الجزائر أمام تحدي استثمار فرصة فورة الطلب على الغاز

مساع لتقوية النفوذ بالسوق وتوجيه العوائد لزيادة الإنفاق.
الجمعة 2022/08/19
هكذا نزيد ضخ الإمدادات

أعطت مساعي أوروبا لفك ارتباطها بالغاز الروسي دفعة قوية للجزائر لزيادة صادراتها، وهو ما يجعل المسؤولين أمام تحدي استثمار فرصة فورة الطلب لزيادة العوائد علها تُخرج البلد من حفرة الأزمات التي عانى منها لسنوات جراء سوء إدارة دفة الاقتصاد.

الجزائر - تدفع مؤشرات زيادة مستوى صادرات الغاز الجزائري في ظل الأسعار المرتفعة المتابعين لطرح توقعات متفائلة بجني البلد المزيد من الإيرادات شريطة أن تُحسن السلطات إنفاقها على التنمية والحماية الاجتماعية.

ففي أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا زاد الطلب على النفط والغاز وانتعشت عائدات الطاقة، لتنفق السلطات منها بسخاء على الرعاية الاجتماعية وتتخذ موقفا أكثر حزما خارجيا بعد سنوات تضاءلت فيها الثروات وأدت إلى حركة احتجاج ضد النظام الحاكم.

وأعلن الرئيس عبدالمجيد تبون عن زيادات متوقعة في رواتب موظفي القطاع العام ومعاشات التقاعد وإعانات البطالة ليعود إلى نموذج الإنفاق الاجتماعي السخي الذي اعتاد عليه الجزائريون لزمن طويل.

واتخذت الحكومة موقفا أكثر جرأة تجاه الدول الأوروبية التي باتت أكثر اعتمادا على غاز شمال أفريقيا بعد الحرب الأوكرانية، مثل إسبانيا، ولم تتردد في التحرك ردا على زيادة وتيرة مساعي جارها المغرب لكسب الدعم الأوروبي في قضايا إقليمية.

وقال مستشار يعمل لدى الحكومة، لم تكشف وكالة رويترز هويته “لم تعد الحكومة تحت نفس الضغط الاجتماعي والسياسي الذي كانت تواجهه في 2019 و2020”. وأضاف “انتهى الحراك والوباء تحت السيطرة والإيرادات آخذة في الارتفاع”.

الارتفاع الكبير في الأسعار العالمية للنفط والغاز ساعد على استقرار الوضع وملء خزائن الدولة وتعزيز الشعور بالثقة

ويبدو التناقض صارخا بين الحاضر والماضي القريب، ففي عامي 2019 و2020 هزت الاحتجاجات الأسبوعية المؤسسة الحاكمة، مما دفع الجيش إلى تنحية الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة وشخصيات بارزة أخرى.

وأدى التراجع الحاد في عائدات الطاقة واحتياطيات النقد الأجنبي بعد انخفاض أسعار النفط منتصف 2014 إلى خفض الإنفاق العام، ما أجج المزيد من الاضطرابات.

وزادت المخاوف وتصاعد القلق مع تعثر قطاع الطاقة وتقلص الاستثمار في حقول النفط والغاز إلى الحد الأدنى، وانخفاض الصادرات وهروب الكفاءات من شركة سوناطراك الحكومية التي كان رئيسها يتغير كل 20 شهرا في المتوسط في العقود الأخيرة.

لكن الارتفاع الكبير في الأسعار العالمية للنفط والغاز في أعقاب اندلاع الحرب في شرق أوروبا أواخر فبراير الماضي ساعد على استقرار الوضع، وملء خزائن الدولة وتعزيز الشعور بالثقة.

ومع ذلك يقول محللون إن الجزائر ليس لديها خيار سوى المضي قدما في الإصلاحات التي يُحتمل أن تكون صعبة لحماية اقتصادها من موجات الركود المستقبلية في سوق الطاقة.

