الجزائر تستكشف فرص إنتاج وقود الطيران المستدام

وزارة الطاقة أطلقت مشاريع تجريبية لإنتاج وقود أس.أي.أف محليا تشمل تطوير الكيروسين الاصطناعي والميثانول المستدام.
الاثنين 2025/06/16
أهداف محدّدة

الجزائر - تسعى الجزائر إلى اللحاق بركب منتجي وقود الطيران المستدام (أس.أي.أف)، حيث بدأت خطوات ملموسة في هذا الاتجاه كجزء من إستراتيجيتها للطاقة النظيفة وتحقيق الحياد الكربوني.

وتستند هذه المساعي إلى مواردها الطبيعية الوفيرة، خاصة الطاقة الشمسية، والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى موقعها الإستراتيجي في شمال أفريقيا باعتبارها أحد الموردين البارزين للوقود الأحفوري في منظمة أوبك.

ويوفر وقود الطيران المستدام الذي بات أحد الاتجاهات المستقبلية لخفض الكربون فرصة مهمة للمنطقة العربية من أجل تنمية هذا المجال الناشئ، الذي لا يزال يشق طريقه ببطء رغم الجهود الدولية للاستثمار فيه بكثافة.

وتواجه أغلب الدول العربية تحديا مهما لتعزيز قدراتها في هذا المجال، باستثناء عدد محدود منها، وفي مقدمتها الإمارات والسعودية، الجارتان الخليجيتان اللتان تتنافسان بقوة على كافة الأصعدة الاقتصادية.

وأفاد حمزة بن حمودة، الرئيس المدير العام للخطوط الجوية الجزائرية الحكومية، الأحد بأن بلاده تعمل على وضع إستراتيجية لإنتاج وقود الطيران المستدام محليا، في خطوة تهدف إلى خفض البصمة الكربونية لقطاع النقل الجوي.

حمزة بن حمودة: لدينا إستراتيجية لخفض انبعاثات قطاع النقل الجوي
حمزة بن حمودة: لدينا إستراتيجية لخفض انبعاثات قطاع النقل الجوي

وأوضح في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق أن لجنة تعمل تحت إشراف كتابة الدولة للطاقات المتجددة، وتتكون من الخطوط الجزائرية وشركة سوناطراك للطاقة وطيران الطاسيلي وشركة نفطال لإنتاج هذا النوع من الوقود.

وأشار إلى أن إنتاج هذا الوقود محليا يندرج ضمن سياسة أشمل لخفض انبعاثات الطائرات والتي تشمل أيضا برنامجا لتجديد الأسطول واعتماد طائرات أقل استهلاكا للوقود، وإدماج تقنيات طيران متقدمة تخفض الانبعاثات الكربونية.

وبحسب بن حمودة، فإن الشركة ستقوم بعمليات تحديث تدريجية للأسطول خلال السنوات القادمة، بما يستجيب للمعايير البيئية.

وتظهر البيانات المنشورة على المنصة الإلكترونية للشركة أن الأسطول يتكون من 56 طائرة معظمها من طرازات بوينغ 737 من فئة 600 و700 و800، بينما لديها 8 طائرات فقط من أيرباص وهي من طراز أي 330.

ومن المرتقب أن تتسلم الجزائر أول طائرة جديدة مطلع سبتمبر المقبل من طراز أيرباص أي 300، بعدما كان مقررا في شهر يونيو الجاري، وذلك ضمن 16 طائرة أتمت الحكومة صفقة شرائها من الشركة الأوروبية ومنافستها الأميركية بوينغ.

وعلى هامش ندوة دولية حول الاستدامة في الطيران المدني نظمتها الخطوط الجزائرية السبت الماضي، أعلنت وزارة الطاقة عن إطلاق مشاريع تجريبية لإنتاج وقود أس.أي.أف محليا تشمل تطوير الكيروسين الاصطناعي والميثانول المستدام.

