الجزائر تشد أحزمة التقشف بتقليص الدعم الحكومي

خطط خفض دعم السلع الأساسية تنذر بتصاعد الاحتجاجات.
الجمعة 2019/05/24
الزحف على قوت الشعب

كشفت الجزائر عن خطط لتقليص الدعم الحكومي تدريجيا وخاصة عن السلع الغذائية بهدف كبح الإنفاق، الذي يستنزف احتياطاتها النقدية نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدولة منذ تراجع عوائد صادرات الطاقة رغم أن الخطوة محفوفة بالمخاطر.

الجزائر - دخلت الحكومة الجزائرية معركة قديمة جديدة تتمحور حول إعادة هيكلة الدعم لترشيد الإنفاق، وبالتالي ضمان وصوله إلى مستحقيه.

وتأتي الخطوة ضمن سلسلة خطوات يطالب بها الحراك الشعبي لوقف إهدار المال العام بينما لا تزال الدولة تعاني من تركة ثقيلة خلفها حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة طيلة عقدين تمثلت في تفشي الفساد والبيروقراطية.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن الحكومة قولها في بيان أصدرته أمس إنها “أقرت سلسلة من الإجراءات للحد من تحويل الدعم العمومي الموجه لمادتي الحليب والقمح إلى غير مستحقيه” دون المساس بالقدرة الشرائية للجزائريين.

وأشار البيان الذي صدر عقب اجتماع الحكومة برئاسة الوزير الأول نورالدين بدوي مساء الأربعاء الماضي إلى أن هذا التوجه جاء في اطار “مواصلة دراسة جملة الإجراءات الواجب اتخاذها قصد ترشيد الواردات والحفاظ على احتياطي الصرف”.

وتشكل المادتان المستهدفتان ما يفوق 50 بالمئة من الفاتورة الغذائية الإجمالية للبلاد سنويا، وهي تستنزف بشكل كبير ما تبقى من الاحتياطات النقدية في البنك المركزي.

وأظهر تقرير حديث لوزارة المالية مدى فشل نمط الاستيراد المعتمد منذ سنوات طويلة، والدعم المالي الذي تقدمه الدولة في شكل إعانات، والمستوى التصاعدي لفاتورة استيراد القمح الصلب واللين. وعلى هذا الأساس، أقرت الحكومة توسيع تشكيلة اللجنة المتعددة القطاعات.

 وسيتم ضم وزارة الفلاحة إلى كل من وزارات المالية والصناعة والتجارة، وتكليفها بدراسة معمقة وبحث سبل ترشيد تموين السوق المحلي من هاتين المادتين.

كما تم إقرار إجراء تقييم شامل للحاجيات الحقيقية للسوق المحلية من القمح والحليب وما يرتبط منها بالصناعة التحويلية.

وحتى تستطيع حصر هذه المشكلة، قررت الحكومة توقيف منح الترخيص بإقامة مطاحن جديدة للقمح أو توسيع القائم منها، كإجراء أولي.

ويتوقع أن يتم تكليف المتعاملين في القطاع العام القائمين على ضبط السوق بضمان تسيير أحسن للمخزون الاستراتيجي، عبر اعتماد صيغ تدخل مستحدثة، قصد ترشيد الواردات من القمح والمنتجات الغذائية الأخرى الخاضعة للبورصة.

ويؤكد خبراء أن الأزمة المالية المتفاقمة للدولة النفطية العضو في منظمة أوبك دفعت الحكومة لاقتحام هذه المنطقة الخطرة.

50 بالمئة من الفاتورة الغذائية الإجمالية السنوية للجزائر تلتهمها مادتا القمح والحليب

ويستفيد من نظام الدعم الحكومي المترهل، الذي تعتمده الجزائر منذ استقلالها في عام 1962 كل المواطنين دون استثناء سواء كانوا أغنياء أو فقراء، وهو ما أدى إلى عمليات احتيال في نهاية المطاف.

وترددت السلطات كثيرا في السابق لإصلاح نظام الدعم، والذي سمح لها بشراء السلم الاجتماعي باستخدام الأموال الطائلة التي وفرها ارتفاع أسعار النفط قبل 2014.

ويعتمد نظام الدعم المعمول به على ركيزتين أساسيتين، الأولى التحويلات الاجتماعية، وهي مخصصات مالية في موازنة الدولة لتمويل الصحة والتعليم المجانيين لكل المواطنين مهما كان دخلهم، إضافة إلى توفير السكن بأسعار منخفضة.

وتتعلق الركيزة الثانية بتعويض سياسة مراقبة الأسعار المعتمدة إلى سنوات 1990، بدعم المواد الغذائية الأساسية وهي الخبز والزيت والسكر والطحين والحليب، إضافة إلى دعم أسعار الكهرباء والغاز والنقل.

ومن الواضح أن نظام الدعم بشكله الحالي أثر كثيرا على المالية العامة مع تقلص عوائد الطاقة، لا سيما وأن الجزائر تعتمد على هذا المورد الذي يشكل أكثر من 90 من عائداتها المالية.

وبالإضافة إلى كون نظام الدعم سخيا جدا، فهو في الوقت ذاته غير عادل بما أنه يلائم أكثر المواطنين الذين يستهلكون أكثر، أي الأغنياء.

ويقول صندوق النقد الدولي إن 20 بالمئة من الجزائريين الأكثر ثراء يستهلكون 6 مرات أكثر من الوقود من نحو 20 بالمئة الأكثر فقرا.

ولا تزال البلاد حتى اليوم مرتهنة للأسواق الخارجية لتلبية احتياجاتها الغذائية، وهذا الأمر يشكل دائرة خطر على الدولة التي تعاني من تراجع غير مسبوق في عوائد الطاقة منذ بداية الأزمة منتصف 2014 رغم أن الأسعار عادت وتعافت.

وتأمل الجزائر في زيادة إنتاج القمح، أحد المكونات الرئيسية في فاتورة واردات الغذاء، إلى 5.3 مليون طن بحلول 2022 من 3.5 مليون طن تم إنتاجها العام الماضي.

وتوقعت ذ إدارة الخدمات الزراعية الدولية بوزارة الزراعة الأميركية في تقرير أصدرته العام الماضي أن تستهلك الجزائر، أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، قرابة 10.55 مليون طن من القمح في موسم الزراعي الحالي.

وفي وقت سابق هذا الشهر، انحنت السلطات الجزائرية لعاصفة العجز التجاري المتفاقم واتخذت عدة قرارات هامة تهدف إلى تقليص الفاتورة السنوية للواردات.

وقالت الحكومة في بيان حينها إن “القرارات تشمل كافة قطع غيار السيارات والمواد الأولية التي تدخل في صناعة التجهيزات الإلكترونية والهواتف الذكية”.

11