاع حتى يقل الضغط على الدول النامية المستوردة للطاقة.
وأضاف بيرول في مقابلة مع منتدى رويترز للأسواق العالمية في دافوس “لن أكون مرتاحا للغاية بشأن الأسواق، وربما يكون 2023 عاما نشهد فيه نقصا في الأسواق بأكبر مما قد يعتقده البعض”.
وذكرت الوكالة في تقريرها الشهري الصادر الأربعاء الماضي أن الإمدادات العالمية ستزيد على الاستهلاك بنحو مليون برميل يوميا خلال الربع الأول من 2023. ولا تتوقع الوكالة نموا سنويا للطلب في الصين قبل الربع الثاني من العام الحالي.
واستهلت أسعار النفط العالمية تعاملات العام الجديد بتراجع حاد مع ارتفاع أعداد الإصابات بفايروس كورونا في الصين عقب قرار رفع قيود مكافحة كوفيد. وجرى تداول العقود الآجلة لخام برنت القياسي عند 84 دولارا للبرميل.
وتمثل إدارة حكار، الذي تم تعيينه منذ قرابة ثلاثة أعوام، فترة نادرة من الاستقرار لسوناطراك التي تعاقب على إدارتها قبله 11 رئيسا تنفيذيا منذ عام 2000 ولم يستمر آخر اثنين منهم سوى أشهر قليلة في المنصب لكل منهما.
ولم يكشف حكار عن كميات الغاز التي من المحتمل أن تتم زيادتها، لكنه أكد لرويترز أن بلاده صدرت 56 مليار متر مكعب من الغاز في العام الماضي ارتفاعا من 54 مليار متر مكعب في 2021، وستعزز الإنتاج مرة أخرى هذا العام من حقول حديثة التشغيل.
وتبلغ احتياطات الغاز المؤكدة للجزائر نحو 2.4 تريليون متر مكعب، وتسهم البلاد في توفير ما يقارب 11 في المئة من الغاز المستخدم في أوروبا، في مقابل 47 في المئة للغاز الروسي.
ففي يونيو الماضي أعلنت سوناطراك عن اكتشاف جديد في حاسي الرمل، وهو أكبر حقل غاز في البلاد. ويتوقع أن يضيف ما بين 100 و340 مليار متر مكعب من الغاز المكثف إلى الاحتياطيات، بإنتاج إضافي من المتوقع أن يبلغ عشرة ملايين متر مكعب.
وتدفع مؤشرات زيادة مستوى صادرات الغاز الجزائري، في ظل الأسعار المرتفعة، المتابعين إلى طرح توقعات متفائلة بجني البلد المزيد من الإيرادات شريطة أن تُحسن السلطات إنفاقها على التنمية والحماية الاجتماعية.
وزادت جاذبية الغاز الجزائري كثيرا للدول الأوروبية منذ أن أدت الحرب في أوكرانيا العام الماضي إلى فرض عقوبات على روسيا وتقليص صادراتها إلى أسواق القارة.
وترتبط الجزائر بالقارة الأوروبية بثلاثة أنابيب لنقل الغاز من حقل حاسي الرمل الضخم جنوب البلاد وأماكن أخرى، أحدها توقف قبل أشهر في حين مازال أنبوبان قيد الخدمة.
والخط الأول يربط الجزائر بجزيرة صقلية الإيطالية مرورا بتونس، وتبلغ طاقته السنوية 30 مليار متر مكعب، وجرى تدشينه عام 1984.
أما الأنبوب الثاني فينطلق من بلدة بني صاف شمال غرب الجزائر، ويصل إلى مدينة ألميريا جنوب إسبانيا مرورا بالبحر المتوسط، ويعرف بخط “ميدغاز”، وتبلغ طاقته السنوية 8 مليارات متر مكعب، وتجري عمليات توسعة لرفعها إلى 10.6 مليار متر مكعب.
وكان الخط الثالث، الذي توقف في مطلع نوفمبر الماضي، يربط الجزائر بإسبانيا مرورا بالمغرب والبحر المتوسط، ويعرف بأنبوب المغرب العربي – أوروبا.