الجزائر تسعى لتشغيل شركات المتهمين بالفساد

رضخت الحكومة الجزائرية للضغوط الشعبية المتذمرة من توقف أعداد كبيرة من الشركات المرتبطة بشخصيات متهمة بالفساد، بعد تعطيل نشاط آلاف العمال والموظفين وتزايد مخاطر إفلاس تلك الشركات، التي يمكن أن تضع أعباء مالية إضافية على خزينة الدولة.
الجزائر - اعترفت الحكومة الجزائرية بالمخاطر الناجمة عن تجميد القضاء لأصول الشركات التابعة لشخصيات تخضع للتحقيق في اتهامات بالفساد والإثراء غير المشروع من خلال استفادتها من علاقاتها بالحكومات السابقة.
وتتجه الحكومة لتعيين مسيرين حكوميين للإشراف على المؤسسات الاقتصادية المملوكة لرجال الأعمال الموقوفين من أجل ضمان استمراريتها والحفاظ على حقوق العمال، في ظل تفاقم القلق الداخلي وغموض مستقبلها.
ويأتي التحرك الحكومي بعد اتساع الاحتجاجات التي نظمها آلاف العاملين في تلك الشركات للمطالبة بصرف الرواتب المتأخرة، وعدم تحميل العاملين وزر ما ارتكبه رجال الأعمال الموقوفون تجاه المال العام.
وذكر بيان لوزارة المالية أن المخاطر الاجتماعية والاقتصادية المالية أظهرت ضرورة اتخاذ تدابير حمائية مناسبة لوسائل الإنتاج ومناصب الشغل في الشركات والمشاريع المعنية بأحكام قضائية قاضية بتجميد حساباتها البنكية وفقا لما يقضي به القانون. وأضاف أنه تم الاتفاق على اقتراح طريقة عمل بهدف تأطير العملية لاستئناف أعمال تلك الشركات.
وتسود حالة من الشلل في العديد من المؤسسات الخاصة، بعد سجن مالكيها بتهم الضلوع في قضايا فساد والتواطؤ مع نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وبينها مصنعا تجميع السيارات والمركبات في محافظتي تيارت وغليزان، المملوكان لرجلي الأعمال محي الدين طحكوت ومراد عولمي.
70 بالمئة من إجمالي القروض المصرفية ذهبت لرجال الأعمال الموقوفين بتهم تتعلق بالفساد
ويعتبر مجمع “أو.تي.آر.أتش.بي” المملوك لرجل الأعمال علي حداد، أكبر المتضررين من إجراءات التحفظ، حيث عرضت العائلة التي تملكه، أسهمها في نادي اتحاد الجزائر لكرة القدم للبيع.
كما عرضت للبيع أيضا المجموعة الإعلامية “وقت الجزائر” لتخفيف الأزمة العميقة التي تمر بها مجموعة الأشغال العمومية والبنى التحتية نتيجة تجميد الحسابات البنكية وتشديد الرقابة على مداخيل المؤسسة.
وتسعى الحكومة من خلال هذه الخطوة إلى تفادي انفجار اجتماعي يمكن أن يفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد، وفق بيان وزارة المالية الذي أشار إلى أن المسيرين الجدد سيعتمدون الإدارة الموروثة والشريك الاجتماعي لضمان استمرارية تلك المؤسسات.
وينحصر نشاط رجال الأعمال المحبوسين والمحسوبين على نظام بوتفليقة، في الأشغال العمومية والبنى التحتية التي كان يحتكرها رجل الأعمال علي حداد، وفي تجميع السيارات والمركبات من علامات أوروبية وآسيوية وبدرجة أقل بعض الصناعات الغذائية والإلكترونية.
وهناك استثناء وحيد هو رجل الأعمال المحسوب على المعارضة السياسية يسعد ربراب الذي يملك مجمع سيفيتال، المعروف باستثماراته الإنتاجية في مجالات عديدة مثل الزيوت الغذائية والسكر وصناعة الإلكترونيات المنزلية.
وذكرت تقارير مالية حديثة أن رجال الأعمال المحسوبين على نظام بوتفليقة، يستحوذون على معظم الثروات والأموال والعقارات في البلاد، حيث قدرت ثروة علي حداد بنحو خمسة مليارات دولار، يليه رجال الأعمال محمد بايري وأحمد معزوز وعبدالرحمن بن حمادي والعيد بن عمر ومراد عولمي ومحي الدين طحكوت وغيرهم.
وأضافت أن 70 بالمئة من إجمالي القروض المصرفية يحتكرها أعضاء جمعية منتدى رؤساء المؤسسات التي كانت تضم تلك الشخصيات، وأن غالبية القروض لم تسترجع أو أنها أبرمت دون ضمانات حقيقية.
وتنوي وزارة المالية تعيين المسيرين الجدد بالتنسيق مع الجهاز القضائي، لإضفاء المسوغ القانوني على العملية.
واقترح بيان الوزارة على السلطات القضائية المختصة تعيين متصرف مستقل أو حارس قضائي، لضمان استمرارية تسيير الشركات بالتشاور مع أجهزتها الاجتماعية وإدارتها مع احترام التشريعات ذات الصلة.
وأضاف أن “المتصرف المستقل المعين يكلف بالإشراف على نشاطات كل شركة ومراقبة التدفقات المالية وسلسلة الإمدادات للحفاظ على أملاك الشركة واستمرارية نشاطاتها مع الاحترام الصارم للتشريعات القانونية”.

وأشار البيان إلى أنه في حالة الشركات التي ليست لها صفة تجارية، يقوم المتصرف أو الحارس بتسيير الشركة بصفته الموقع الوحيد على مختلف أنواع النفقات المتصلة بنشاطاتها، وأن يضمن تسيير الشركة في كافة الجوانب المالية والقانونية والأملاك.
وذكرت وزارة المالية أن “عشرات العمال قد تتعرض وظائفهم للتهديد بفعل غلق وحدات الإنتاج أو توقيف الورشات، فضلا عن الأثر المالي الناتج عن الالتزامات المالية الهامة المتعهد بها من طرف الشركات المعنية لدى النظام المصرفي العمومي والخاص”.
وقالت إن ذلك “من شأنه توقيف أنشطة تلك الشركات والتسبب في استحالة تسديد التزاماتها على المدى القصير للقروض التي حصلت عليها، لتمويل استثماراتها ودوراتها الإنتاجية”.
وتتخوف الحكومة من التداعيات القانونية التي تفرزها النزاعات الاجتماعية التي قد تنشأ عن توقف تلك الشركات عن دفع مستحقاتها تجاه شركائها، وما ينجم عن ذلك من أعباء مالية على الخزينة العمومية، في حال عدم الوفاء بمستحقاتها تجاه صناديق التأمين والتقاعد والضمان الاجتماعي والضرائب والتأمينات.
وأكد بيان الوزارة أن اللجنة القطاعية التي أطلقتها الحكومة للتكفل بوضعية تلك المؤسسات، تستهدف حماية أدوات إنتاج الشركات المعنية وإمكاناتها التوظيفية والمحافظة على مصالح الدولة في إطار الصفقات الناشئة عن الطلب العمومي المبرمة مع هذه الشركات.
وأضاف أن اللجنة ستسعى لتأمين السوق الداخلي قياسا بحصص الصفقات التي تمتلكها بعض تلك الشركات، والحفاظ على الخدمات في بعض قطاعات الخدمات الحساسة كالنقل الجامعي والحضري.