ووعد تبون بذلك وتحرك لتعزيز التجارة مع بعض الدول الأفريقية، لكن جهود الحكومة لفتح أحد أكثر اقتصادات العالم انغلاقا لم تحرز تقدما يذكر حتى هذه اللحظة.

وقال وزير سابق في الحكومة، لم تكشف رويترز اسمه “نعم، الإيرادات آخذة في الارتفاع لكن الاقتصاد لا يزال بحاجة لإصلاحات”.

ولم ترفع أزمة الطاقة في أوروبا الأسعار فحسب، بل زادت الطلب على إمدادات الغاز من المصادر التي لن تتأثر بحرب أوكرانيا، مما أعطى الجزائر ثقلا أكبر.

وتلبي الإمدادات الجزائرية أكثر من ربع الطلب على الغاز في إسبانيا وإيطاليا، وتعد شركة النفط والغاز الحكومية سوناطراك ثالث أكبر مصدر لأوروبا بعد روسيا والنرويج.

وقالت سوناطراك إن أرباح النفط والغاز هذا العام ستصل إلى 50 مليار دولار، مقارنة بمكاسب بلغت 34 مليار دولار العام الماضي و20 مليار دولار في 2020.

في المقابل تشير إحصاءات رسمية إلى أن الصادرات غير النفطية ستتجاوز سبعة مليارات دولار وهو رقم قياسي.

2.4

تريليون متر مكعب احتياطات مؤكدة، وتسهم الجزائر بتوفير 11 في المئة من الطلب الأوروبي

وساعدت قواعد تشجيع المشاركة الأجنبية في قطاع الطاقة الجزائري ضمن قانون الاستثمار الجديد على زيادة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة وتطوير مشاريع جديدة.

ويعتبر البلد العضو في أوبك المُصدّر الأفريقي الأول للغاز والسابع على مستوى العالم، إلا أنه بسبب البنية التحتية التي يتعين تحديثها وزيادة الاستهلاك المحلي أصبح هامش المناورة محدودا من أجل زيادة كبيرة في صادراتها.

وتبلغ الاحتياطيات الجزائرية المؤكدة من الغاز نحو 2.4 تريليون متر مكعب، وتسهم البلاد بتوفير ما يقارب 11 في المئة من الغاز المستخدم في أوروبا، في مقابل 47 في المئة للغاز الروسي.

ففي يونيو الماضي أعلنت سوناطراك عن اكتشاف جديد في حاسي الرمل وهو أكبر حقل للغاز في البلاد.

ويضيف الاكتشاف الجديد ما بين 100 و340 مليار متر مكعب من الغاز المكثف إلى الاحتياطيات، بإنتاج إضافي من المتوقع أن يبلغ عشرة ملايين متر مكعب من الغاز يوميا اعتبارا من نوفمبر المقبل.

وفي الوقت نفسه، قد يكون اتفاق موسع حول إمدادات الغاز بكميات ضخمة لإيطاليا بمثابة تذكرة للدول الأوروبية بفوائد الصداقة مع الجزائر.

وترتبط الجزائر بالقارة الأوروبية بثلاثة أنابيب لنقل الغاز من حقل حاسي الرمل الضخم جنوب البلاد وأماكن أخرى، أحدها توقف قبل أشهر في حين ما يزال أنبوبان قيد الخدمة.

والخط الأول يربط الجزائر بجزيرة صقلية الإيطالية مرورا بتونس، وتبلغ طاقته السنوية 30 مليار متر مكعب، وجرى تدشينه عام 1984.

أما الأنبوب الثاني فينطلق من بلدة بني صاف شمال غرب الجزائر، ويصل إلى مدينة ألميريا جنوب إسبانيا مرورا بالبحر المتوسط، ويعرف بخط “ميدغاز” بطاقة سنوية تبلغ 8 مليارات متر مكعب، وتجري عمليات توسعة لرفعها إلى 10.6 مليار متر مكعب.