ووفقا لوزير الطاقة المكلف بالطاقات المتجددة نورالدين ياسع، يُتوقع أن تُسهم المشاريع في تقليص الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 65 و80 في المئة مقارنة بالوقود التقليدي. وتُعتبر هذه الخطوة جزءا من التزام الجزائر بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

واعتبر أن هذه المبادرة تشكل تحديا رئيسيا ضمن مسار الانتقال نحو استدامة الطيران، خاصة أن القطاع يسهم بما يتراوح بين اثنين و3 في المئة من الانبعاثات العالمية سنويا.

وبدأت الخطوط الجزائرية بإطلاق تقييم شامل للبصمة الكربونية لأسطولها، وتعمل على توسيعه ليشمل جميع الأنشطة المتمثلة في التشغيل والصيانة والتموين والخدمات، لبناء قاعدة بيانات دقيقة تمكّن من اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية وواقعية.

وقال عبدالحفيظ بوحلاسة مسؤول مشروع الاستدامة في الشركة لبلومبيرغ الشرق إن المخطط الإستراتيجي لمشروع الاستدامة يهدف إلى تخفيض انبعاثات ثاني الكربون بنسبة 30 في المئة بحلول 2030 عن المستويات الحالية.

أغلب الدول العربية تواجه تحديا مهما لتعزيز قدراتها في هذا المجال، باستثناء عدد محدود منها

وأكد أن العمل جار لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في كل منشآت الشركة بنسبة 10 في المئة عبر ترشيد الاستهلاك، وتشجيع عمليات تدوير النفايات وخفض النفايات البلاستكية بنسبة 25 في المئة.

ولدى الجزائر خطة طموحة في هذا المجال، ففي عام 2023، أطلقت إستراتيجية تهدف إلى أن تصبح الدولة رائدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050، وهذا الوقود مكون أساسي في إنتاج وقود أس.أي.أف.

وتشمل هذه الإستراتيجية مراحل متعددة، بدءًا من تطوير القدرات البشرية والبنية التحتية وصولا إلى التوسع الصناعي والتصدير. وتستهدف الجزائر تصدير ما بين 30 و40 تيراواط ساعة من الهيدروجين الأخضر والمشتقات المرتبطة به بحلول عام 2040.

وتعمل السلطات على تطوير مشاريع لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع التركيز على استخدام هذه الموارد في صناعة أس.أي.أف.

وسبق أن أبرمت سوناطراك في أكتوبر الماضي مذكرة تفاهم مع شركاء أوروبيين لاستكشاف إمكانية إنشاء سلسلة قيمة للهيدروجين الأخضر من الجزائر إلى الاتحاد الأوروبي عبر مشروع “ساوث 2 كوريدور”.

ويهدف المشروع إلى ربط شمال أفريقيا بالنمسا وألمانيا عبر إيطاليا من خلال خط أنابيب بطول 3300 كيلومتر، مما يعزز من قدرة الجزائر على تصدير الهيدروجين الأخضر والمشتقات المرتبطة به، بما في ذلك وقود أس.أي.أف.

ورغم التقدم المحرز، تواجه الجزائر تحديات تتعلق بتطوير البنية التحتية اللازمة لإنتاج وتوزيع وقود أس.أي.أف، بما في ذلك إنشاء مصانع متخصصة وتطوير تقنيات الإنتاج.

ومع ذلك، توفر الموارد الطبيعية الوفيرة، خاصة الطاقة الشمسية والرياح، فرصا كبيرة لتوسيع إنتاج وقود الطيران المستدام، وعلاوة على ذلك، يشكل التعاون مع الشركاء الأوروبيين فرصة لتعزيز القدرات التكنولوجية والتصديرية في هذا المجال.

ومن المتوقع أن تساهم الجزائر بشكل متزايد في إنتاج وقود الطيران المستدام على المدى المتوسط، خاصة إذا استمرت في تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر وتوسيع التعاون الدولي.

11