الجراحة التصحيحية تساعد المختونات في مصر على التحكم في أجسادهن

مشاعر جديدة تماما تحل محل الآلام النفسية المزمنة.
الخميس 2023/06/15
الختان مازال موضوعا يثير انقساما اجتماعيا حادا

في عام 2020 بدأ لأول مرة في مصر إجراء جراحات تصحيحية للنساء المختونات تساعدهن على التحكم في أجسادهن وتنسيهن الآلام الجسدية والنفسية التي عانينها. ويقدم “مركز ترميم ختان” للنساء علاجا نفسيا على يد متخصصين ومتخصصات وعلاجا طبيا. ورغم انتشار الحملات المناهضة لختان الإناث في مصر لم يمنع ذلك عدة أسر من التشبث بهذه العادة التي يرفضها الدين أيضا.

القاهرة - تنتشر في مصر حملات ضد ختان الإناث. ولكن إذا كانت الدولة تسعى لحماية الأجيال المقبلة، فإن 28 مليون امرأة مختونة بالفعل ليست لديهن إلا عيادة وحيدة لمساعدتهن.

قررت نورهان البالغة 30 عاما تحدي التقاليد. هذه الشابة المقيمة في الإسكندرية، التي تتحدث باسم مستعار، لجأت إلى الجرَّاحة ريهام عواد “لتعود صاحبة القرار في ما يتعلق بجسدها”.

وتقول نورهان إنه بعد ثمانية أشهر من جراحة تصحيحية للعودة إلى ما كانت عليه عند ولادتها حلت مشاعر جديدة تماما محل الآلام المزمنة التي كانت تعاني منها، كما أنها تحسنت جسديّا ونفسيّا. وبدأ إجراء هذا النوع من الجراحات لأول مرة في مصر عام 2020.

عندما أسست “مركز ترميم ختان” وفرت الدكتورة عواد وزميلها عمر سيف الدين مساحة نادرة لإجراء هذا النوع من الجراحات في مصر حيث لا يزال الختان موضوعا يثير انقساما اجتماعيا حادا بين التقبّل والرفض.

المركز يقدم علاجا نفسيا على يد متخصصين كما يوفر علاجين بالبلازما من أجل إعادة إحياء الأنسجة التي تضررت

ويقدم المركز علاجا نفسيا على يد متخصصين ومتخصصات كما يوفر علاجين بالبلازما من أجل إعادة إحياء الأنسجة التي تضررت، إضافة إلى عملية ترميم بظرية. وتؤكد عواد أن الجراحة هي الحل الأخير، موضحة أن حقن البلازما مع المتابعة النفسية “يتيحان خفض الجراحات بنسبة 50 في المئة”.

كما أن انتصار التي تتحدث كذلك باسم مستعار، تعتزم الخضوع لهذه الجراحة. وتقول هذه السيدة التي هي في العقد الخامس من عمرها “هناك شيء كُسِر فيّ وأريد إصلاحه”.

وتروي “جدتي اصطحبتني حين كنت في العاشرة إلى طبيب وأجرى لي جراحة الختان”. وتابعت أن جدتها كانت تردد دوما “هذا لمصلحتك… هذا أفضل لك”. وتوضح الناشطة لبنى درويش أن والد انتصار وهو طبيب ووالدتها وهي مديرة مدرسة وافقا على أن تجرى لها جراحة الختان ولكنهما تركا تنفيذ المهمة للجدة في العطلة الصيفية، موسم ختان الفتيات في مصر.

وتطالب درويش، مسؤولة برنامج الجندر في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بإجراء حملات وقائية في المدارس قبل العطلات الصيفية.

وتشير إلى أن الأرقام مفزعة؛ ذلك أن 86 في المئة من المصريات المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما، تم إجراء جراحة الختان لهن، وفق الأرقام الرسمية الصادرة عام 2021. وتشكل المصريات عشر عدد النساء اللاتي تم ختانهن في العالم. ويسبب الختان، الذي يتمثل -في مصر- في استئصال البظر أساسا، آلاماً ونزفاً والتهابات في مجرى البول وعلاقات جنسية مؤلمة وتعقيدات أثناء الولادة.

ومع ذلك تجري الكثير من العيادات هذه الجراحة. وبعد أعوام من الحملات ضد القابلات اللاتي كنّ يجرين عملية الختان، صار الأطباء يجرون ثلاثة أرباع جراحات الختان في مصر.

هذا التقليد الراسخ في المجتمع منذ آلاف السنين تصعب مقاومته وزحزحة القناعات التي تقف خلفه؛ إذ يعتقد المصريون أنه الوسيلة الأساسية للحفاظ على ما يصفونه بـ”عفة المرأة”.

