الجزائر تشتري السلم الاجتماعي بعائدات النفط

الجزائر- أقر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، إجراءات اجتماعية جديدة لفائدة فئات أخرى، مكرسا بذلك التوجه الاجتماعي للدولة رغم مخاطره على صعيد التوازنات المالية الكبرى، باعتبار أن تنامي الزيادات في الرواتب والمعاشات يعتمد على عائدات النفط، وفي المقابل تسجل الحكومة تراجعا لافتا في الاستثمارات العمومية المساعدة على خلق الثروة وتوفير مواطن العمل.
وأقر مجلس الوزراء الأخير حزمة من الإجراءات الاجتماعية والخدماتية المندرجة في إطار تثبيت الاستقرار الاجتماعي، على غرار التكفل المستمر بتحسين معاشات التقاعد، وإطلاق مؤسسات جديدة تضطلع بمهمة تخزين المواد الاستهلاكية تفاديا لأي ندرة أو مضاربة، مثلما حدث مع مادة البصل خلال شهر رمضان المنقضي.
وذكر بيان مجلس الوزراء أنه في إطار التحسين المتواصل للمستوى المعيشي للمواطنين، وإلى جانب الزيادات السابقة التي أقرها الرئيس للمتقاعدين، وافق مجلس الوزراء على إعادة تثمين منح ومعاشات التقاعد سنويّا، ابتداء من الفاتح من مايو، على نحو 5 في المئة بالنسبة إلى الفئة ذات المنحة أو المعاش اللذين يقلان أو يساويان 20 ألف دينار (حوالي 150 دولارا)، و4 في المئة بالنسبة إلى الفئة التي يفوق معاشها أو منحتها 20 ألف دينار (150 دولارا)، ويقلان أو يساويان 50 ألف دينار (340 دولارا)، و3 في المئة بالنسبة إلى الفئة التي يفوق معاشها أو منحتها 50 ألف دينار ( 340 دولارا).
◙ الحكومة تعتمد بشكل كلي على عائدات الطاقة في تغطية النفقات الاجتماعية ودعم المواد الاستهلاكية، وهو ما يمثل مخاطرة
وأمر الرئيس الجزائري وزير الزراعة بإطلاق ديوان يتولى شراء كل منتوجات المزارعين ذات الاستهلاك الواسع، من فواكه وخضر قابلة للتخزين، مثل البصل والثوم والبطاطا، بهدف تحقيق التوازن في السوق الوطنية، معتبرا أن جهد المزارع “خط أحمر”.
وشكلت وضعية السوق الاستهلاكية والتموين بالمواد الضرورية مصدر قلق بالغ للشارع الجزائري خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب الغلاء والندرة، الأمر الذي أثار تخوّف السلطة من حدوث انفجار اجتماعي هي في غنى عنه، قياسا بما يلاحقها من انتقادات في الأداء الحكومي وفشل المؤسسات في الإيفاء بالتعهدات التي أطلقها الرئيس عبدالمجيد تبون في برنامجه الانتخابي.
وكانت بعض الخيارات الاقتصادية والتجارية المنتهجة من طرف حكومات تبون المتعاقبة محل انتقاد من طرفه شخصيا، على خلفية النتائج السلبية التي خلفها حظر استيراد الكثير من المواد الاستهلاكية، وتنظيم النسق العمراني في البلاد، مما نجم عنه غضب شعبي بسبب الندرة غير المبررة لمواد أساسية، فضلا عن الشروع في هدم عقارات ومساكن بدعوى عدم حصولها على التراخيص اللازمة.
وفي هذا السياق قرر مجلس الوزراء “إعداد فصل ثان من قانون العمران يتضمن التعريف بأساليب وشروط تسوية البنايات المشيدة بطرق غير شرعية، ووجوب التمييز بين العقارات المسترجعة الخاضعة لحماية الدولة وغيرها من البنايات الفوضوية، التي شيدت في الكثير من الحالات بتواطؤ من سلطات محلية، وشوهت العمران”.
