الجزائر تدخل معركة صعبة لإصلاح النقل المترهل

تحاول الجزائر إظهار مدى التزامها بإصلاح القطاعات الحيوية وفي مقدمتها النقل واللوجستيات، لإدارة عجلة الاقتصاد، مستفيدة من إيرادات النفط والغاز من خلال تبنيها إجراءات لمكافحة الفساد والبيروقراطية التي عطلت تقدمها على النحو المطلوب.
الجزائر- يختزل اعتراف هرم السلطة في الجزائر بالواقع المتردي للنقل مشكلة عامة يعاني منها القطاع منذ سنوات طويلة، وخاصة الكيانات المملوكة للدولة والتي لا تزال تدار بعقلية قديمة عرتها بوضوح المشاكل الاقتصادية والأزمة الصحية.
ويرزح قطاع النقل في البلد العضو في منظمة أوبك تحت وطأة مشاكل مزمنة أدت إلى عجزه عن تطوير خدماته في ظل غياب الخطط الإستراتيجية للنهوض به.
ولم تجد الحكومات المتعاقبة منذ أواخر تسعينات القرن الماضي من سبيل لتفادي أزمات شركات النقل المملوكة للدولة، التي تعاني من مشاكل هيكلية وهي تتطلب حلولا جذرية عاجلة لوضع حد للفوضى، التي ضربت مفاصلها وباتت عبئا على الميزانية.
أبرز بنود الخطة
- مراجعة جذرية لهيكلة قطاع النقل البحري
- دمج شركتي كنان متوسطية وكنان شمال
- الإسراع بإبرام صفقة لتعزيز أسطول الخطوط الجوية
- إطلاق شركات جديدة في مجال إصلاح السفن
- العمل على رقمنة خدمات القطاع
ولكن الحكومة الحالية تسعى إلى إعطاء صورة مغايرة وأن لديها رؤية تطال كل المجالات، وهو ما يتجسد في دعوة الرئيس عبدالمجيد تبون بفتح تحقيق لمحاسبة كل المسؤولين عن تدهور النقل البحري والجوي في جميع المستويات والمسؤوليات.
وكشفت الرئاسة في بيان نشرته في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عقب ترؤس تبون لمجلس الوزراء الأحد الماضي، عن ورقة طريق لتطوير الأسطول المحلي للنقل البحري والجوي للبضائع.
وتنص الخطة، إلى جانب محاسبة المسؤولين عن “تدهور هذا القطاع الإستراتيجي، في جميع المستويات والمسؤوليات”، على دمج الشركتين الحكوميتين كنان متوسطية وكنان شمال المتخصصتين، في النقل البحري في شركة واحدة.
وبالإضافة إلى ذلك العمل على القيام بمراجعة جذرية في هيكلة وسياسة النقل البحري للبضائع، على كل المستويات، من أجل تأهيله، وعرض مشروع إستراتيجية التسيير الجديدة في غضون شهر.
ووجه تبون بالعمل بكل الوسائل من أجل تسوية تقنية للبواخر الجزائرية في الموانئ الدولية، بالتعاون بين سفراء البلاد في الدول المعنية ومسؤولي قطاع النقل.
كما تشدد الخطة على فسح المجال أمام الخبرات المحلية المتخصصة في البحرية، ولاسيّما الشباب المؤهل والقدماء في هذا المجال، لاستحداث شركات في مجال إصلاح السفن.
وركز تبون على مسألة إعادة النظر في طريقة تسيير الخطوط الجوية المملوكة للدولة، وفق مخطط عصري بمعايير عالمية، وتنشيط الملاحة الجوية في مختلف مطارات البلاد، باعتبارها هياكل إستراتيجية قادرة على بعث حركة الطيران.
كما طلب الإسراع بالتحضير لإنهاء عملية شراء طائرات جديدة في أقرب الآجال، في إطار تجديد الأسطول الشركة، على أن يفصل اجتماع مجلس الوزراء المقبل في الملف.
وأكد الرئيس الجزائري على حتمية العودة إلى معدل الرحلات للشركة لما قبل وباء كورونا، وتكثيف رحلات العمرة، والرحلات الجوية ذات الطابع السياحي بين العاصمة الفرنسية باريس ومدينة جانت.
