"الجديد" في عامها العاشر تواصل مغامرة العقل في عقد عربي مضطرب

لندن - نشرت مجلة "الجديد" عددها المزدوج 105 – 106، ومعه تدخل المجلة سنتها العاشرة وقد شاءت الأقدار أن تفجع "مؤسسة العرب" ناشرة "الجديد" برحيل مديرها العام الكاتب العراقي الدكتور هيثم الزبيدي، الذي دأب على كتابة الصفحة 160 من المجلة، فجاءت كلمته في هذا العدد بمثابة رسالة ووصية تحت عنوان “الوصايا العشر للمثقف العربي”، اختيرت من بين مقالاته التي دأب على نشرها على صفحات المجلة.
وذكر بيان المجلة أنه “على رغم أن فقيدنا العزيز كان متحفزاً للاطّلاع على ملفّ اليوميات المنشور في هذا العدد، وهو الثاني الذي تنشره المجلة في رحلة صدورها، وكان يتطلّع إلى المساهمة بكلمة حول فن اليوميات ومكانته في ثقافات الشعوب، إلا أن القدر لم يسعفه للقيام بذلك.”
وفي حيّز من هذا العدد استعادة لجوانب من تجربة “الجديد” والظروف التي ولدت فيها المجلة والجرأة التي تحلى بها الدكتور هيثم الزبيدي في استقبال فكرة المجلة وإتاحة الفرصة لظهورها إلى النور، وتوفير الظروف المادية لمواصلة صدورها رغم المصاعب والتحديات التي واجهت الصحافة العربية عموماً والصحافة الأدبية على نحو خاصّ، وذلك إيمانا منه بالدور الطليعيّ الذي يمكن أن تلعبه المجلّة في حياة الثقافة العربية، لاسيما على صعيد ربط أطراف جغرافياتها التي عصفت بها أمواج التحولات وزلازل التغيير وطالت أجزاء منها حرائق الطغيان.
وولدت “الجديد” من حاجة ملحة إلى منبر أدبيّ وفكريّ عربيّ جامع يتيح المجال للإبداعات الجديدة والمبتكرة، ويكرّس صفحاته لاستئناف حوار فكريّ ونقديّ انقطع بين النخب العربية المتطلّعة إلى التغيير.
وأوضح بيان المجلة أن صدور هذا العدد المزدوج بما حفل به من إبداعات كاتباته وكتابه وثمرات عقولهم ومخيلاتهم، هو بمثابة تأكيد على أن مغامرة “الجديد” مستمرة ما دامت تصدر بهمة كوكبة من الكاتبات والكتاب المؤمنين بمشروعها النقدي.
وأضاف “ندرك أنّ المهمّة ليست سهلة، في مواجهة زمن كلما فتح العالم نافذة على المستقبل فتح العرب باباً على الماضي. ولا مناص أمام الأجيال الجديدة من تجاوز الفكر الأبويّ والثقافة الغيبية فهما رحم كهوف الظلام ومؤسّسات الطغيان. ستبقى ‘الجديد’ منبر الابتكار الأدبي، والتطلعات المستقبلية، والصوت الحرّ في مواجهة ثقافة النكوص والتسلّط البطرياركي على العقول والأرواح الجديدة.”
وكتب الشاعر نوري الجراح رئيس تحرير المجلة أنه “لا يمكن الحديث عن تجربة مجلة ‘الجديد’، بمعزل عن الظروف التي ظهرت فيها، ولا عن هيثم الزبيدي بعيدا عن مجلة ‘الجديد’، التي بدت له ولي الفرصة الأكثر إثارة للعقل والطموح والخيال في نزوع الثقافة العربية نحو حاضر يتجاوز مخلفات الماضي وعقده المكبلة لطموحات الأجيال الجديدة وتطلعاتها المستقبلية، وذلك في ظل مشرق عربي طالت الزلازل والحرائق جل حواضره الصانعة للثقافة عبر العصور.”