وحمّل مجلس الوزراء السلطات الإدارية المحلية مسؤولية حماية العقارات والأراضي المُسترجعة، بدءا من الساعات الأولى الموالية، لانتهاء عمليات ترحيل ساكنيها غير الشرعيين، مع اتباع الإجراءات الردعية لمتابعة ومحاسبة كل متورط أو متسبب في الاستيلاء على أراضي الدولة، وتسليط أشد العقوبات عليه، فضلا عن سن قانون يتعلق بمحاربة التزوير واستخدام المزور في شهادات الإقامة، بهدف الحصول على عقار أو مسكن بغير وجه حق، وربط أولوية استرجاع الدولة لهيبتها بحماية حقوق المواطنين.
وغلبت على لقاء اجتماع الوزراء التوجهات الاجتماعية الرامية إلى ضمان الاستقرار الاجتماعي، في ظل بوادر توتر أفرزتها تراكمات داخلية وخارجية، ازدادت بسبب عدم اهتمام الحكومة بتفعيل التنمية الاقتصادية؛ فقد لجأت إلى تضخيم ميزانية التسيير التي فاقت 70 مليار دولار، فيما لم تتعدَّ ميزانية التجهيز 30 مليار دولار، رغم دور قطاع التجهيز في خلق الثروة وتوفير مواطن العمل.
ورغم الحديث عن الوصول إلى تحقيق عائدات بسبعة مليارات دولار خارج المحروقات، إلا أن الحكومة تعتمد بشكل كلي على عائدات الطاقة في تغطية النفقات الاجتماعية ودعم المواد الاستهلاكية، وهو ما يمثل مخاطرة حسب رأي بعض الخبراء نتيجة تذبذب أسعار الطاقة في الأسواق الدولية، واحتمال انهيارها تحت أي ظرف من الظروف الدولية، الأمر الذي سينعكس على التزامات الحكومة تجاه النفقات المذكورة.
وكان الرئيس الجزائري شدد في نهاية العام الماضي على “ضرورة مواءمة شبكة الرواتب مع القدرة الشرائية أولا، ثم مع الدعم المستمر للفئة الضعيفة اجتماعيا، وذلك بمراعاة قيمة العمل، ودفع عجلة الإنتاج، كمرجعين أساسيين لرفع الرواتب”.
وقال إنه لن يتوانى في تنفيذ تعهداته الاجتماعية التي قدمها خلال حملته الانتخابية التي قادته إلى قصر المرادية، مستغلا في ذلك العائدات التي حققتها الخزينة بفضل ارتفاع أسعار الطاقة، والتي ساعدته على تجسيد وعوده رغم الأزمة الاقتصادية التي تشمل العالم.
وكشفت بيانات رسمية عن دفع الحكومة لنحو مليوني منحة بطالة، وهو رقم يبدو أنه فاق توقعاتها، لذلك أصدرت بعض الشروط الجديدة للحصول عليها، من بينها إجبار المستفيدين على اكتساب “ديبلوم مهني” من المراكز المختصة، وتجريد كل من تثبت التحقيقات أنه يملك مصدر رزق آخر حتى ولو كان سيارة.
ويبدو أن السلطة بصدد إرضاء مطالب اجتماعية حتى ولو كانت مطالب عارضة؛ فبمجرد الإشارة إلى مراجعة مهلة عطلة العيدين (الفطر والأضحى)، من طرف برلمانيين ومدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، قررت الحكومة زيادتها إلى ثلاثة أيام بدل يومين، رغم أن الجزائر من الدول المعروفة بأنها تخصّص أعيادا وطنية ودينية بعطل مدفوعة الأجر تقارب العشرة أيام في السنة.
ولا يزال الأداء الحكومي في موقع رد الفعل وإدارة الأزمات، بينما تغيب الحلول الإستراتيجية والاستشرافية للنهوض بالاقتصاد المحلي، فحتى أرقام التشغيل التي كشفت عنها الهيئات المختصة ناجمة عن تضخيم قطاع الوظيفة العمومية عبر إدماج فئات المتعاقدين في مواطن عمل دائمة، وليست عن استثمارات خاصة أو عمومية.