الجزائر تجسد نواياها في الاعتماد على الشراكة الاقتصادية والسياسية مع الصين

الجزائر تبحث عن تحريك اقتصادها من خلال الاقتراب من مجموعة “بريكس” التي تبدو مشغولة بوضع تحالفات جديدة مع اقتصاديات قادرة على الإضافة على عكس اقتصاد الجزائر المتعثر. فهل تمهد زيارة مدير عام شركة سوناطراك إلى الصين مدخلا لهذه الرغبة الجزائرية؟
الجزائر - بحث مدير شركة سوناطراك الجزائرية الحكومية في بكين فرص تمويل صينية لمشروع منجم الحديد بشرق البلاد، وذلك في أعقاب التوقيع على اتفاقية استثمار نفطي بقيمة مليار ونصف مليار دولار مع مجمع دولي تشترك فيه الصين، وهو ما يؤكد خيارات الشراكة الاقتصادية والسياسية للجزائر مع الصين، قبيل التداول على طلب الانضمام إلى منظمة “بريكس”.
وأدى الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك الحكومي توفيق حكار زيارة عمل إلى الصين بحثا عن فرص تمويل وتعاون جديدة في قطاع المناجم، الأمر الذي يؤكد نوايا الجزائر في الانفتاح على الصين، وإقامة شراكة متعددة حولت بكين في ظرف سنوات قليلة إلى الشريك الأول للجزائر على حساب فرنسا وتركيا.
ويأتي هذا التفعيل ليدحض الروايات التي تحدثت عن عدم تحمس الصين للاستثمار في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، بعد الغموض الذي لف مشروع ميناء الحمدانية بغرب العاصمة الذي تقدر كلفة إنجازه بستة مليارات دولار، وتعد الصين أكبر ممول له في اطار حزام الموانئ الذي تريد إقامته لتنفيذ ما يعرف بطريق الحرير.
وحسب بيان لشركة سوناطراك، فإن زيارة الرئيس المدير العام للمجمع رفقة مجموعة من الكوادر التابعين لسوناطراك وشركة “أسميدال” و”مناجم الجزائر”، تندرج في إطار “تطوير مشروع الفوسفات المدمج الذي تشرف عليه الشركة الجزائرية – الصينية للأسمدة التي أنشئت في مارس 2022 بين المجمّعين الجزائريين ‘أسميدال’ و’مناجم الجزائر’ والشركتين الصينيتين ‘ووهوان’ و’تيان آن’، والتي تهدف إلى استغلال منجم الفوسفات بمحافظة تبسة في أقصى شرق البلاد، والتحويل الكيميائي للفوسفات والغاز الطبيعي وصناعة الأسمدة الفوسفاتية والأزوتية ومواد كيميائية بمحافظة سوق أهراس بنفس الجهة”.
الجزائر تأمل في استقطاب استثمارات خارجية لتحريك الاقتصاد المتعثر بعد مراجعة قانون الاستثمار الداخلي والخارجي
وأضاف البيان “تخللت هذه الزيارة اجتماعات مع مسؤولين في الشركة الصينية الوطنية المحدودة للهندسة الكيميائية المالكة الحصرية لشركة ‘ووهوان’ المتخصصة في الصناعات الكيميائية وصناعة المخصبات، حيث تناول الطرفان مستجدات تطوير مشروع الفوسفات المدمج وكذلك آفاق التعاون المستقبلية في مجالات متعلقة بالبحث والتطوير وإنتاج الأمونيا الخضراء، وتثمين النفايات الصناعية الناتجة عن تحويل الأسمدة”.
وتأمل الجزائر في استقطاب استثمارات خارجية لتحريك الاقتصاد المتعثر خلال السنوات الأخيرة بعد مراجعة قانون الاستثمار الداخلي والخارجي، والعمل على سن تشريعات ترفع القيود البيروقراطية، وتقدم تحفيزات جبائية وجمركية للمتعاملين الاقتصاديين، خاصة في القطاعات الإستراتجية على غرار الطاقة والمناجم.
كما تباحث الطرفان الجزائري والصيني سبل تمويل المشروع المدمج، حيث برمجت لقاءات مع مجموعة من البنوك المهتمة بتمويل المشروع ومؤسسات تأمين قروض الاستثمار والتصدير التي أبدت استعدادا مبدئيا للمساهمة في تمويل إنجاز هذا المشروع الإستراتيجي.
وحسب بيان المجمع، فإن الزيارة سمحت بعقد لقاءات مع الشركات التي تربطها مع سوناطراك علاقات شراكة وتعاون من بينها شركة البترول الوطنية الصينية العاملة بالجزائر عبر فروعها “كونلون ديجيتال”، و”إتش.كيو.سي”، و”هواوي”، و”باور تشاينا”، لبحث فرص الاستثمار والتعاون المشترك في مجال المحروقات والطاقات الجديدة والمتجددة والانتقال الرقمي والتكنولوجيات الجديدة المستخدمة في مجال استكشاف وإنتاج المحروقات.
وكان المجمع الجزائري للنفط قد أعلن الأسبوع الماضي عن منح عقد تنفيذ مصنع بتروكيماويات بمحافظة وهران الساحلية غربي البلاد بكلفة إجمالية 1.5 مليار دولار، ليكون بذلك أكبر مشروع استثماري في هذا القطاع يعول عليه كثيرا في الصناعة التحويلية النفطية.

وأفاد بيان لسوناطراك بأن المجمع منح العقد لمجمع مكون من شركتي ”بيتروفاك” (متعددة الجنسيات مقرها بريطانيا) و”إتش.كيو.سي” الصينية، وأن شركة فرعية مملوكة لسوناطراك، منحت العقد بصيغة الهندسة والتوريد والإنشاء للمصنع، الذي سيتم تنفيذه بالمنطقة الصناعية ”أرزيو” بمحافظة وهران بغية إنتاج 550 ألف طن سنويا من مادة البولي بروبيلين، وأن كلفة المصنع تبلغ 1.5 مليار دولار، بمدة إنجاز قدرت بـ 42 شهرا.
ولفت إلى أن الاختيار جاء بعد إطلاق مناقصة دولية في أبريل 2021، وفاز بالصفقة صاحب أفضل عرض وهو المجمع المكون من ”بيتروفاك” و”إتش.كيو.سي”.
وأعلن عن المشروع في مايو 2018 بشراكة بين سوناطراك وتوتال بحصة 51 في المئة للطرف الجزائري و49 للشركة الفرنسية، لكن المصنع واجه مشاكل إدارية ولم تنطلق به الأشغال، وهو ما يترجم تراجع الحظوة التي كانت تعامل بها الشركات الفرنسية في الاستثمارات الجزائرية.
وبتأكيد إدارة سوناطراك على أن المصنع أصبح مملوكا لشركة فرعية مملوكة مئة في المئة لشركة المجمع العمومي، فإن الشريك الفرنسي توتال قد خرج نهائيا من المشروع، الأمر الذي يعكس إرادة سياسية للجزائريين على تعزيز التعاون مع الصينيين.
ويعد هذا الاستثمار الثاني من نوعه للمجمع الجزائري، بعد ذلك الذي يقوم بتنفيذه بمحافظة أضنة جنوبي تركيا بالشراكة مع “رينيسانس هولدنغ”، وينتظر أن تبلغ طاقته الإنتاجية 450 ألف طن سنويا من البولي بروبيلين.
والبولي بروبيلين هي مادة بلاستيكية تستخدم في صناعة السيارات والنسيج والبناء والصناعة الصيدلانية وغيرها.