"الجديد" تكشف معاني الخوف كما يراه الأدباء

لندن- تواصل مجلة “الجديد” في عددها لشهر يونيو الجاري مشروعها الثقافي الجدالي الذي تأسست عليه منذ سبع سنوات، إذ تنشر في عددها الجديد مقالات فكرية ونقدية وفنية وسجالا نقديا في قضايا أدبية ويوميات ومراجعات للكتب الجديدة وقصائد شعرية وقصصا ورسائل ثقافية لكتّاب من العالم العربي والمهاجر. وفي العدد ملفان الأول فكري والثاني أدبي.
وخصصت المجلة الملف الفكري لموضوع تتقاطع فيه الأفكار مع التأملات تحت عنوان “الخوف: هواجس الأنا والآخر في النص والعالم” شاركت فيه نخبة من الكتاب والمثقفين العرب.
وفي افتتاحية الملف كتب رئيس تحرير المجلة الشاعر السوري نوري الجراح أن “كل قصيدة جديدة تحمل في دفقها السري خوفا من الفشل. خوف يحمل على السؤال: هل الشاعر خالق فاشل أم هو شكاك لا يرحم؟ كل قصيدة جديدة هي بالضرورة إقرار بفشل ذريع لقصيدة سبقت، لعمل مع الكلمات لم يبلغ الكمال، وهو ما استدعى المحاولة ثانية، هكذا تولد القصائد بعد القصائد، والرؤى تتدفق من الرؤى، الخوف المستديم للشاعر من أنه لمسَ ولم يُصِب الأبعد مما يتموّج في المخيلة ويعتمل في الشعور”.

المجلة تبحث عن معنى الخوف وهواجس الأنا والآخر في النص والعالم وتنشر نصوصا ومقالات تواصل مغامرتها الثقافية
وبعد تنزيل الجراح لثيمة الخوف بداية من الشعر كتب الروائي التونسي أبوبكر العيادي مداخلة بعنوان “الخوف يقظة وتجاوراً”، لافتا فيها إلى أن الفلاسفة القدامى (من مدرسة القدريين إلى “رسالة انفعالات النفس” لديكارت) وضعوا العقل في مواجهة الخوف، وجعلوا قوة التأمل الفكري والاستدلال المنطقي العقلاني ضد فوضى الانفعالات الغامضة واللاعقلانية، وكانوا يركّزون على السيطرة، سيطرة الإنسان على انفعالاته، وتحكمه في أهوائه. أما في عصرنا الحاضر، فقد فشا الخوف وتعددت أسبابه، ولم يعد ردَّ فعلٍ حادًّا ومؤقتًا، بل صار معطى قارًّا لإقامتنا في العالم، وصورة أساسية لعصر الكوارث والأوبئة والحروب الذي نعيش فيه.
وفي ورقة بعنوان “الفن، الخوف الموت” كتب الكاتب السوري فارس الذهبي أن “الخوف فعل نبيل، لا يصدر إلا من الصادقين، في عالم لا أبطال فيه، بعد نزول الآلهة وأنصاف الآلهة من السماء إلى الأرض، وبعد فقد الأنبياء لقوتهم، حتى العلماء يخشاهم الله، حسب قراءة البعض لتنقيط مختلف للنص الديني. الخوف حقاً فعل منحدر من الآلهة، منتم إلى نبالة البشر، لكنه قد يخنق روح الخائف، أحياناً قول الحقيقة يقتل، والتعبير عن الذات مخيف، حتى لو كان التعبير حقيقةً عن الخوف“.