 

الملايين من الفتيات واجهن خطرا متزايدا بالتعرض لتشويه أعضائهن التناسلية، وذلك نتيجة لجائحة كورونا

ولئن صار الختان محظورا بموجب القانون منذ العام 2008، وبالرغم من أن رجال الدين الإسلامي والمسيحي يؤكدون أنه مخالف للدين، فقد ظل منتشرا على نطاق واسع. وتقول انتصار وهي اليوم صحافية “إن الختان عابر للطبقات الاجتماعية”.

ورغم أن البعض يروج لهذه العملية باعتبارها مجرد جراحة “تجميلية” إلا أنها تستهدف في الواقع حرمان المرأة من الإحساس بجسمها ومن اللذة، بحسب قول انتصار. وتتابع “قالوا لنا إن الختان يتوافق مع الدين وإنه أفضل وأنظف”.

ويتمّ من حين إلى آخر تغليظ العقوبات على الأطباء الذين يجرون جراحات ختان، بل وكذلك على الأهالي. ولكن بالنسبة إلى لبنى درويش فإن “التجريم” غير مجدٍ لأن أحدا لن يبلّغ عن أسرته إذا كانت العقوبات شديدة للغاية. وتضيف أنه لا بد من دروس تربية جنسية في المدارس وتوعية بالرقم الساخن الذي خصصته الدولة اعتبارا من عام 2017 للإبلاغ عن حالات الختان قبل إجرائها.

وبالنسبة إلى الدكتورة ريهام عواد تكمن المشكلة في أن الأطباء أنفسهم “لا يسمعون بهذا النوع من الجراحات، لا أثناء دراستهم ولا بعد ذلك أثناء التدريب. أما النساء فإنهن لا يعرفن التكوين التشريحي لأجسادهن”. وتوضح عواد أنها تعطي مرآة لأي مريضة تزورها للمرة الأولى حتى تكتشف أعضاءها التناسلية.

وتقول انتصار إنها لم تعرف أنهم “استأصلوا جزءا من البظر إلا بعد أول زيارة”. وتضيف “كنت أعتقد أنهم قطعوا جزءا صغيرا من الجلد وكنت في غاية الغضب عندما اكتشفت الحقيقة”.

نورهان غضبت كذلك؛ في البداية بسبب الاستئصال وبعد ذلك بسبب قلة المساعدة على إجراء جراحة الترميم. واضطرت إلى الانتظار أكثر من عام للحصول على تبرع لتغطية كلفة الجراحة التي تبلغ قرابة 1300 دولار، أي أكثر من عشرة أضعاف الراتب المتوسط في مصر. وتضيف أن كلفة الأدوية باهظة كذلك وينبغي على المسؤولين معالجة هذا الأمر والسماح بإجراء جراحات الترميم في المستشفيات العامة.

86

في المئة من المصريات المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما، تم إجراء جراحة الختان له

غير أن نورهان سجلت بالفعل انتصارا؛ تمكنت مع والدتها من منع ختان ابنتي شقيقته. وفي المجتمعات الإسلامية المحافظة في مصر، لاسيما في المناطق الريفية، تعد المرأة “غير نظيفة وغير جاهزة للزواج” ما لم يتم ختانها.

وقد حُظرت هذه الممارسة في مصر منذ عام 2008، وقد تصل عقوبة مرتكبيها من أطباء وغيرهم إلى السجن لمدة سبع سنوات إذا ثبتت إدانتهم بإجراء هذه العملية، وقد يواجه أي شخص يطلب إجراء العملية عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

وواجهت الملايين من الفتيات خطرا متزايدا بالتعرض لتشويه أعضائهن التناسلية، وذلك نتيجة لجائحة كورونا. فإغلاق المدارس وإجراءات الإغلاق العام وتعطيل الخدمات التي تحمي البنات من هذه الممارسة المؤذية…، كل ذلك يعني أن مليوني حالة إضافية قد تحدث خلال العقد المقبل.

وطبقا لبيان صادر من منظمة اليونيسيف “فإن هناك تقهقرا في الكفاح لإنهاء تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وسيؤدي ذلك إلى تبعات فظيعة على الملايين من البنات في المناطق التي تنتشر فيها هذه الممارسة”. فعندما لا تتمكن البنات من الوصول إلى الخدمات الحيوية والمدارس في مجتمعاتهن المحلية، يزداد الخطر زيادة كبيرة بأن يتعرّضن لتشويه أعضائهن التناسلية، وهو ما يهدد صحتهن وتعليمهن ومستقبلهن.

وتحتفل مصر في شهر يونيو من كل عام باليوم الوطني لمناهضة ختان الإناث، وذلك بهدف توعية المواطنين بوجوب التخلص من ظاهرة الختان التي تضر بالإناث والفتيات، حيث يسبب الختان عددا من الأضرار، وتكافح الدولة بكافة أجهزتها هذه الظاهرة للقضاء عليها، وذلك عبر قانون يجرمها، فضلا عن الندوات الكثيرة التي ينظمها المجلس القومي للمرأة في المحافظات بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني.

15