الجزائر تحشد المرجعية الصوفية للترويج لمشروع لمّ الشمل

تعمل السلطات الجزائرية على استغلال ثقل التيار الصوفي بما يمثله من مرجعية روحية وحضارية في المجتمع، في تمرير رسالة مشروع لم الشمل المعلن عنه منذ عدة أشهر، ولذلك يجري تنظيم فعاليات متنوعة في هذا الشأن، بغية الترويج للمشروع المذكور، كقيمة سياسية واجتماعية تذيب الفوارق والحزازات، وترسي دعائم الوئام والتلاحم الداخليين.
كرس الملتقى الدولي السادس للطريقة الشيخية وأعلامها بالجزائر وأفريقيا وأوروبا وعموم العالم، المنتظم بمدينة غرداية بجنوب البلاد، لمكانة لمّ الشمل في إشاعة مناخ التوافق والتلاحم داخل المجتمع، وسلط الضوء على الرصيد والمآثر الروحية والدينية لمشايخ وأعلام الطريقة الشيخية ورجالاتها الذين اهتموا بنبذ الأفكار والسلوكات الفردية والجماعية المفضية للنزاعات والخلافات.
وعمل الملتقى على إبراز إسهامات النخب الصوفية بمختلف مدارسها ومذاهبها في مكافحة الجهل والدفاع عن الوطن خلال الثورة التحريرية المباركة، وهي الرسالة التي مهد بها المتدخلون لتكون غطاء لدعم الصوفية لمشروع الرئيس عبدالمجيد تبون، المتعلق بلم الشمل، الذي يسعى لتحويله إلى مقاربة سياسية واجتماعية لاحتواء الأزمة الداخلية، وحتى الإقليمية حيث حملت القمة العربية المنعقدة على الأراضي الجزائرية شعار “لم الشمل”.
وصرح رئيس مؤسسة سيدي الشيخ حمزة آل سيد الشيخ لوكالة الأنباء الرسمية، قائلا إن “هذا الملتقى الدولي الموسوم بعنوان: سيدي سليمان بن أبي سماحة البوبكري، حمل شعار لم الشمل كمرجعية دينية والمحافظة على الهوية الوطنية كمرجعية قومية وروحية للأمة، وذلك بهدف إبراز المعاني والقيم السامية للم الشمل ودوره في تعزيز وحدة المجتمع وتماسكه”.
الفكر الصوفي لدى الشيخية يرتكز على إحياء التراث التاريخي والروحي والتربوي للجزائر والحفاظ على الوحدة الوطنية
وأضاف “الملتقى الذي كانت فيه دولة فلسطين ضيف شرف، يعد مساهمة في مسار تحقيق مبادرة لم الشمل التي يحملها رئيس الجمهورية تبون، من أجل تقوية وحدة الشعب الجزائري ورص صفوفه وتعزيز قيم التسامح، وحماية المجتمع والمسلمين عموما من كافة أشكال التفرقة”.
ولا يزال مشروع لم الشمل، كوثيقة سياسية حبيس أدراج السلطة، وباستثناء بعض الحملات الدعائية التي تؤديها من حين لآخر بعض الأذرع السياسية والإعلامية، لم يكشف عن هويته بعد، رغم الجدل الذي وصل حد التضارب حول محتوى المشروع، ففيما ذهب البعض لأن يكون غطاء لاحتواء المعارضة السياسية الراديكالية لاسيما تلك المهاجرة في الخارج، ألمح الرئيس تبون، في أحد تصريحاته الإعلامية، بأن المشروع سيكون تسوية للحالات غير المعالجة من طرف قانون المصالحة الوطنية، بالنسبة إلى بعض مسلحي الجماعات الإسلامية.
وأفاد حينها بأن المشروع سيمر عبر الخطوات الرسمية الدولية، ولن يكون صاحب الحصرية فيه، وهو ما سيفضي إلى تداوله في أحد اجتماعات مجلس الوزراء، ثم إحالته على البرلمان، بغية إضفاء التزكية الشاملة له من طرف المؤسسات الرسمية للدولة (رئاسة الجمهورية، الحكومة والبرلمان).
وتركزت أشغال الملتقى حول شخصية العلامة الصوفي والولي الصالح سيدي سليمان بن أبي سماحة البوبكري مؤسس الطريقة الشيخية في تجسيد الوحدة والسلم والتسامح في الجزائر، واستعرضت جوانب من فكر العلامة الصوفي وجهوده في نشر ثقافة لم الشمل والتسامح والسلم بين السكان، فضلا عن المحافظة على المرجعية الدينية في البلاد.
