الجزائر تسحب صفقة ميناء الحمدانية من الصين لتهدئة التوتر مع فرنسا

 رجل الأعمال الفرنسي رودولف سعادة مرشح لأداء دور في تحييد المصالح الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا عن الخلافات السياسية والأزمة القائمة بينهما.
الجمعة 2025/06/13
الجزائر تبحث عن التهدئة

الجزائر- كشفت وسائل إعلام فرنسية أن الجزائر غيرت وجهة مشروع ميناء الحمدانية غرب العاصمة، والذي كان منتظرا أن يتم تمويله وتشييده بقروض وشركات صينية لصالح فرنسا، في موقف يظهر أن الجزائر تبحث عن تهدئة التوتر مع باريس حتى وإن قاد ذلك إلى توتر مع شريك إستراتيجي مثل الصين.

ورجحت مصادر أن تكون لزيارة رجل الأعمال الفرنسي رودولف سعادة إلى الجزائر، مطلع الشهر الجاري، ولقائه الرئيس عبدالمجيد تبون، علاقة مباشرة بهذا القرار.

وذهبت تأويلات عديدة إلى أن رجل الأعمال الذي يدير مجمع “سيما سي جي أم”، العملاق المختص في نشاط الشحن والنقل البحري، والمالك لمجمع إعلامي مؤثر في فرنسا، مرشح لأداء دور تحييد المصالح الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا عن الخلافات السياسية والأزمة القائمة بينهما، نظرا إلى قربه من الرئيس إيمانويل ماكرون، ومكانته في قصر الإليزيه.

زيارة رجل الأعمال الفرنسي رودولف سعادة إلى الجزائر، مطلع الشهر الجاري، ولقائه الرئيس عبدالمجيد تبون، علاقة مباشرة بهذا القرار.
لزيارة رودولف سعادة إلى الجزائر، ولقائه الرئيس تبون، علاقة مباشرة بهذا القرار

وأكدت الجزائر، على لسان الرئيس المدير العام لشركة موانئ الجزائر “سيربور” عبدالكريم رزال، صحة المعلومات التي روجتها تقارير إعلامية فرنسية حول تخلي الجزائر نهائيا عن مشروع ميناء الحمدانية، بضاحية شرشال في إقليم محافظة تيبازة (50 كلم غربي العاصمة).

وأعطى مدير مؤسسة موانئ الجزائر، الانطباع، بأن قرار التخلي راجع لأسباب تقنية ومالية، وأن بقاء مشروعات مينائية أخرى قيد الدراسة، يبقي حظ الصين في الاستحواذ على بعضها، ولو أن الأولوية الآن على ما يبدو هي فتح المجال أمام المجمع الفرنسي لتطوير وعصرنة الموانئ الموجودة، فضلا عن أن شروط الصين في ميناء الحمدانية كانت مجحفة حسب رأي مراقبين، كاشتراط توفير التمويل حصريا للمؤسسات الصينية التي تقوم بتشييده، وكلفته التي تضاهي الخمسة مليارات دولار.

وذكر تقرير لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية، بأن “الرئيس الجزائري وضع حدا لمشروع بناء ميناء المياه العميقة في الحمدانية، الذي أُطلق العام 2015 وكان من المقرر أن يُسند إلى الصين، وذلك بسبب التكلفة المرتفعة جدا، والتي شهدت تضخيما كبيرا خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة. وبدلًا من ذلك، ترغب السلطات في تطوير الشبكة الحالية للموانئ لاستيعاب أكبر السفن“.

ويضيف التقرير “معظم الموانئ تعاني من عمق غير كافٍ، أقل من اثني عشر مترا، وتُجرى حاليا العديد من مشاريع جرف المياه للوصول إلى عمق 17 مترا، كما أن هناك خيارا آخر يتمثل في بناء أرصفة جديدة تمتد إلى عرض البحر لاستقبال السفن“.

