الجزائري صالح بلعيد: اللغة العربية مطالبة بالانفتاح على العالم الرقمي

الجزائر– تدفع المعطيات الحالية إلى الجزم بميلاد مجتمع جديد يختلف عن المجتمعات السابقة، وهذا الاختلاف مصدره الشركات متعددة الجنسيات، والأسواق المتعددة، والانتشار الواسع للإنترنت، وهذا ما جعل الدول الرائدة تكنولوجيا تتحكّم في مجال المعلوماتية، وتحاول إعادة رسم الخارطة الأيديولوجية والاقتصادية لعالم الغد.
ومن هنا برزت ضرورة الاستفادة من العولمة، وأهمية البحث العلمي في إنتاج المعرفة، وتطوير تداول اللغة العربية، لتتحقّق النهضة العلمية للمجتمعات الناطقة بها، عبر الترجمة والتعريب، وتمكين هذه اللغة من مواكبة العصر.
في هذا الصدد أكد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية الجزائري صالح بلعيد، أخيرا على ضرورة تضافر وتكثيف الجهود لمسايرة ومواكبة اللغة العربية للتحديات والواقع الذي فرضته تكنولوجيات الرقمنة الحديثة.

صالح بلعيد: الذكاء الاصطناعي يمكنه تطوير استعمال اللغة العربية
وأشار بلعيد لدى تدخله في الملتقى الوطني الأول حول “تعلم اللغة العربية وتعليمها في عصر التواصل الرقمي” إلى ضرورة تقديم واستحداث آليات جديدة في مسألة تعليم اللغة العربية باستعمال التواصل الرقمي حتى يكون للغة العربية دور إيجابي في هذا المجال وذلك لمواكبة المتغيرات الحديثة ومتطلبات العولمة.
وصرح خلال مداخلته بعنوان “تعلم اللغة العربية في عصر التواصل الرقمي، واقع وتحديات” أن المجلس الأعلى للغة العربية يعمل على قدم وساق من أجل ترقية وتطوير استعمال اللغة العربية في مختلف القطاعات والمجالات بما فيها العلوم والتقنيات المعاصرة تماشيا والتكنولوجيات الرقمية الحديثة.
وقد قام المجلس في هذا الصدد -يضيف صالح بلعيد- بإبرام أكثر من 30 اتفاقية مع مؤسسات جامعية فضلا عن عدد من مخابر بحث في اللغة ومؤسسات ذات العلاقة بالذكاء الاصطناعي لترقية وتطوير استعمال العربية في مختلف العلوم والمجالات عبر التقنيات التكنولوجية الحديثة.
ويعمل ذات المجلس حاليا على إنجاز عدد من المشاريع البحثية الهامة على غرار معجم للمخطوطات الجزائرية، والمعجم الطوبونويمي، والدليل الوظيفي الرقمي، والمعجم الورقمي ومشاريع أخرى سينتهي إنجازها وتقديمها قريبا.
كما يحضر المجلس الأعلى للغة العربية أيضا لعمل بحثي ضخم يتعلق بالمعجم التاريخي الرقمي للغة العربية والذي أنجز جزءا كبير منه وينتظر أن ينتهي من المشروع سنة 2026، حيث يتناول كل الجذور المتعلقة بكلمات اللغة العربية مع دارسة تطوراتها عبر مختلف المراحل التاريخية.
ودعا بلعيد جميع الفاعلين في مجال اللغة العربية إلى مواصلة الجهود من أجل تشجيع كل المبادرات التي من شأنها تعليم العربية تقنيا ودعم المحتوى الرقمي العربي، وعلى المؤسسات التعليمية مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة، مع مراعاة طرائق جذابة لتسهيل تعليم اللغة العربية وتعلمها وباستراتيجيات التحول الرقمي لتطوير الممارسات التعلّمية والتعليمية، وأيضا عن طريق السعي إلى تبادل التجارب والخبرات العملية وإنتاج منصات وتطبيقات.

كما أشار إلى جملة التحديات التي تواجهها العربية في مجال الرقمنة منها ضعف المحتوى الرقمي في حوسبة اللغة العربية، إضافة إلى ضعف تحليلها بشكل عملي دقيق، فضلا عن نقص حركة النشر الإلكتروني وضعف بنية الشبكات، وقلة إنتاج المصطلح في العربية إضافة إلى مشكلات تقنية متراكمة وغيرها من التحديات مما يستدعي تكثيف الجهود لتجاوزها للارتقاء وتطوير اللغة العربية.
وأضاف نفس المتحدث أن مواجهة هذه التحديات تتطلب تكثيف البحوث والإسهام بالكتابة في المجلات بالعربية العلمية ونشرها رقميا، والعمل على عولمة العربية في ظل عالميتها واتساع نطاقها والطلب المتزايد والإقبال عليها من كبريات الجامعات.
ويسعى المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر، إلى إيجاد الحلول العلمية والعملية التي تساعد على النهوض باللغة العربية، وتدفع بها إلى مصاف اللغات الرائدة في مجال العلوم والتكنولوجيا والتواصل.
وفي هذا الصدد يركز على أنه لا بد من مشاريع طموحة تهدف إلى خدمة العربية والنهوض بها ووضعها في متناول الناطقين بها بصورة تواكب متطلبات العصر، وتجاري التطوّرات العلمية والتكنولوجية المتسارعة، والتي لها تأثيرات ثقافية خطيرة، إذا ما لم يقع استغلال مجال الذكاء الاصطناعي لخدمة العربية، وترسيخ ذلك في تحسين التعرف التلقائي على الكلام بطرق إحصائية.
ويذكر أن هذا اللقاء قد نظم من طرف معهد العلوم الإنسانية والاجتماعية -قسم الآداب واللغات- للمركز الجامعي “نور البشير” للبيض بالتعاون مع المجلس الأعلى للغة العربية بمناسبة إحياء اليوم العالمي للغة الأم المصادف للحادي والعشرين من فبراير من كل عام. وتضمنت الأشغال التي جرت بتقنية التحاضر عن بعد العديد من المداخلات والورشات بمشاركة أستاذة وباحثين من أكثر من 30 مؤسسة جامعية.