الجائحة تصنع ربيع الاضطرابات في الأردن

شكلت الأزمة الصحية التي خلّفها تفشي وباء كورونا صدمة كبيرة للأردن، حيث عرت تراكم المشكلات بشكل غير مسبوق وبددت فرص تعافي الاقتصاد المشلول. فالوضع الذي بلغه البلد في نظر المحللين، والمبني على مؤشرات واقعية ملموسة، دليل واضح على الخلل في إدارة شؤون الدولة وعدم وضوح الرؤية وغياب الإرادة الحقيقية لتحسين الظروف الداخلية المتداخلة مع الأوضاع الإقليمية والدولية المعقدة.
لندن – يتحدى تفشي الجائحة التي تسببت في انحدار عدة مؤشرات وفي مقدمتها البطالة المرتفعة، استراتيجية العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لمواجهة الأزمة، ويهدد حكومة يُنظر إليها على أنها غير كفؤة وفاسدة ولم تفعل حتى الآن ما يجب أن تقوم به رغم مساعيها لعدم دخول الدولة في دوامة أعمق مما كانت عليه قبل ظهور فايروس كورونا.
وسجلت إحصاءات الإصابة بكورونا في البلد حتى الثلاثاء الماضي حوالي 8 آلاف حالة جديدة و97 حالة وفاة في يوم واحد. وفي نهاية شهر سبتمبر من العام الماضي، بلغ إجمالي عدد الوفيات 61 فقط، والآن ارتفع إلى أكثر من 6747. كما كان إجمالي عدد الحالات المصابة أقل من 10 آلاف حالة، والآن تجاوز نحو 605 آلاف حالة في دولة يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة.
وذكرت مؤسسة “عرب داجست” الاستشارية أن هذه الزيادة الكبيرة في أعداد الإصابة بالفايروس، والتي يُعتقد أنها ناجمة عن سلالة جديدة ظهرت في بريطانيا، قد فاجأت السلطات التي لم تكن مستعدة لمثل هذه الأزمة، رغم أن مؤسسات مالية دولية أشادت باستراتيجية الأردن الاستباقية في التعامل مع الوباء، الذي يبدو أنه صنع ربيع الاضطرابات في هذا البلد.
اقتصاد يئن
مرت ستة أشهر فقط على قيام البنك الدولي بالإثناء على الأردن على طريقة تعامله مع الأزمة، حيث قال في تقرير حينها “لقد كان أداء الأردن جيدا في تقليل الأثر الصحي لأزمة كورونا. وبعد فترة وجيزة من تفشي المرض، أعلنت الحكومة عن اعتمادها لمجموعة أولى من التدابير والحوافز لمعالجة السيولة الفورية وتكلفة التمويل لمختلف قطاعات الأعمال، وأطلقت كذلك تدابير لحماية الأسر الضعيفة والمعرضة لخطر الإصابة”.
والآن، ترى “عرب داجست” أن الاقتصاد الأردني يدخل في حالة من الفوضى العميقة في ظل تداعي الخدمات الصحية، والمستشفيات على وشك الانهيار. ومن الأدلة الواضحة على ذلك وفاة سبعة مرضى على الأقل في مستشفى عام في وقت سابق من هذا الشهر في مدينة السلط بعد نفاد إمدادات الأكسجين. وأدى ذلك إلى استقالة وزير الصحة نذير عبيدات من منصبه.
لكن ذلك لم يكن كافيا لقمع الاحتجاجات في الشوارع، فقد قُبض على العشرات في بلدات ومدن في جميع أنحاء البلاد وظهر الملك عبدالله الثاني على التلفزيون الرسمي للمطالبة بإنهاء الاحتجاجات قائلا “دعونا نغلق أبواب الحرب الأهلية التي أراها في بلدي”.
ولعل العاهل الأردني كان يأمل أن تؤدي إقالة وزير الصحة واعترافه بأن الفساد والمحسوبية والإهمال هي أسباب حدوث هذه الوفيات إلى تهدئة الغضب الشعبي. وقد أقال بالفعل وزيري الداخلية سمير المبيضين والعدل بسام التلهوني لتجاهلهما القيود المفروضة على تفشي الوباء، لكن فقدان ثلاثة من كبار أعضاء حكومته في غضون أيام لم يفعل شيئا لتعزيز ثقة الأردنيين في تعامله، وكذلك في تعامل الحكومة، مع الزيادة في أعداد الإصابة.
وهذا الغضب الشعبي يتغذى كذلك على الاقتصاد الفاشل وحدوث قفزة هائلة في أعداد البطالة التي وصلت في الربع الأول من العام الماضي إلى 19 في المئة. ومنذ ذلك الحين بدأ المؤشر في التصاعد دون توقف إلى ما يقرب من 25 في المئة في الربع الأخير من 2020.
ويرجع المحللون ذلك إلى انهيار قطاع السياحة والضيافة في الأردن، وانخفض عدد الوافدين بنسبة 85 في المئة، مما أدى إلى شل صناعة توظف عشرات الآلاف من الشباب الأردني.
وبحسب الأرقام الرسمية، فقد ساهم القطاع في عام 2019 بنسبة 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي نحو 8.8 مليار دولار. ولكن كان ذلك قبل انتشار الوباء في جميع أنحاء العالم.
خبراء يرون أن الاقتصاد الأردني يدخل في حالة من الفوضى العميقة في ظل تداعي الخدمات الصحية، والمستشفيات على وشك الانهيار
وعلى الرغم من أن الحكومة أدارت الوباء بشكل جيد في المراحل الأولى، إلا أنها لم تستطع فعل أي شيء حيال قيود السفر العالمية التي أوقفت تدفق السياح إلى العاصمة عمان وإلى مواقع مثل البحر الميت والبتراء. ويقول رئيس نقابة الفنادق الأردنية إن الحجوزات في فنادق البحر الميت انخفضت إلى 10 في المئة والبتراء إلى الصفر.
