الجزائر تدير توازنات دقيقة: إرضاء روسيا وعدم استفزاز الغرب

الجزائر - تثير الزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى روسيا قبل نهاية العام الجاري اهتمام المتابعين، قياسا بالسياق والدلالات الثنائية والإقليمية التي تحيط بها.
وفي ظل صراع غربي – روسي محتدم بسبب الأزمة الأوكرانية، تعمل الجزائر على إدارة توازنات دقيقة بين شراكتها التاريخية مع روسيا من جهة، وعلاقتها مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية.
وذكر السفير الروسي في الجزائر فاليريات شوفايف في تصريحات للإذاعة الجزائرية الحكومية مؤخرا أن “المشاورات والتحضيرات قائمة بين سلطات البلدين لتحضير الزيارة المنتظرة للرئيس تبون إلى موسكو، وأن التنسيق بين الطرفين جار لإنجاح الزيارة التي يعول عليها البلدان لإعطاء دفعة جديدة للعلاقات الإستراتيجية والتاريخية بين روسيا والجزائر”.
وأكد السفير الروسي أن الشراكة الإستراتيجية بين البلدين بلغت مستوى جيدا وعميقا، وأن بلاده تحرص على بلوغها مستويات عالية، لاسيما وأن وجهات نظر البلدين متطابقة في ملفات ثنائية وإقليمية ودولية، وهناك العديد من الأشياء التي يمكن تحقيقها في المديين القريب والمتوسط.
12
مليار دولار قيمة صفقة منتظرة بين الجزائر وروسيا لتجديد المعدات للجيش الجزائري
ولئن تفادى شوفايف الكشف عن موعد الزيارة المذكورة فإن دوائر سياسية وإعلامية في روسيا والجزائر تحدثت قبل أسابيع أنها ستجري قبل نهاية العام الجاري، لكن لا شيء رسميا أعلن في العاصمتين، الأمر الذي يبقي فرضية التأجيل واردة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وجه دعوة رسمية إلى نظيره الجزائري من أجل زيارة موسكو بمناسبة الزيارة التي أداها وزير خارجيته سيرغي لافروف إلى الجزائر خلال شهر مايو الماضي، لتكون بذلك الزيارة الثانية من نوعها بعد تلك التي أداها الرئيس الجزائري المؤقت الراحل عبدالقادر بن صالح إلى موسكو في العام 2019.
وتأتي الزيارة المرتقبة في أجواء دولية وإقليمية متوترة تخيم عليها التداعيات التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية المستمرة، وظهور بوادر عن خارطة عالمية جديدة قيد التشكل تلعب فيها تحالفات الاقتصاد والطاقة دورا بارزا، وهي المعادلة التي دفعت بالجزائر لأن تكون في صلبها نتيجة الضغط الأوروبي المتصاعد عليها لتأمين حاجياته من الغاز، مقابل تقارب لافت خاصة في المجال العسكري بينها وبين موسكو.
ووجدت الجزائر نفسها في وضعية استثنائية غير مسبوقة، كونها باتت مطالبة من جهة أخرى بعدم ازعاج المتناقضات المستجدة في العالم، مما حوّل خطواتها المتخذة تجاه الطرفين إلى أشبه ما يكون بمغامرة قد تجعلها تدفع فاتورة باهظة إذا لم توفق في إدارة التوازنات بدقة.
وينتظر أن تتوج زيارة تبون المنتظرة إلى روسيا باتفاقيات مهمة تكرس ما عرف بـ”الشراكة الإستراتيجية المعمقة”، التي أعلن عنها منذ أشهر وكانت محل تشاور وتنسيق مطول بين الطرفين، وإن لم يعلن عن مضمونها فإنه يرجح أن تعتمد بشكل كبير على تعاون عسكري وتوسيع المجال إلى قطاعات اقتصادية وتجارية إستراتيجية.
وقد تكون روسيا المستفيد الأول من توجه الجزائر إلى تجديد ترسانتها العسكرية ومعدات تسليح جيشها، والذي رصدت له لأول مرة ميزانية ضخمة قاربت الـ23 مليار دولار، حسب ما أعلنت عنه الحكومة في مشروع قانون الموازنة العامة للعام الجديد.
من المنتظر أن تتوج زيارة تبون المنتظرة إلى روسيا باتفاقيات مهمة تكرس ما عرف بـ"الشراكة الإستراتيجية المعمقة"
ويرتبط البلدان اللذان احتفلا منذ أشهر بستينية علاقاتهما الثنائية باتفاقيات تسليح جعلت الجزائر تحتل صدارة زبائن روسيا في مجال التسليح، وهو ما بات يقلق المعسكر الغربي بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، ودفع نوابا في الكونغرس الأميركي إلى إطلاق عريضة تطلب من الحكومة إصدار عقوبات في حق الجزائر بسبب صفقاتها العسكرية مع روسيا التي توفر موارد مالية للخزينة العمومية الروسية تقاوم بها حزمة العقوبات المفروضة من الغرب على موسكو.
ويرجح إبرام صفقة عسكرية جديدة بين البلدين بغلاف مالي يقدر بـ12 مليار دولار تتكفل من خلالها موسكو بتجديد المعدات العسكرية للجيش الجزائري على مدار العشر سنوات القادمة، وهو ما سيثير القلق الأوروبي والأميركي أكثر، لاسيما في ظل التمدد الروسي غير المسبوق في حوض المتوسط والقارة الأفريقية عبر البوابة الجزائرية، مما يعتبر نقلا للمواجهة الدبلوماسية إلى حزام الغرب.
وكانت المناورات العسكرية بين الجيشين الجزائري والروسي في محافظة بشار بأقصى الحدود الغربية قد انطوت على رسائل ودلالات سياسية وإستراتيجية قد تدفع أوروبا إلى التوقف عندها للنظر في التمدد الروسي الذي بات على مسافة قريبة من حدودها الجغرافية بسبب تعاون ما يعتبرونه حليفها في المنطقة (الجزائر).
وبدأت نخب إسبانية في إطلاق رسائل تحذيرية لحلف الناتو على خلفية ما أسمته صحيفة “أتاليار” المدريدية، بـ”القلق المتصاعد لدى أوروبا وحلف الناتو من المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا والجزائر، على بعد مسافة قصيرة من حدود ومصالح القارة، فيما الحلف منشغل بالتطورات الميدانية بأوكرانيا”.
وتراهن الجزائر على النفوذ الروسي داخل مجموعة “بريكس” لقبول عضوية الجزائر فيها، واستغلال الترحيب المبكر المعلن عنه في موسكو، بشأن الطلب الذي توجهت به الجزائر مؤخرا، الأمر الذي سيرفع في حظوظ رسم معالم تحالفات اقتصادية وعسكرية وسياسية جديدة للجزائر، لكنه يضعها في محل بذل جهود إضافية لإقناع شركائها الأوروبيين والأميركيين بسلامة نواياها وخياراتها تجاههم.