والخط الثالث الذي توقف مطلع نوفمبر الماضي وكان يربط الجزائر بإسبانيا مرورا بالمغرب والبحر المتوسط فيعرف بأنبوب المغرب العربي – أوروبا.

وكانت إسبانيا المعتمدة على الغاز الجزائري قد غيرت هذا العام موقفها لتدعم الرباط في قضية الصحراء المغربية. وما كان من الجزائر إلا أن سحبت سفيرها وقطعت بعض التعاملات التجارية.

أزمة الطاقة في أوروبا لم ترفع الأسعار فحسب، بل زادت الطلب على إمدادات الغاز من المصادر التي لن تتأثر بحرب أوكرانيا، مما أعطى الجزائر ثقلا أكبر

وبالرغم من تأكيدها الالتزام بشروط عقد توريد الغاز، فإن الجزائر ربما لا تبدي قدرا واضحا من الكرم في محادثات التسعير المقررة.

وقال مسؤول جزائري متقاعد في مجال الطاقة “لا شك أن بطاقة الغاز خدمت الجزائر. إنهم يتقربون إليها، ولا يمر يوم دون أن تتصل دول أوروبية بالسلطات لمناقشة المبيعات المحتملة”.

وفي وقت سابق هذا العام، قالت مصادر لرويترز إن سوناطراك تتفاوض مع مشترين أوروبيين حول سبل الاستفادة من زيادات كبيرة في أسعار الغاز العالمية في عقودها الطويلة الأجل.

وأوضحت المصادر أن الشركة تدرس بضعة خيارات من بينها ربط جزئي بأسعار الغاز في المعاملات الفورية بعقود ارتبطت تاريخيا بسعر خام برنت.

ورغم زيادة النفوذ الدبلوماسي الذي رافق ارتفاع الطلب على الطاقة، فمن المرجح أن يتواصل تركيز الجزائر على زيادة الإيرادات بأقصى قدر ممكن عبر رفع الأسعار، لتهدئة السكان بعد موجة غضب متزايدة.

وقالت منى بلقاسم، وهي خريجة تبلغ من العمر 24 عاما ومن بين حوالي مليون جزائري يتلقون إعانات بطالة بعد أن أمضوا ثلاث سنوات في البحث عن عمل “أنا سعيدة للحصول على 13 ألف دينار (91.5 دولار) شهريا”.

وفي كلمة ألقاها هذا الشهر، قال تبون إنه ملتزم “بزيادة الأجور وإعانات البطالة طالما أن هناك إيرادات إضافية هذا العام”، مضيفا أن الجزائر تكافح من أجل “استعادة الكرامة”.

الغاز الجزائري

ومن المتوقع زيادة المزايا التي تقدمها الحكومة والأجور في 2023، ولكن من غير الواضح ما إذا كان تمويل نموذج الاقتصاد المعتمد بشدة على تدخل الدولة والذي ظلت تعوّل عليه لعقود سيعرقل الإصلاحات الهادفة إلى زيادة فرص العمل والثروة عبر القطاع الخاص.

وعلى المدى الطويل، يجب أن تدرك السلطات أن الإحباطات الاقتصادية يمكن أن تثير اضطرابات عامة على الرغم من تشديد القبضة الأمنية.

وتعرض قادة الحراك للاعتقال بصورة متكررة منذ انحسار المظاهرات وتضاؤل أعداد المشاركين فيها تدريجيا خلال الجائحة، دون تحقيق أقصى أهدافهم المتمثلة في التخلص من النخبة الحاكمة وخروج الجيش من السياسة.

ومن هؤلاء سمير بن العربي، إحدى شخصيات الحراك البارزة الذي اعتُقل مرتين وقضى فترة في السجن بتهم منها المساس بأمن البلاد ونشر مطبوعات تضر بالمصالح الوطنية.

ويقول بن العربي إن الحراك سيستمر. ويضيف “علينا الآن إيجاد طرق جديدة للنضال السلمي من أجل حرية العدالة وحرية الصحافة ومحاسبة الحكومة والشفافية”.

10