ورغم تماهي التصريحات في باريس والجزائر، إلا أن الغموض لا زال يكتنف القرار، خاصة في ما يتعلق بدلالاته السياسية. ففيما يطرح عدم التوافق الإستراتيجي بين الجزائر والصين في بعض الاستثمارات، يتم الدفع بالمصالح الاقتصادية لتكون صمام أمان العلاقات الجزائرية – الفرنسية، واستغلالها في احتواء الأزمة الدبلوماسية القائمة بينهما منذ قرابة العام، وبذلك يتم التنازل عن حملة تسويقية في الدوائر السياسية الموالية للسلطة، للمشروع الذي راهنت عليه لسنوات من أجل أن يكون ورقتها التنافسية في منطقة حوض المتوسط، ويكون نقطة ربط بين أوروبا وأفريقيا.

حح

وشكلت المعلومات التي أوردتها تقارير إعلامية فرنسية، وتم تأكيدها في الجزائر، صدمة للتيار السياسي والأيديولوجي الداعي إلى فك الارتباط مع فرنسا، وتسللت شكوك لدى هؤلاء المعروفين بولائهم للسلطة، حول دور محتمل للوبي الموالي لباريس، في إقناع السلطة بالتنازل عن الفكرة.

وأكد محللون سياسيون على أن قرار التخلي عن ميناء الحمدانية الذي كان مرشحا لأن يكون من أكبر الموانئ في حوض المتوسط، اتخذ عقب زيارة رجل الأعمال الفرنسي رودولف سعادة، ولقائه بالرئيس تبون، وأن الجزائر تكون قد قدمت المشروع كهدية للفرنسيين لتأكيد نواياها في احتواء الأزمة الدبلوماسية معهم، أو تكون قد تلقت استشارة بالتخلي عن المشروع من طرف رجل الأعمال، مقابل استثماره أموالا في مشاريع لتوسيع وتطوير وتسيير موانئ أخرى في البلاد.

رغم تماهي التصريحات في باريس والجزائر، إلا أن الغموض لا زال يكتنف القرار، خاصة في ما يتعلق بدلالاته السياسية

وتراوحت التكلفة الإجمالية للمشروع بين 3.3 و5.3 مليار دولار، على أن يتم تمويل جزء منها عبر قرض من بنك التصدير والاستيراد الصيني “أكزيم بنك” وتديره شركة تطوير جزائرية – صينية مشتركة تُعرف بـ”الشركة ذات الأسهم الحمدانية”، على أن تقدر حصص الجزائر بـ51 في المئة للطرف الجزائري و49 في المئة للطرف الصيني، ويتم إسناده لمؤسستي “تشاينا ستايت كونستركشن”، و”تشاينا هاربور”.

ووضعت أجندة زمنية للمشروع، تتمثل في مهلة إنجاز تتراوح بين 7 و10 أعوام، على أن يبدأ التشغيل الجزئي في الأعوام الأربعة الأولى من بداية الإنجاز، كما سوّقَ له ليكون أحد أهم ركائز تطوير التجارة الخارجية في الجزائر، بفضل عمق مياهه الذي يفوق 20 مترًا، ما يجعله قادرا على استقبال أضخم السفن في العالم من الجيل الجديد، وهي ميزة تفتقر إليها معظم الموانئ الجزائرية الحالية التي لا يتعدى عمقها في الغالب 12 مترا.

وحسب صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، فإن “الخطوة تندرج ضمن رؤية إستراتيجية تهدف إلى جعل الجزائر مركزا لوجستيا إقليميا بين أوروبا وأفريقيا، وفي ذلك الإطار جاء استقبال الرئيس المدير العام للمجمع الفرنسي رودولف سعادة، من قبل الرئيس تبون مطلع شهر جوان الجاري“.

وتعتزم المجموعة ضخ مئات الملايين من اليوروهات في مشاريع تشمل بناء محطات حاويات حديثة، وتحسين منظومات التسيير اللوجستي، مع إمكانية الحصول على إدارة كاملة لأحد الأرصفة الإستراتيجية الكبرى.

1