الجداريات تعيد الطمأنينة للجامايكيين في أحياء كينغستون المنبوذة

كينغستون - في السنوات الخمس الماضية التي أدار فيها ألفين ماكجوان مطعم أناليس، وهو مطعم في وسط مدينة كينغستون، لم ير الكثير من الأشخاص يتجولون في الجوار غير خائفين كما يرى اليوم، في مشهد رائع بالنظر إلى سمعة المنطقة على أنها غير آمنة.
قال ماكجوان (55 عاما) “كان الناس خائفين بعض الشيء من وصمة وسط المدينة في وقت من الأوقات، لكن الأمر مختلف الآن بفضل اللوحات الجدارية”.
وظهرت اللوحات المؤثرة على جدران عاصمة جامايكا كجزء من “بايت ذا سيتي”، وهو مشروع لمؤسسة كينغستون كرييتيف غير الربحية لإحياء منطقة وسط المدينة المهملة ودعم مجتمع الفنون المحلي.
ومنذ إطلاق المشروع في 2018، يقول السكان، إن المنطقة تبدو أكثر أمانا، كما أن تدفق الزوار القادمين لمشاهدة اللوحات يجلب الاهتمام والاستثمار.
وحتى الآن، انتشرت أكثر من 60 لوحة جدارية لفنانين محليين على جدران المباني في وسط المدينة وفي ووتر لين، وهو طريق ضيق داخل شوارع مليئة بالقمامة ومبان مهجورة بأبواب ونوافذ مغطاة بألواح خشبية.
وتعرض اللوحات الجدارية التجارب الشخصية للفنانين، مثل عبء ارتداء القناع أثناء الوباء، تكريما لموسيقيين مثل بوب مارلي وحتى أنها تخلق وهم وجود النوافذ على الحائط.
ويدمج بعضها الواقع المعزز، مما يجعلها تنبض بالحياة عند مشاهدتها من خلال كاميرا الهاتف.
أكثر من ستين جدارية لفنانين محليين تنتشر على حيطان المباني وسط المدينة وفي ووتر لين
وقالت أندريا ديمبستر تشونغ المديرة الإدارية في كينغستون كرييتيف، “لدينا هدفان، أحدهما يتعلق بالسكان والآخر حول المكان… الأول هو تطوير المبدعين في جامايكا، والثاني هو تطوير وسط المدينة”.
ووافق ما لا يقل عن 10 من أصحاب الأعمال على اعتماد جدرانهم، وكلفت الحكومة البلدية ووزارة الثقافة، وهما من شركاء المشروع، الجداريات للاحتفال بتراث جامايكا الموسيقي.
وقالت دوريس جروس مديرة الإبداع في كينغستون إن وزارة السياحة تساعد في تمويل رواتب الفنانين ومساعديهم والرسامين.
وبتمويل من مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، تدير كينغستون كرييتيف مركزا إبداعيا ومساحة عمل مشتركة وأحداثا وجولات في معالم وسط المدينة وتدريبا مجانيا على المهارات الرقمية والتجارية.
وتشكل المبادرات معا جهدا لتحويل المدينة إلى عاصمة إبداعية لمنطقة البحر الكاريبي، وفقا لموقع كينغستون كرييتيف الإلكتروني.
وتقول ديمبستر تشونغ إن التغيير يحدث بالفعل، متابعة “أعتقد أننا نجحنا في التأثير على منطقة وسط المدينة من حيث خلق فرص العمل وتوظيف المبدعين ومن حيث تطوير الفن العام”.
وفي حين اجتذبت كينغستون بعض الاستثمارات في السنوات القليلة الماضية، مع انتقال العديد من الشركات ووزارة حكومية، بالإضافة إلى خطة لبناء فندق فخم على الواجهة البحرية، لا يزال العديد من الجامايكيين يتجنبون المغامرة وسط المدينة.
وتبقى المنطقة التجارية معروفة للسكان المحليين على أنها نقطة ساخنة للجريمة وموطن الذين يعيشون في مبان مهجورة.
وأوضح ديلانو سيفيرايت كبير المستشارين في وزارة السياحة أن وسط البلد تدهور تدريجيا منذ سبعينات القرن الماضي، عندما تسبب الصراع السياسي والجريمة في فرار أصحاب الأعمال والمقيمين من المدينة.
لكن، على حد قوله، مبادرات كينغستون كرييتيف الآن تجذب المزيد من الاهتمام الإيجابي من المستثمرين والجامايكيين المحبين للفن، فضلا عن إعطاء السكان القريبين إحساسا جديدا بتقدير الذات.
وقال “ربما يكون من السابق لأوانه القول بشكل قاطع إن لهذا تأثيرا قويا على الاقتصاد والجريمة، لكنه جذب اهتمام الناس الذين لا يستثمرون عادة في وسط مدينة كينغستون”.
وقال أنتوني كلايتون أستاذ التنمية المستدامة بجامعة كينغستون إن جهودا مثل باينت ذا سيتي يمكن أن تجدد المجتمعات المهجورة.
وأضاف “يمكن أن يكون للتجميل دور في المساعدة على البدء في تغيير هذه المواقف”. لكنه تابع أن الفن ليس كافيا لتعويض 50 عاما من الضرر.
وتعاني جامايكا من تاريخ طويل من العنف السياسي وحرب العصابات، وسجلت العام الماضي أعلى معدل جرائم قتل في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وفقا لمؤسسة إنسايت كرايم الفكرية غير الهادفة للربح.
ويقول السكان المحليون ومنظمو المشروع إن المنطقة تبدو أكثر أمانا منذ أن بدأت اللوحات الجدارية في الظهور، لكن إحصاءات شرطة جامايكا ترسم صورة أكثر تعقيدا.
فمنذ 2017 ازدادت الجرائم الكبرى مثل القتل والاعتداء المشدد والاغتصاب وإطلاق النار. ومع ذلك، فقد تراجعت عمليات السطو والسرقة، بينما ظلت عمليات الاقتحام على حالها تقريبا.
وقال المتحدث باسم الشرطة دينيس بروكس، إن نشاط العصابات سبب في أنشطة الجريمة الكبرى.
وتابع، “هذا لا يعني أن (تزيين المدينة) ليس له تأثير. فإن مثل هذه تبث الحياة في المجتمعات”.
وتعني قيود الوباء أن كينغستون كرييتيف اضطرت إلى إيقاف معظم جولاتها وأحداثها مؤقتا، لكن اللوحات الجدارية لا تزال قيد الرسم.
ورسم إيرول كين، وهو مصمم غرافيك يبلغ من العمر 27 عاما، لوحة جدارية لمجموعة من النساء للتنديد بالاعتداء الجنسي.
وقال كين إن المشروع أدى إلى معرفة المزيد من الناس لاسمه، مضيفا، “يرى الناس هذه المساحة ويتم الارتقاء بها ويشعر الجميع بالرضا عنها. لا توجد رسومات على الجداريات”، مشيرا إلى أن المجتمع يفخر بها.
وقال أولي بانجرتر (52 عاما) مالك مطعم تقليدي،“منذ سنوات قال الجميع عن وسط المدينة إنه كان متسخا، والآن أدركوا أنه جميل ونظيف”.