الجزائر تباشر مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وسط توتر اقتصادي

توسيع القطيعة مع إسبانيا وفرنسا يلغم المفاوضات الجديدة.
الثلاثاء 2025/01/21
الطاقة أهم مجالات التبادل التجاري بين الطرفين

تخيّم على المشاورات الجزائرية – الأوروبية الرامية إلى مراجعة اتفاق الشراكة بين الطرفين، أجواء من التوتر السياسي خصوصا بين الجزائر وعدد من الدول المهمة في القارة العجوز، أبرزها فرنسا وإسبانيا، بسبب موقفيهما الداعم لقضية الصحراء المغربية.

الجزائر - باشرت الجزائر مشاورات مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي بهدف مراجعة اتفاق الشراكة الإستراتجية المبرم مع الاتحاد الأوروبي العام 2005، بشكل تأمل خلاله أن يحقق لها توازن المصالح والندية، لكن توتر العلاقات السياسية يلقي بظلاله على المشاورات الاقتصادية، في ظل فرضها قيودا غير معلنة على الواردات الفرنسية وقبلها الإسبانية، الأمر الذي يبرز مدى الصعوبات التي تعتري المشاورات المذكورة. 

واستقبل رئيس الوزراء الجزائري نذير العرباوي سفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر دييغو ميادو باسكوا، في خطة تمهد لبدء مشاورات مراجعة اتفاق الشراكة الإستراتجية المبرم بين الطرفين العام 2005، والتي تخيم عليها أجواء من التوتر السياسي بين الجزائر وبعض أعضاء الاتحاد كفرنسا وقبلها إسبانيا، على خلفية موقفيهما من قضية النزاع الصحراوي.

واكتفى بيان رئاسة الوزراء بمفردات تشريفية يحاول البناء عليها لإرساء شراكة جديدة مع الأوروبيين تكرس المصالح المشتركة والندية، وقال إن اللقاء استعرض سبل تعزيز التعاون الثنائي وتقييم العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في إطار اتفاق الشراكة بين الجانبين.

وذكر البيان “شدد الطرفان على الطابع الإستراتيجي للعلاقات الجزائرية – الأوروبية، معربين عن التزامهما المشترك بالعمل على إرساء شراكة شاملة ومتنوعة تستند إلى ديناميكيات جديدة ومقاربة متوازنة تضمن مصالح الجانبين، كما رحب الجانبان بانعقاد الاجتماع المرتقب للجنة الفنية الثنائية المخصصة للتشاور بشأن العلاقات التجارية، معتبرين إياه خطوة مهمة لتعميق التعاون الاقتصادي”.

ولفت إلى أن اجتماع مجلس الشراكة الجزائري – الأوروبي المنتظر، سيكون فرصة لاستعراض التعاون الثنائي، وتحديد آفاق تطويره بما يواكب التحولات التنموية التي تشهدها الجزائر، وهو ما أكد عليه رئيس الوزراء والسفير الأوروبي، لاسيما أهمية تعزيز روح الصداقة والتفاهم المتبادل بين الجانبين، من أجل تحقيق أهداف الشراكة الإستراتيجية ودعم جهود التنمية الشاملة، بما يحقق تطلعات الشعبين الجزائري والأوروبي.

ويرى متابعون للشأن الجزائري، أن مفاوضات مراجعة اتفاق الشراكة الإستراتجية ستكون صعبة ومعقدة، قياسا بالعلاقات المتوترة التي تربطها ببعض أعضائه، على غرار فرنسا وإسبانيا، حيث رفعت الجزائر ورقة تقييد التبادل التجاري بينها وبين مدريد وباريس، الأمر الذي جعل المسؤولين الإسبان، ولا يستبعد أن يحذو حذوهم المسؤولون الفرنسيون، يلجؤون إلى هيئات الاتحاد من أجل الضغط على الجزائر لاحترام بنود الاتفاق.

