الجزائريون يأخذون المبادرة بملاحقة عصابات الأحياء على مواقع التواصل

أخذ عدد من الناشطين الجزائريين على عاتقهم مسؤولية الكشف عن أعضاء عصابات الجريمة التي تنتشر في البلاد بإنشاء صفحات تبليغ على الشبكات الاجتماعية للتوعية وتحذير المواطنين من هؤلاء الأشخاص بغياب دور حكومي بهذا الشأن.
الجزائر- أطلق جزائريون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لكشف المنحرفين وبائعي المخدرات في الأحياء الشعبية، في محاولات لوقف العصابات التي انتشرت في بعض الشوارع، في ظل عدم قدرة السلطات على التصدي لهم.
وأطلق عدد من الناشطين تحذيرات على صفحات أنشأوها من أجل التنبيه أو الإبلاغ عن مروجي المخدرات والمتورطين في ما يطلق عليه بـ”عصابات الأحياء” في الجزائر، ومن بينها صفحة “مكافحة عصابات الأحياء” على فيسبوك التي تلقى رواجا كبيرا وتنشر بشكل متواصل صور ومقاطع فيديو.
ولا تزال عصابات الأحياء تنتشر بكثافة في الجزائر وتردد الحديث عن عمليات قتل متفرقة، وعدد كبير من سرقات مختلفة، إلى جانب الاتجار واستهلاك المخدرات بمختلف أنواعها، الأمر الذي خلق وضعاً غير مستقر استدعى في الكثير من الأحيان توعداً شعبياً بالمواجهة وأخذ المبادرة بتأمين الأحياء.
ونشرت إحدى الصفحات مقطع فيديو لوزير العدل يتحدث فيه عن القضية مرفقا بتعليق جاء فيه:
Driver Roaming
كيف أصبح حالنا، الوزير يعترف، عصابات الأحياء أصبحت تتحكم في بعض الأحياء، للأسف حال الجزائر الجديدة، كولومبيا.
ونشر ناشط آخر مقطع فيديو على موقع إكس يظهر فيه أحد المروجين للمخدرات، وعلق قائلا:
ورد عليه آخر يرثي حال البلاد التي تحولت إلى مرتع لعصابات الإجرام:
mer__zak@
أصبحنا مثل الدول الغربية حيث الكل يتعاطى المخدرات… في الجزائر المخدرات أصبحت مثل الدخان تماما تباع أمام مرأى الكل، الشرطة والدرك يعرفون الباعة بالاسم واحدا واحدا لكنهم يغضون عنهم النظر لأنهم هم أول زبائنهم ولأن السجون مملوءة عن آخرها، لهذا أعطيت تعليمات بعدم التعرض للمروجين.
ونشرت على الصفحات الاجتماعية عبارات مثيل “حذار.. هذا الشاب يبيع المخدرات في العمارة رقم 8″، أو”فلان وفلان وراء الاعتداء بالسرقة على الجار وضربه”.. لتمكين ضحايا الاعتداءات من التعرف على الجناة، أو لدل مصالح الأمن على الفاعلين بهدف ردعهم.
مسؤولو صفحات التبليغ فوجئوا بكم هائل من البلاغات وسط مخاوف ألا تكون جميعها حقيقية بل تصفية حسابات
وفوجئ عدد من مسؤولي هذه الصفحات بكم هائل من البلاغات التي طلب أصحابها نشرها، وسط مخاوف ألاّ تكون جميعها حقيقية وربما كانت مجرد تصفية حسابات، ما دفعهم للحرص على التأكد من صدق تلك المعلومات، ومتابعة أيّ احتجاج حول تلك المنشورات.
ويرى المختص الاجتماعي يوسف قنيدرة أن “ثقافة التبليغ مترسخة في المجتمعات المتحضرة، على عكس بعض المجتمعات التي تعتبر التبليغ خطيئة، أو تعيش بمبدأ كل لشأنه.”
كما أوضح في تصريحات أنه “يصعب على المصالح الأمنية في بعض البلدان التي تعرف ارتفاعا في نسبة الجرائم، التحكم في عدد من الأحياء الشعبية، وبالتالي تشكل تلك المبادرات دعماً للأمن.” وتابع “هنا يظهر وعي المجتمع بضرورة مساعدة المصالح المختصة في كشف المتورطين.”
إلا أنه أعرب عن تخوفه لحساسية الأمر حين يتعلق الموضوع بصفحات مجهولة تنشر معلومات تتعلق بأشخاص معينين. وأوضح أن “التبليغ ليس مؤطرا في الجزائر، وحتى الرسائل المجهولة التي تبعث إلى مصالح الأمن لا يعتد بها، ما يقلص الحلول أمام المواطنين إلى مناشير إلكترونية قد لا تكون دقيقة أحيانا وقد تضر بالأشخاص.”