وفي يونيو الماضي شرعت الجزائر بالتفاوض مع شركات تصنيع الطائرات، لم تذكرها، لشراء 15 طائرة جديدة لتعزيز أسطول الشركة المملوكة للدولة في سياق خطة يقودها تبون لإصلاح الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل.
تخلف الخدمات اللوجستية يفرض على السلطات النظر بعمق في هيكلة القطاع بتطوير البنية التحتية ولجذب الاستثمار
ويتشكل أسطول الشركة من نحو 60 طائرة تشتغل على 48 وجهة، منها من لا يتعدى معدل رحلة واحدة في الأسبوع، لكنها في المقابل توظف قرابة 10 آلاف شخص وهو رقم كبير قياسا بأعمالها الضيقة.
ومنذ سنوات تتعرض الشركة إلى انتقادات بسبب أسعار رحلاتها إذ تعد الأغلى بين شركات المنطقة. ويقدر سعر التذكرة بين العاصمة الجزائر وباريس بنحو 700 يورو، بينما لا تتجاوز الرحلة نفسها نحو 200 يورو للخطوط التونسية والخطوط الملكية المغربية.
كما أن سوء إدارة شركة الطيران الحكومية طيلة سنوات جعلها تلجأ في كثير من المرات إلى التمويل الحكومي، وهو ما ولد حالة من الاتكال تسببت في عدم تطوير الخدمات وعدم التحكم في فاتورة الأجور الضخمة.
أما قطاع النقل البحري فيتألف من كيانات متعددة في مقدمتها المجمع الجزائري للنقل البحري والشركة الوطنية الجزائرية للملاحة البحرية والشركة الوطنية الجزائرية للملاحة البحرية والشركة الوطنية للتسويق البحري.
ويشكو العاملون في المجال البحري من العديد من العراقيل التي تعترض نشاطهم على غرار نقص اليد العاملة المتخصصة في المجال وصيانة البواخر ومشكلة الحاويات.
ووفق الأرقام الرسمية، تضم الجزائر 55 ميناء موزعة على الشريط الساحلي البالغ طوله 1650 كيلومترا، من بينها 7 تجارية مخصصة للبضائع وثلاثة لنقل المواد البترولية.
وتتكون البقية بشكل عام من أحواض صغيرة ومخازن قريبة من بعضها البعض وحواجز ضيقة تفصل بين الأرصفة، ما يعيق تطوير نشاطها التجاري.
60
طائرة تملكها الشركة وتشتغل على 48 وجهة، منها من لا يتعدى معدل رحلة واحدة في الأسبوع
ويفرض تخلف الخدمات اللوجستية على السلطات النظر بعمق في كيفية إعادة هيكلة هذا القطاع الحيوي عبر اعتماد إستراتيجية تعمل على تطوير البنية التحتية ووسائل النقل من أجل تعزيز مناخ الأعمال ودفع عجلة النمو.
ويجمع اقتصاديون وشركات المناولة ومسؤولو الموانئ الجزائرية على أن الوقت قد حان لإعادة هيكلة قطاع اللوجستيات، الذي تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة.
واعتبرت تقارير دولية أن الخدمات اللوجستية تتأثر بشدة بنوعية مؤسسات القطاع العام ومدى فعالية التنسيق في إجراءات التخليص الجمركي عند المنافذ الحدودية بين كافة الهيئات المعنية بإدارة الحدود.
كما تلفت إلى أن الكثير من الدول تعاني من عراقيل شديدة في أنظمة الخدمات اللوجستية وأنظمة العبور الدولية وسوء مرافق البنية التحتية المتعلقة بالتجارة.
وعلى مدى سنوات كان توسيع الموانئ وتطوير خدماتها اللوجستية عقدة مستعصية على المسؤولين الجزائريين بسبب غياب الإرادة السياسية وتفشي الفساد والمحسوبية والبيروقراطية، فضلا عن ثقة المستثمرين المعدومة.
ويعتقد خبراء أن مواقع الموانئ الجزائرية يمكن أن يجعلها شريان حياة للاقتصاد وإخراجه من الأزمات المالية، التي عانت منها في السابق جراء تراجع أسعار النفط.
وتشير التقديرات إلى أن خزينة الدولة تتكبد خسائر سنوية تبلغ نحو 8 مليارات دولار نتيجة عدم تطبيق المعايير الدولية في القطاع اللوجستي، ما يزيد من صعوبات المنافسة.