وأوضح الأكاديمي الشيخ لكحل، رئيس اللجنة العلمية للملتقى، بأن “الزوايا وأتباع الصوفية قد أدوا دورا محوريا في المحافظة على الهوية الوطنية والإسلام وتربية الناشئة الذين حرروا الوطن من الاستعمار الغاشم، إلى جانب دور العلماء والمتصوفة في المحافظة على قيم لم الشمل، وثقافة السلم، والسلم في الإسلام وفي الصوفية”.
وحضر الملتقى الذي نظمته زاوية الشيخ سيدي الحاج بحوص ببلدة متليلي في محافظة غرداية، وتحت الرعاية السامية لوزير التعليم العالي والبحث العلمي، نحو 50 شخصية جزائرية وأجنبية من رموز التيار الصوفي بعدد من المدن والعواصم الأفريقية والعربية، إلى جانب جمهور من المدعوين والمهتمين بنشاط الحركة الصوفية.
وذكر في هذا الشأن المدير العام للملتقيات الدولية ورئيس مؤسسة سيدي الشيخ حمزة آل سيد الشيخ، بأن “هذا اللقاء الذي يندرج في إطار إحياء الذكرى الـ68 لإندلاع ثورة الأول من نوفمبر 1954 المجيدة يهدف إلى إبراز روح التضحية التي قدمها أسلافنا من أجل استقلال الوطن في إطار موحد، تعزيزا لوحدة الشعب وتعايشه”.
وأضاف ”الفكر الصوفي لدى الشيخية يرتكز على إحياء التراث التاريخي والروحي والتربوي لبلدنا في مكافحة الغزو الأجنبي والحفاظ على خصوصيتنا الوطنية والحضارية وكذلك الوحدة الوطنية، ونحن نعمل من أجل تعزيز الطريقة الشيخية باعتبارها حصنا للدين والعلوم وأيضا الثقافة مع إبراز أدوار أسلافنا وروادنا في التوجيه وتأطير مجتمعنا على أساس السلم الروحي ووحدة الصف مع إعطاء الأولوية لأهمية لم الشمل وتماسك شعبنا لبناء الجزائر الجديدة”.
أشغال الملتقى تركزت حول شخصية العلامة الصوفي والولي الصالح سيدي سليمان بن أبي سماحة البوبكري مؤسس الطريقة الشيخية في تجسيد الوحدة والسلم والتسامح في الجزائر
ولفت إلى أن هذا النوع من اللقاءات من شأنه “تعزيز دور الزوايا في ترقية السلم الروحي وصون مرجعيتنا الدينية وهي الإسلام، كما تهدف هذه اللقاءات إلى المساهمة في مشاريع التنمية البشرية، مع إعطاء الأفضلية للمساعدة المتبادلة وتأهيل المواطن من خلال التنسيق مع مجموع الهيئات والمؤسسات والجمعيات والزوايا المعنية”.
أما محافظ الملتقى ومنسق زوايا الشيخية محمد الشيخ جيلالي، فاعتبر الملتقى مناسبة لتسليط الضوء على مساهمات الزاوية من أجل لم الشمل وإرساء السلم وتعزيز أسس التعايش المشترك والاحترام.
وأكد على أن الأمر يتعلق أيضا بإبراز المسؤوليات الملقاة على عاتق الزوايا لمسلمي اليوم، والتي تتمثل في تعميق التعلق بالفضائل الإسلامية وبالخصوص قيم الاعتراف المتبادل والمحبة والرحمة والتسامح والسلم، ومكافحة الانحرافات والآفات الاجتماعية وفق تعاليم الإسلام.
ورغم أنه لا شيء بإمكانه الوقوف في وجه المشروع، في ظل غياب النقاش المفتوح على مختلف التيارات السياسية والأيديولوجية، إلا أن السلطة على ما يبدو تعمل على إكسابه تزكية سياسية شاملة للقوى السياسية والدينية والأهلية الموالية له، ففيما رحبت أحزاب السلطة بالمشروع وتراوح موقف المعارضة بين الصمت والتحفظ، يجري حشد مختلف القوى الفاعلة على غرار المجتمع المدني والتيار الصوفي لدعم المشروع.