وتعمل قوى الأمن على مواجهة عصابات الأحياء التي تضاعف نشاطها في الفترة الأخيرة بشكل بات يهدد الأمن العام وسلامة المجتمع، لاسيما أن سلوكيات عناصرها منحرفة، ما أسهم في تصاعد قياسي لمعدلات الاعتداءات الإجرامية واستخدام الأسلحة البيضاء وكذلك تعاطي الممنوعات. وما زاد من المخاوف تحول الظاهرة إلى نشاط منظم يستهدف السيطرة على الأحياء وإغراقها بالمخدرات بكل أنواعها، إذ تتقاسم هذه العصابات في ما بينها المناطق السكنية، بحسب أمنيين، وتعمل على ترويج المخدرات والسرقة.
وبحسب الأهالي، فلكل عصابة منطقها وأسلوب سيطرتها، تتخصص في الاتجار بنوع من المخدرات متفق عليه، فيما تنشط أخرى في مجال السرقات بأنواعها من منازل وسيارات.. إلخ، وكل ذلك يحدث من دون تداخل في ما بين العصابات، وإن وقع تعد على الاتفاق تندلع معارك بمختلف أنواع الأسلحة البيضاء والعصي والهراوات.
وأرجعت مصالح الشرطة أغلب أسباب تشكيل هذه العصابات إلى محاولة بسط الهيمنة والنفوذ الإجرامي في ما تعلق بالاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية، إذ تبين أن أغلب المشتبه فيهم شباب من أصحاب السوابق قضائياً، وأشارت إلى أن هذه العصابات أصبحت تخلق جواً من انعدام الأمن والسكينة.
وسجلت مصالح الأمن 165 قضية تخص مكافحة عصابات الأحياء في الوسط الحضري، تورط فيها 722 شخصاً، تم إيداع 479 منهم الحبس المؤقت ووضع 113 آخرين تحت الرقابة القضائية، وفي العاصمة وحدها، تمت معالجة 10 قضايا متعلقة بإجرام العصابات في الأحياء السكنية، أوقفت من خلالها الجهات المعنية أكثر من 110 أشخاص مشتبه فيهم من بينهم رعايا أجانب، إضافة إلى حجز أسلحة بيضاء من مختلف الأنواع والأحجام بما فيها بنادق صيد بحرية، إضافة إلى كميات من المخدرات على اختلاف أنواعها.
3
ملايين جزائري 3 في المئة منهم نساء، يستهلكون ويتعاطون المخدرات، بما في ذلك الأدوية ذات التأثير العقلي
ويقول مختصون أن جرائم القتل أصبحت تمثل قرابة 50 في المئة من قضايا الجنايات، وأنه قد يضم جدول الدورة الجنائية الواحدة 250 قضية، بينها 140 قضية قتل سواء عمدا أم بالضرب والجرح، وأشار مصدر مطلع إلى ارتفاع أحكام الإعدام في الآونة الأخيرة ضد القتلة، وباتت تمثل من 15 إلى 30 حكماً أحياناً من أصل 80 ملفاً لجناية قتل، والأسباب فيها تافهة تتعلق أحياناً بركن سيارة، ورجح أن تشهد الأحياء مزيداً من جرائم القتل بسبب الانتقام والأحقاد والغيرة وتصفية الحسابات، من دون تجاهل دور المخدرات والحبوب المهلوسة في ارتكاب تلك الجرائم خصوصاً بين الشباب في الأحياء وداخل الأسر.
وبحسب دراسة ميدانية، أجراها الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان، فإن هناك أكثر من 3 ملايين جزائري 3 في المئة منهم نساء، يستهلكون ويتعاطون المخدرات، بما في ذلك الأدوية ذات التأثير العقلي.
ووفق أرقام رسمية، كشف عنها رئيس المنظمة الوطنية لرعاية الشباب عبدالكريم عبيدات، فإن عدد المدمنين على المهلوسات بمراكز العلاج تجاوز 700 ألف، لكن العدد الحقيقي قد يصل إلى مليون شخص، والفئة الأكثر استخداما لهذه السموم تتراوح أعمارها بين 20 و30 سنة.
وتشير العديد من المصادر إلى أن ظاهرة تعاطي الحبوب المهلوسة في المجتمع الجزائري بدأت عام 2014، مع انتشار ظاهرة المهاجرين الأفارقة غير النظاميين الذين ينشطون في تجارة المخدرات والأوراق النقدية المزيفة.
وتنتشر العديد من أنواع الحبوب المهلوسة في أوساط الشباب، وهي في الأصل عبارات عن عقاقير مسكنة مثل “ترامادول” و “ليريكا” و”سيبتيكس” و”بريغابالين” وهي تحمل في الغالب مسميات غير تلك التي تعرف بها طبيا مثل “الصاروخ” و “التاكسي” و “الزرقاء” و “الحمراء”.
ولفت رئيس المنظمة الوطنية لرعاية الشباب إلى أن حبوب “بريغابالين” المعروفة بـ”الصاروخ” الأكثر انتشارا بين مدمني المهلوسات، وتمثل نسبة تصل إلى 80 في المئة مقارنة بأنواع المؤثرات العقلية الأخرى.
ويأتي تعاطي الحبوب المهلوسة في المرتبة الأولى، يليها الكيف المعالج و”تشوشنا” بينما يقتصر تعاطي المخدرات الصلبة كالهيروين والكوكايين على فئة قليلة وأغلبهم أبناء الأثرياء.