الجزائريون في حفل احتجاج تنكري على موقع فيسبوك

الحكومة الجزائرية عاجزة عن معرفة مصدر الدعوات إلى التظاهر في يوم محدد وفي مختلف المحافظات رغم أنها تمتلك أجهزة متطورة لتتبع أيّ حركة غير قانونية.
الاثنين 2019/03/04
وسائل الإعلام التقليدية تجد نفسها تابعة إلى شبكات التواصل الاجتماعي

بعدما أصبح فيسبوك السلطة الأولى في الجزائر، فقد انتقل إلى الواقع بشكل مدهش، حيث أن كل الشعارات وعبارات السخرية التي تتناولها الصفحات أصبح الكثير يحملها أثناء المظاهرات التي جابت مختلف أرجاء البلاد، ولم تتمكن السلطات لحد الآن من تحديد مصدرها الأول ومحركها الأصلي الذي يبقى مجهولا رغم النداءات الرسمية للكشف عن هويته، وكأن البلاد كلها أصبحت تعيش في حفل تنكري.

الجزائر - عندما خرجت جموع الجزائريين في التظاهر ضد ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، لولاية جديدة، علّق موقع إخباري ساخر على لسان وزير في الحكومة يقول إن الأمر يتعلق بـ”عيد ميلاد ريفكا”، وهو اسم الشهرة للشاب فاروق بوجملين، الذي استطاع قبل أشهر أن يجمع أكثر من عشرة آلاف شخص في واحد من أشهر الأماكن العمومية بالجزائر العاصمة، وقد دعاهم إلى الالتقاء بمناسبة عيد ميلاده.

وشكّل ذلك الحدث صدمة كبيرة للنخبة السياسية والثقافية التي واجهت الإفلاس وهي لا تستطيع جمع بضع العشرات من الناس في المهرجانات، وسارعت جهات في الحكومة إلى “الاستثمار” في شهرته، حيث استقبله وزير الثقافة، وتم منحه “بطاقة الفنان” الرسمية، ودعي إلى تمثيل فيلم يجمع بعض “رموز” شبكات التواصل الاجتماعي.

وبعدها سارع الفضوليون إلى البحث عن اسم “ريفكا” عبر شبكات سنابشات ويوتيوب وإنستغرام، لمعرفة سر الشعبية الجارفة، فلم يجدوا شيئا سوى يوميات عادية، تتخللها بعض المشاكسات البسيطة وسط العائلة والمحيط الضيّق.

ولم يكن أشد المعارضين تفاؤلا يتوقع أن شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك، ستكون بعد أشهر من ذلك وسيلة لخروج مئات الآلاف إلى الشارع في يوم واحد وبالشعارات نفسها، يطالبون الرئيس بالعدول عن الترشح لولاية خامسة. إنها السلطة الجديدة، التي يبدو أنها جرفت كل المفاهيم القديمة، ولم تعد تعترف بأيّ سلطة أخرى، ورغم ذلك ما يزال الجدل متواصلا حول “شرعيتها” مقابل شرعية صندوق الانتخابات وشرعية المنظمات والنقابات المختلفة التي ما تزال تشتغل بالآليات المتعارف عليها منذ القدم.

وفي هذا الصدد يعترف الكاتب الصحافي عبدالوهاب جاكون بأن “شبكات التواصل الاجتماعي خلقت بالفعل مشكلة كبيرة، لكنها لم ولن تكون وسيلة لإيجاد الحلول”.

الصحافيون يتتبعون الأخبار غير الدقيقة والمزيفة من أجل نقلها بحثا عن ملء الفراغ

ويذهب أحمد أويحيى الوزير الأول (رئيس الوزراء) الجزائري في هذا الاتجاه، عندما يشكك في نوايا من يدعو إلى أيّ حركة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث قال في أحد تصريحاته “إن من كانت نيته صافية، فليقل مثلا أنا قويدر بن قدور (فلان بن فلان) وأنادي بكذا وكذا”. وحذر أويحيى، من أي شخص مجهول الهوية والأهداف من شأنه أن يعبث بمشاعر الناس ويتلاعب بمصير البلاد.

ورغم أن الحكومة كانت قد سنّت قبل سنين قوانين تتعلق بالجريمة الإلكترونية وتمتلك أجهزة متطورة لتتبع أيّ حركة غير قانونية، فإنها وجدت نفسها عاجزة هذه المرة عن معرفة مصدر الدعوات إلى التظاهر في يوم محدد وعبر مختلف الولايات (المحافظات)، وهي السلطة نفسها التي أعلنت قبل أشهر قليلة من الآن حربا ضد “الابتزاز السياسي والمالي”، اُتهم فيها عدد كبير من الفنانين والرياضيين السابقين وبعض الناشطين الإلكترونيين وقدّموا للمحاكمة.