وتحدث الجراح عن نشأة مجلة “الجديد” والصداقة التي ربطته بالزبيدي ذاكرا أنه “ما كان لمجلة ‘الجديد’ التي ظهر عددها الأول مطلع العام 2015 أن ترى النور، لولا ذلك اللقاء الرائع الذي جمعني ذات مساء من ربيع العام 2012 بترتيب من بعض الأصدقاء بالراحل العزيز هيثم الزبيدي، وما كان للمجلة التي ستظهر إلى النور بعد ثلاث سنوات من ذلك اللقاء، أن تستمرّ في الصدور المنتظم شهريا ولست سنوات، ومن ثمّ دوريا لأربع سنوات وقد مرّ على صدورها اليوم عقد كامل، لولا إيمان الراحل بأهمّية وجود مجلة ثقافية عربية جامعة في ظلّ عالم عربي ممزّق تواجه قواه المجتمعية الحية منظومة الاستبداد السياسيّ من جهة، ودعوات النكوص الاجتماعي نحو هاويات التخلّف والظلام. ولا بد من منبر فكري يقاتل الظلام.”
صدور هذا العدد تأكيد على أن مغامرة "الجديد" مستمرة ما دامت تصدر بهمة كوكبة من كتابها المؤمنين بمشروعها النقدي
وأضاف “لعل من المفيد هنا الإشارة إلى أنّ مانيفستو المجلة الذي توافقنا عليه ونشر في عددها الأول ذهبت إحدى فقراته إلى التأكيد على أن ما من اشتراط على الأقلام التي ندعوها إلى المساهمة في الكتابة على صفحات الجديد، بعد شرط الجودة والموضوعية، إلا شرط احترام الاختلاف والالتزام بالرسالة التنويرية. فنحن نؤمن بحق الكاتب في التعبير عن آرائه من دون قيود، وبقدرة الأجيال الجديدة من القراء على تلقي الأفكار الجديدة، لها الحق في الاطلاع، ولديها القدرة على الاختيار. هذه القيم والمعايير هي، في نظرنا، ضوء السبيل الذي ينبغي علينا أن نجترحه ليكون لنا، نحن المثقفين، دور حقيقي في إنارة الطريق، ودحر موجات الظلام التي تدفقت تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.”
وشدد على أن الدكتور هيثم الزبيدي رعى بشجاعة وجرأة وأريحية، حرية الكاتب، وحرّية المحرر، وحرية رئيس التحرير في صناعة منبر عربي، سرعان ما التفت من حوله كوكبة كبيرة من الكتاب والنقاد والشعراء والفنانين، وأجمعت الحياة الثقافية العربية على فرادة تجربته ورأينا وجوب استمراره على النهج نفسه مهما كلف الثمن.
وكتب الجراح افتتاحية العدد الجديد من المجلة تحت عنوان “الشعر والوجود الشعري” مبرزا أنه “لا شعر من دون مغامرة مفتوحة ومتجددة مع اللغة، كل قصيدة جديدة هي أولا وأخيراً ثمرة عمل مع اللغة من نوع مختلف، ولا جديد شعريا في رحلة شاعر من دون اكتشاف سبل غير مطروقة في الكتابة، ليمكنه ابتكار عالم جمالي خاص، ولكن هل يمكن لهذا أن يتحقق من دون موهبة كبيرة صقلتها دربة في العلاقة مع اللغة، وثقافة موسوعية، وخبرة خاصة في العلاقة مع الأشياء؟ وموقف صريح من قضايا الإنسان في العالم؟ هل يكفي أن نحب الشعر حتى نكتب قصيدة؟”
وأضاف “للأسف هناك آفة تنتشر اليوم في تصورات فئة غير قليلة من كتبة الشعر تفيد بأن الكتابة الأدبية والشعرية لا تحتاج إلى موهبة وإنما إلى معرفة، وعلى هذا فإن كل من يملك شيئاً من شهوة الحضور ومعرفة ابتدائية باللغة يمكن أن تسول له نفسه أن يكون شاعراً.”
وشدد الجراح على أنه “لا وجود للشعر خارج المكان، أما زمن الشعر فهو زمن الأحلام، أحلام النوم العميق وأحلام اليقظة.”