وقالت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس في أحدث تقرير لها عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن القطاع لن يشهد سوى القليل من الانتعاش في المستقبل القريب لأن الارتفاع الأخير في حالات الإصابة بفايروس كورونا في المنطقة يضيف إلى أسباب الاعتقاد بأن الانتعاش في السياحة بعيد المنال إلى حد ما.
ويبدو أن الحكومات في جميع أنحاء العالم، على أي حال، تبدو مترددة بشكل متزايد في الانفتاح على السفر الدولي وسط مخاوف من استيراد أنواع وسلالات مختلفة من الفايروس.
وليست السياحة وحدها هي التي تضر بالاقتصاد، حيث أظهرت أرقام الإنتاج الصناعي الأردني أن وتيرة الانخفاض تسارعت من 7 في المئة على أساس سنوي في نهاية العام الماضي إلى 10.2 في المئة على أساس سنوي في يناير الماضي.
وقاوم رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، الذي خلف عمر الرزاز، حتى الآن إعلان إغلاق جديد، خوفا بشكل مبرر من تكثيف دوامة الانحدار الاقتصادي. ولكن حتى لو تمكن نظام الرعاية الصحية في البلاد من إدارة الزيادة بشكل فعال بينما تقنع الحكومة الأردنيين الغاضبين بالابتعاد عن احتجاجات الشوارع، فإن مستقبل الاقتصاد سيظل قاتما.
معضلة إسرائيل

لا تساعد العلاقات مع إسرائيل، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها، الوضع في الأردن كذلك. فقد بدأ آخر الخلافات بين الطرفين بنزاع في مطلع مارس حول زيارة ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى المسجد الأقصى في القدس.
وتصاعد التوتر إلى مواجهة استفزازية تجلت في منع الأردن لطائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي كانت متجهة إلى أبوظبي قبل الانتخابات الإسرائيلية، بالمرور في مجاله الجوي.
دلائل على سوء الوضع
- 6747 عدد الوفيات بكورونا حتى الآن قياسا بنحو 61 وفاة في سبتمبر 2020
- 605 آلاف إصابة بكورونا حتى الآن قياسا بعشرة آلاف حالة في سبتمبر 2020
- 25 في المئة معدل البطالة بنهاية 2020 قياسا بنحو 19 في المئة قبل عام
- 1 في المئة عدد السكان الذين تم تطعيمهم حتى الآن من أصل 10 ملايين نسمة
- استقالة وزير الصحة نذير عبيدات بسبب وفاة مرضى لنقص إمدادات الأكسجين
- إقالة وزيري الداخلية سمير المبيضين والعدل بسام التلهوني لتجاهلهما قيود الإغلاق
- نتنياهو رفض تزويد الأردن باللقاحات ردا على منع مرور طائرته في رحلة إلى أبوظبي
- إسرائيل تتلكأ في الرد على طلب أردني للحصول على حصة إضافية من مياه نهر الأردن
وكان نتنياهو يأمل في تحويل التطبيع مع الإمارات إلى أصوات انتخابية في الداخل من خلال عقد لقاء بينه وبين ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، لكن بسبب الموقف الأردني تم إلغاء الاجتماع، الذي كان يمثل انتصارا لرئيس وزراء إسرائيل الأطول خدمة، فجأة.
ومع ذلك، كان رد فعل نتنياهو على ما قامت به عمّان تجاهه ساخرا ومقلقا في الوقت ذاته فقد تجاهلت إسرائيل مساعدة الأردن وشمل ذلك تأخير تصدير اللقاحات للبلد الذي لم يقم بتطعيم سوى واحد في المئة من السكان دون اعتبار أعداد اللاجئين وأغلبهم من سوريا.
وكتب عاموس هاريل في مقال بصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الجمعة الماضي، أن “نتنياهو لم يستجب لطلب أردني للمساعدة بينما لعب لعبة ‘المكافأة الدبلوماسية’، حيث كافأ دولا صديقة، من سان مارينو إلى غواتيمالا، باللقاحات”.
وبالنظر إلى أن إسرائيل هي رائدة العالم في تطعيم السكان باستثناء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن مثل هذا الموقف غير المتسامح لا يمكن التغاضي عنه. والأسوأ من ذلك هو تأخر نتنياهو في تلبية طلب الأردن العاجل للمياه.
ويشير هاريل إلى أنه “وفقا لاتفاقية السلام (1994)، تنقل إسرائيل بانتظام المياه التي تضخها من نهر الأردن إلى الأردن، الذي يطلب في كثير من الأحيان حصصا إضافية عندما يعاني من نوبات الجفاف ولا يجد في الغالب مانعا من إسرائيل”.
وأضاف “كان آخر طلب قدم هذا الشهر وناقشته لجنة مشتركة من الدولتين. واجتمعت اللجنة الأسبوع الماضي، لكن على الرغم من توصيات المختصين، أخر نتنياهو ومجلس الأمن القومي إجابتهما بشكل يدل على نيته رفض الطلب”.
ومن هذا المنطلق ترى “عرب داجست” أنه لا عجب في أن الملك عبدالله الثاني (إلى جانب العديد من الإسرائيليين) سوف يأمل في أن يؤدي الفشل الذريع في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة إلى مغادرة نتنياهو، الملقب بـ”بيبي”.