ويبدو أن الأمر مختلف هذه المرة، حيث أن شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك لم تعمل إلا على سرعة التواصل وتبليغ المعلومة، في وقت أفلست فيه مختلف الوسائل الإعلامية السمعية والبصرية والورقية وحتى الصحافية الإلكترونية، التي تبقى خاضعة لسلطة الإعلانات ووجدت نفسها خارج اللعبة نهائيا، بل عجزت حتى عن نقل الخبر بعد وقوعه خوفا من الحرمان من التمويل الذي يضمن لها الاستمرارية.

بل أن كثيرا من وسائل الإعلام التقليدية وجدت نفسها تابعة بشكل أو بآخر إلى شبكات التواصل الاجتماعي، ففي ظل صعوبة الحصول على الخبر من الجهات الرسمية، اضطر الصحافيون إلى تتبع الأخبار غير الدقيقة وفي كثير من الحالات المزيفة من أجل نقلها بحثا عن ملء الفراغ.

ويذكر الصحافي محمد بن وكيلي، طرفة تناقلتها صفحات فيسبوكية تتعلق بمؤسسة إعلامية كبيرة اتصل بها شاب عبر صفحتها على فيسبوك عارضا عليها إرسال صور حصرية “ومرعبة” لحادثة إطلاق نار، فسارعت على الفور بالترحيب به وبما يرسله من صور، وبعد ذلك بقليل بعث لها صورا تتعلق بلعبة إلكترونية فيها عمليات إطلاق نار، لتبين أن الأمر مجرد مقلب، يعبّر بعمق عن المصير المأساوي للإعلام التقليدي الجزائري في مواجهة صفحات فيسبوكية.

فيسبوك السلطة الجديدة
فيسبوك السلطة الجديدة

ويكاد يكون فيسبوك شبكة التواصل الاجتماعي الوحيدة التي يعرفها معظم الجزائريون، حيث أن تويتر يستعمل في إطار ضيّق جدا، والمشاهير من الفنانين ونجوم كرة القدم لا يعرفونه، كثير منهم يستعمل إلى جانب فيسبوك كل من موقعي إنستغرام ويوتيوب، ولم تضطر السلطات أثناء الأزمات الكبرى والدعوات إلى التظاهر إلى حجب تويتر أو تيليغرام بالنظر إلى تأثيرهما المعدوم، بل تلجأ إلى حجب فيسبوك أو قطع الإنترنت كليّا، مثلما حدث أكثر من مرة مع فترات امتحانات البكالوريا.

ويرى سفيان قميري، وهو متخصص في شبكات التواصل الاجتماعي “أن غياب تويتر وتليغرام ووتسآب وغيرها من المشهد الجزائري إلى النمطية التي تطبع تفكير النخبة الجزائرية عموما، إضافة إلى عوامل أخرى، منها أن الجزائر تأخرت كثيرا في اقتحام عالم الإنترنت”.

ويؤكد قميري، أن المؤسسات الرسمية استسلمت للأمر الواقع ولم تعد تستثمر في تطوير مواقعها الإلكترونية، بل أن بعضها لا يمتلك موقعا إلكترونيا من الأساس، وكل ما يقومون به للتواصل هي صفحات فيسبوكية لا أحد يعرف مصداقيتها، تشابهت الأسماء ووقع الجميع في الفوضى، حيث أن بعض مواقع التسوق الشهيرة وجدت كثيرا من الصفحات التي تقلّدها تجني من خلالها أرباحا كبيرة.

وفي ظل حالة الإفلاس التي يعرفها المشهد السياسي، أصبحت لبعض رجال السياسة كثير من الصفحات التي تتكلم بأسمائهم، وتنقل تصريحات على ألسنتهم سرعان ما تتناقلها وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية دون أن يجدوا سبيلا لتكذيبها.

ولأن الجزائريين مهوسون بـ”المؤامرة الصهيونية”، فقد انتشر بينهم حساب مزيف لأحد الباحثين اسمه مكتوب بالعربية إلى جانب العبرية، ينشر في كل مرة تصريحات باللغة العربية تقترب من الروح الجزائرية، ويناقش الشأن الجزائري بكل تفاصيله، ويجد من ينقل عنه ويقول “إنها المؤامرة الصهيونية… أنظر الصهاينة ماذا يفعلون؟”.

19