وفي هذا الشأن كشف رئيس المجلس الفرنسي للمحاصيل الكبرى “فرانس أغري مار”، في تصريح لموقع “أغريغول”، أن “الجزائر قد أغلقت بصفة شبه كلية باب استيراد القمح من بلاده في ظل العلاقات الدبلوماسية المتوترة بشدة، وأن صادرات الحبوب الفرنسية لاسيما منها القمح، ستتعرض لضربة موجعة في هذا الموسم، بسبب تدهور العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر.”

ولفت المتحدث إلى أن “القمح الفرنسي والحبوب بصفة عامة تواجه ضربات متتالية من خلال إغلاق الجزائر الباب أمام الصادرات القادمة من فرنسا، يضاف إليها تباطؤ المشتريات الصينية واستمرار تدفق القمح الأوكراني إلى دول الاتحاد الأوروبي.”

من غير المستبعد لجوء مسؤولي إسبانيا وفرنسا إلى هيئات الاتحاد الأوروبي للضغط على الجزائر لاحترام بنود الاتفاق

وكان ديوان الحبوب الجزائري قد أعلن في وقت سابق عدم إقصاء عروض القمح الفرنسي من مناقصات التوريد، وذلك ردا على معلومات ترددت حول وضع الديوان معايير جديدة لإسقاط تلك العروض من المناقصات المعلنة، وكل ما وضعه هو شروط عامة تشمل الجميع، وأن كل المتعاملين سواسية ويخضعون لشروط شفافة وعادلة.

وعادت منذ أسابيع قليلة فقط، العلاقات التجارية بين الجزائر وإسبانيا بعد عامين من التعليق، بسبب قطيعة أعلنتها الجزائر لإسبانيا، شملت كل المبادلات التجارية باستثناء التزويد بالغاز، الأمر الذي كبد المتعاملين الاقتصاديين في البلدين خسائر معتبرة، اضطر معها الإسبان إلى الاستنجاد بالاتحاد الأوروبي من أجل الضغط على الجزائر.

وترى الجزائر أن الاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي لم يكن عادلا ولم يراع المصالح المشتركة للطرفين، حيث لم يستقدم الأوروبيون التكنولوجيا ولا الاستثمارات الموعودة، وأن خسائر الجزائر قدرت بنحو 30 مليار دولار نتيجة التفكيك الجمركي على البضائع الأوروبية.

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد ترأس اجتماعا خُصص لمتابعة مدى تقدم التحضيرات لمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وشدد خلاله على أن “هذه المراجعة أصبحت ضرورية وستتم بمرونة وروح ودية دون الدخول في صراع، وأن الجزائر تحرص على الحفاظ على علاقات طبيعية مع دول التكتل الأوروبي بما فيها فرنسا.”

وأوضح الرئيس الجزائري أن “الاتفاق تم إبرامه في وقت كانت فيه الجزائر تختلف عن جزائر اليوم، فقد كانت حينها الصناعة لا تشكل سوى 3 في المئة من الدخل القومي، وكانت تعتمد على استيراد المنتجات الزراعية بدلا من تصديرها، مما يعكس ضعف إمكانيات التصدير آنذاك.”

وأضاف “الأمور تغيرت بشكل كبير، فالجزائر اليوم أصبحت تنتج وتصدر منتجات متنوعة تشمل الصناعات التحويلية والكهرومنزلية.. وغيرها، وأن دول الاتحاد الأوروبي تسعى إلى علاقات طيبة اقتصاديا مع الجزائر، وأنها لا تمانع في مراجعة الاتفاق.”

وتضمن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي عدة بنود أساسية، أبرزها توفير إطار مناسب للحوار السياسي بين الطرفين، بهدف تعزيز العلاقات والتعاون في مختلف المجالات، وضمان تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة بين الجانبين.

كما شمل تشجيع التبادلات البشرية والإدارية بين الطرفين، وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمالية، وإنشاء منطقة للتبادل الحر للمنتجات الصناعية مع تحرير تدريجي للمنتجات الزراعية والصناعات الغذائية والمنتجات الصيدية.

4