الجزائر تتحرك متأخرا للانفتاح على السلطات الجديدة في سوريا

تأخر زيارة عطاف إلى سوريا يظهر أن الدبلوماسية الجزائرية لا تحركها المصالح، ولكن مزاج كبار قادة المؤسسة السياسية والعسكرية.
الأحد 2025/02/09
زيارة اضطرارية

دمشق- التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، السبت، وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الذي وصل دمشق في زيارة عمل رسمية هي الأولى من نوعها لمسؤول جزائري منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. وحظي عطاف السبت باستقبال من الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني.

وانتظر الجزائريون شهرين كاملين ليتحركوا باتجاه القيادة الجديدة في سوريا، ما يظهر وجود ارتباك في الموقف الرسمي وعدم قدرة الدبلوماسية الجزائرية على التقاط اللحظة كما فعلت دول أخرى إقليمية مثل تركيا ودول الخليج وقوى خارجية مثل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا.

ويعزو مراقبون جزائريون تأخر زيارة عطاف إلى سوريا بعد مرور شهرين على سقوط الأسد إلى أن الدبلوماسية الجزائرية لا يحركها الحرص على المصالح الجزائرية، ولكن مزاج كبار قادة المؤسسة السياسية والعسكرية الذين لم يستوعبوا كيف يمكن لمجموعات مسلحة أن تطيح بحليف لهم مثل الأسد.

ويشير المراقبون إلى أن زيارة عطاف إلى دمشق كانت اضطرارية خاصة بعد انفتاح دول الإقليم على السلطات السورية بما في ذلك المغرب وليبيا، ولم يبق سوى تونس.

◄ حركة البناء الوطني لجأت باتجاه تلطيف مبكر لأجواء العلاقات الجزائرية – السورية في محاولة لتطويق التوتر مع السلطات الجديدة في دمشق

وكان الموقف الرسمي الجزائري حول تطورات الوضع في سوريا قد تباين بين دعمه لنظام الأسد ووصف المسلحين بـ”الإرهابيين” في بداية الأمر، وبين دعوته جميع السوريين إلى الحوار والتماسك والحفاظ على وحدة الأرض والشعب، عقب فرار الرئيس بشار الأسد إلى روسيا ووصول المعارضة إلى دمشق.

وظهر على شبكات التواصل الاجتماعي مقاتلون سوريون يتوعدون النظام الجزائري بالزحف عليه بعد طي صفحة نظام الأسد، ووصفوه بـ”الدكتاتور” الداعم للأسد طيلة 13 عاما، وهددوا باستهداف السفارة الجزائرية في دمشق كانتقام من الموقف الرسمي الجزائري.

ووجد الجزائريون أنفسهم تحت الضغط خاصة أن دولا حليفة لهم مثل تركيا وقطر وروسيا نفسها التي كانت من أشد داعمي الأسد، لكن مصالحها دفعتها إلى فتح قنوات التواصل مع الشرع. واضطر الرئيس عبدالمجيد تبون في حواره الأخير مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية إلى سردية جديدة تقدم الجزائر كناقد لأداء الأسد.

وكشف الرئيس الجزائري أن بلاده أبلغت الأسد، بكل حزم، رفضها الدائم للمجازر في حق السوريين.

وحرص وزير الخارجية الجزائري في زيارته إلى دمشق على تجاوز حالة التردد تجاه السلطات الجديدة لكن من دون انتقاد لحكم الأسد أو إشارات إلى مواقف جزائرية سابقة تنتقده أو تنصحه بالتغيير كما أوحى بذلك كلام تبون.

وأطلق سقوط الأسد ناقوس خطر داخل الجزائر، حيث تعالت أصوات سياسية وحزبية منادية بتعزيز الجبهة الداخلية كملاذ أخير لضمان التماسك الداخلي، تحسبا لأيّ سيناريو يستهدف البلاد، وفق ما جرى في سوريا بعد السقوط السريع لنظام بشار الأسد، وسط مخاوف من إحياء الحراك الشعبي الذي تم الالتفاف على مطالبه بوعود كثيرة من الرئيس تبون، في وقت يقول فيه الجزائريون إن لا شيء تغير بالنسبة إليهم منذ احتجاجات 2019.

وفي محاولة لتطويق التوتر مع السلطات الجديدة في دمشق لجأت الجزائر إلى حركة البناء الوطني الإخوانية الموالية للسلطة باتجاه تلطيف مبكر لأجواء العلاقات الجزائرية – السورية ونشرت الحركة بيانا عاما يهدف إلى إظهار أن الجزائر ليست ضد السلطات السورية الجديدة، وهي تحث العالم على دعمها.

وطالبت بتوفير الإغاثة العاجلة للنازحين والمهجرين، وضمان عودتهم إلى وطنهم، مع توفير الدعم الإنساني اللازم في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها. كما طلبت من القوى السياسية والمجتمعية تجاوز خطابات الكراهية والفرقة وتعزيز الوحدة الوطنية كركيزة أساسية لإعادة بناء سوريا قوية ومستقرة.

وقال بيان للخارجية الجزائرية إن عطاف “سلم الرئيس السوري رسالة خطية مُوجهة إليه من قبل رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، كما نقل له تحياته الأخوية وجدد له تهانيه وتمنياته له بالتوفيق والسداد في تحمُّل مهامه السامية خلال هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا الشقيقة”.

وأضافت الخارجية الجزائرية بأن هذه الزيارة تندرج في إطار “العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين بهدف استعراض السبل الكفيلة بتعزيزها والانتقال بها إلى أسمى المراتب المتاحة”.

وتابعت “كما تهدف ذات الزيارة إلى تجديد التعبير عن تضامن الجزائر ووقوفها إلى جانب سوريا خلال هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها المعاصر”.

وقال بيان لـ“رئاسة الجمهورية العربية السورية” في منشور على حسابها بمنصة إكس، إن “الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني يستقبلان وفدا رفيع المستوى من الجمهورية الجزائرية برئاسة أحمد عطاف وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية الجزائري”.

ولم تذكر الرئاسة مزيدا من التفاصيل عن فحوى اللقاء، إلا أنه يأتي في إطار سلسلة زيارات لمسؤولين عرب وإقليمين ودوليين، للالتقاء بالإدارة السورية الجديدة، والاطلاع على رؤيتها.

وعقب سقوط نظام الأسد، أبقت الجزائر على سفارتها بدمشق مفتوحة، وشددت بخصوص تعاملها مع القيادة السورية الجديدة، على أنها “تعترف بالدول وليس الحكومات” وهو مبدأ وضعه مؤسسو السياسة الخارجية الجزائرية منذ الأيام الأولى للاستقلال عام 1962.

1