واعتبرت الشاعرة والروائية الجزائرية ربيعة جلطي حول “الخوف من القبلة: سلطة ضبط السمعي البصري”، قائلة “لست أدري لماذا تذكرتُ الفنان غوستاف كليمت ولوحتَه ‘القُبْلَة‘ (Le Baiser) وأنا أتابع تسابق الرقابة في البلدان العربية لتعليق مسلسلات تلفزيونية، أو إيقافها نهائيا عن البث على الشاشات، بسبب لقطات توسَم بأنها مخيفة وتجانِب الصواب الأخلاقيّ العام السائد في المجتمعات. الصواب الأخلاقي المخيم على عالمنا الملائكي”
وجاءت مساهمة الكاتب الفلسطيني أحمد سعيد نجم حول “الخوف من الخوف”، معتبرا فيها أن الخوف عبارة عن انفعالٍ شخصي محض، لذا لا يمكن تجسيده، أو الدلالة عليه، في مطرحٍ واحدٍ، ونقول عندها: هو ذا الخوف؛ عدوّكم الأكبر، فاجتنبوه. ففي النفس الخائفة لا خوف أقوى أو أقلّ، بل هنالك الخوف وحسب.
أما الروائي الجزائري أمين الزاوي فيتساءل “لماذا يخاف الكاتب العربي من القارئ؟”، مضيفا “إن كل مبدع عربي ومغاربي خارج عن “قطيع” الخاصة والعامة يعيش الرعب المستمر، فكلما أبدع قصيدة أو قصة أو رواية أو فيلما أو منحوتة أو لوحة، إلا وكان هناك من يتربص به، من يراقبه، من ينصب له المشنقة”.
وشدد الزاوي على أن الخوف الذي يعاني منه المبدع الحر النقدي في العالم العربي والمغاربي هو نتاج الواقع الذي أضحى فيه كل شيء يقاس بمقياس الدين السياسي، لقد “تديّن” المجتمع سياسيا كثيرا ولم يبق للمبدعين من هامش للحياة كما يتصورونها.
وكتب الشاعر والكاتب السعودي محمد الدميني حول “الخوف كنْزُنا الباقي”، موضحا أن “الخوف باقٍ لأنه يرتطم بالحقيقة الكبرى الباقية وهي: الموت. هذا معنىً أنثروبولوجي راسخ، ولكن إلى متى سيُصعّد الإنسان من خوفه ليصبح حجاباً حديدياً أمام المستقبل؟”.
وتحت عنوان “هذه الكلمة الموحشة” شدد الكاتب الليبي سالم الهنداوي على أن الخوف دائماً أمامنا، نأتيه دون أن ندري، ويأتينا ليفاجئنا متى يشاء، حتى في نومنا حين يهتزُّ بنا السرير فجأة بلا سبب، أو تصفق الريح نافذة الدار. لا يوجد خوف لماض، الخوف دائماً حاضر وفي مستقبلٍ مجهول. إنه أمامنا في حياتنا نعيشه في لحظة فزع لينتهي خلفنا مع أنفاسنا ودقّات قلوبنا”.
لذلك فالخوف، في رأيه، جميلٌ مهما أرعبنا وارتعبنا منه، والخوف جميلٌ حين يراودنا ويكون العازل الإيجابي في حياتنا بين العقل والعاطفة. وأكبر المخاوف بعد الخوف من الحياة عند الولادة، هو الخوف من الموت، وهو الذي يصاحبنا في مسيرنا كالظل، ونشمّ رائحته التي تشبه رائحة التراب.
أما الملف الأدبي للمجلة فقد كرسته الجديد لقصص وفصول روائية عربية “نبعة الريحان” لعواد علي “نهايات مؤسفة” لحسين المزداوي، “الطاووس الأبيض” لطارق عباس زبارة، “حكايتي مع باقة الورد” لحسين المزداوي، “وجبةٌ كاملة”، لعبدالله زمزكي، “قصص” لعبدالله المتقي، “وردة صغيرة”. لعزيز ستراوي.
كما نشرت قصائد للشعراء فاروق يوسف “قصائد من أجل الموتى”، أوس حسن “أشجار القلق”، بهاء إيعالي “حائطٍ واطئ”. وقدمت العديد من المقالات الأخرى.
وبهذا العدد تواصل الجديد” مغامرتها الفكرية والأدبية في ظل اضطراب ثقافي عربي وجغرافيات تحترق، وآلام إنسانية فاقت تصورات الفكر وخيالات الأدب عن الكوارث الفردية والجماعية، داعية المبدع والقارئ إلى تحدي اليأس بالأمل.