الجزائرية كلثوم ستاعلي: الحمض النووي للرواية هو الشعر

ينجح الكثير من الشعراء في كتابة الرواية بروح ولغة مختلفتين، ولكن كثيرا منهم يفشلون في هذا، إذ يفتقرون إلى الوعي للتفريق بين الغنائية التي يحتضنها الشعر بكل ما فيها من صوت ذاتي، والدرامية التي تفرض التعدد في الأصوات والصراعات وغيرها من اشتراطات. لكن الشعراء العرب الذين يكتبون بلغات أخرى كانوا أكثر وعيا في انتقالهم إلى كتابة الرواية، وهو ما نلاحظه عند الروائية الجزائرية كلثوم ستاعلي.
الجزائر- ليس الشعر حكرا على القصيدة، إذ نجد الكثير من الشعر في مجالات غير مجال النص الشعري، مثل اللوحة والسينما والمسرح والرواية، بل وحتى في بعض الكتب الفكرية والنظرية قد نصادف انبثاقات شعرية، لذا فإن هذا الجنس الأدبي قادر على رفد مختلف الفنون الأخرى ومن بينها الرواية.
يكتب الكثير من الروائيين أعمالهم بروح الشعر، خاصة منهم من كانوا شعراء في الأصل، ولكن مع مراعاة الاختلاف بين الأجناس الكتابية.
الشعر والرواية
التصنيف الثلاثي الموروث عن الشعرية الأرسطية، والمتمثل في الملحمة والدراما والشعر الغنائي، دفع البعض إلى القول بأن الشعر العربي لا يدخل في باب الملاحم ولا الدراما، وعليه، فإن شعرنا العربي هو شعر غنائي. وإن صح هذا القول فإنه نسبي، رغم أن الكثير من الشعراء ممن ينتقلون إلى الرواية يفتقدون إلى الدرامية الكافية لنحت عمل سردي، وهذا ما تعي به جيدا الروائية الجزائرية كلثوم ستاعلي التي تكتب بالفرنسية بشكل أساسي أدبا مفعما بروح بيئتها الجزائرية.
تقوم التجربة السردية لكلثوم ستاعلي، على الشعر، إذ بدأت مسيرتها الأدبية شاعرة، وهو الأمر الذي جعلها تبقى وفية للشعر، حتى بعد انتقالها إلى الكتابة الروائية.
وتقول كلثوم ستاعلي “بدأت تجربتي روائية، منذ عدة سنوات، عندما نشرت روايتي الأولى بعنوان ‘قلب أسود’ (Coeur Noir) في عام 2014، عن دار مرسى للنشر، لكن تجربتي ككاتبة، تعود إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما بدأت في نشر القصائد في المجلات، ثم في مجموعات مع ناشرين إقليميين. وفي عام 2011، نشرت إفادة شخصية بعنوان The Mimosa of December، مع منشورات لزهاري لبتر، وهي مترجمة إلى الإيطالية”.
في عام 2022، تم ترشيح روايتها “المدينة ذات العيون الذهبية” للفوز بجائزة محمد ديب للرواية بالجزائر، وحصلت عليها فعلا، وتقول ستاعلي عن هذه التجربة “كانت الرواية نتاج رحلة كتابة كاملة، حمضها النووي هو الشعر، وقد شكلت تجربتي الوجودية بشكل خاص مدينة الجزائر، مدينة كل السحر، وهي المدينة التي قررت العيش فيها، منذ زمن بعيد، ولكن الظروف أجبرتني على المغادرة، وكما يعلم الجميع، فإن الجزائر العاصمة، مدينة لا يمكن تركها وراء الركب. لقد ظل حلمها يطاردني، منذ ذلك الحين، لأنها منطقة شعرية ورومانسية”.
وتضيف الروائية “لقد تعلمت الكتابة حقا من خلال كتابة الشعر، لذا أظل أنهل من هذه التجربة، وأعدها شرطا للغة الكتابة، ولابتكار صوتي”.
علاوة على ذلك، تؤكد صاحبة “المدينة ذات العيون الذهبية”، أنها لا تتصور عملا أدبيا لا يشكك في الشكل والنوع، وأن الكتابة الروائية لا تتخذ لديها شكلا معروفا، أي أنها قابلة لتغيير “أكوادها” و”شيفراتها”، والبحث دائما عن الجانب الآخر من الحدود الموضوعة، لتجاوز الرموز والحدود، مثلما يتعدى المرء الحدود ليذهب ويرى ما هو مختلف على الجانب الآخر. وتعبر هذه الروائية عن ذلك بالقول “بالنسبة إلي، الكتابة هي قبل كل شيء، مغامرة، وتجربة وجودية”.
◙ الكاتبة تعلمت الكتابة من خلال كتابة الشعر لذا تظل تنهل من هذه التجربة وتعدها شرطا للغة الكتابة
ومن جهة أخرى، تعتبر الكاتبة أن حصولها على جائزة محمد ديب، يشكل مصدر فخر لها، بسبب اسم الكاتب الجزائري الكبير محمد ديب (1920 – 2003)، الذي تحمل الجائزة اسمه، ثم لأنها إحدى أرقى الجوائز الأدبية في الجزائر، لذا فقد كانت سعيدة جدا بالحصول عليها، وهو الأمر الذي شجعها على مواصلة الكتابة الروائية.
مشاريع روائية
كانت رواية ستاعلي “La ville aux yeux d’or” (المدينة ذات العيون الذهبية) قد توجت بالجائزة في فرعها الفرنسي بعملها الذي يعتبر مشحونا بروح المدينة الجزائرية وتفاصيلها وشخصياتها، رغم أنه ينشئ رحلة ثقافية بين الفرنسية والمجتمع الجزائري العربي والأمازيغي.
وتؤكد ستاعلي أنها تعمل حاليا على تأليف عمل روائي جديد، فضلا عن اشتغالها على أطروحة دكتوراه تناقش الممارسة ونظرية الإبداع الأدبي والفني.
وتشير الكاتبة إلى أن مشروعها الروائي الجديد يدور حول شخصيات جزائرية تعيش في معبر للحدود الجغرافية بين مدينتي مرسيليا الفرنسية والجزائر. وتتميز شخصيات الرواية بكونها تسافر ولكن، قبل كل شيء، تسكن وتسكنها دولتان، مدينتان توأم، كما تتميز الرواية أيضا بحوادث عنيفة، وقصة دم لا تجف، وندوب تحتاج إلى فك رموزها، وهي رحلة عبر الزمن تحكي قصصا فردية، ولكنها أيضا، تروي أجزاء من التاريخ العظيم الذي تختزنه في ثناياها المنسية.