الثورة التي تحولت إلى حرب أهلية: هل يحق لليبيين أن يتفاءلوا بحكومة باشاغا؟

الخامس عشر من فبراير 2011 سيبقى محفورا في ذاكرة الليبيين، خصوصا أهالي مدينة بنغازي. في هذا اليوم تم اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم، فتحي تربل، فخرج أهالي الضحايا ومناصروهم مطالبين بالإفراج عنه.
لو أن المسؤولين علموا آنذاك ما سيترتب عن الحادث، لرجعوا بعقارب الساعة إلى الوراء.
سرعان ما تحول المطلب إلى تظاهرة تطالب بإسقاط النظام وإسقاط العقيد القذافي شخصيا. الخطأ الأول تبعه خطأ ثان حيث تدخلت الشرطة مستخدمة العنف ضد المتظاهرين.
كانت الأجواء مهيأة للانفجار، ليس فقط بسبب الوضع الداخلي المتدهور سياسيا واقتصاديا، بل بتأثير ما يحدث في البلدين المجاورين غربا وشرقا، حيث امتدت أحداث تونس التي أدت إلى إسقاط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى مصر لتسقط نظيره المصري حسني مبارك.
◙ وإن نجح مجلس النواب الليبي في طبرق في اختيار وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا ليكون رئيسا جديدا للحكومة خلفا لعبدالحميد الدبيبة، فإن هناك مخاوف من عودة الانقسام السياسي إلى مربعه الأول
كانت ليبيا جاهزة لتكرر ما أطلق عليه اسم “الربيع العربي”. في اليوم التالي انتفضت رقدالين والجميل والعجيلات في غرب البلاد، ولكن البيضاء هي من قدمت الشهيد الأول للثورة يوم السادس عشر من فبراير. تلت الحادث مظاهرات في مدينة البيضاء مطالبة بإسقاط النظام، أطلق خلالها رجال الأمن الرصاص الحي على المتظاهرين.
في نفس اليوم خرج أهالي مدن جبل نفوسة، الزنتان ويفرن ونالوت والرجبان، وقام المتظاهرون في العجيلات بحرق مقر اللجان الثورية، ومركز الشرطة المحلي، ومبنى المصرف العقاري بالمدينة. وازدادت الاحتجاجات اليوم التالي وسقط المزيد من الضحايا. وجاء يوم الخميس السابع عشر من فبراير ليشهد انتفاضة شعبية شملت بعض المدن الليبية في المنطقة الشرقية فتوسعت الاحتجاجات بعد سقوط أكثر من 400 ما بين قتيل وجريح برصاص قوات أمن ومرتزقة قيل آنذاك إنه تم جلبهم من خارج ليبيا.
قاد هذه الثورة شبان طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. كانت الثورة في البداية عبارة عن تظاهرات واحتجاجات سلمية، ولكن مع تطور الأحداث وقيام كتائب تابعة للقذافي باستخدام الأسلحة الثقيلة والقصف الجوي لقمع المتظاهرين، تحولت إلى ثورة مسلحة تسعى لإسقاط القذافي الذي قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة.
وبعد أن أتم المعارضون سيطرتهم على الشرق الليبي أعلنوا قيام الجمهورية الليبية بقيادة المجلس الوطني الانتقالي. وفي العشرين من أغسطس انتفضت العاصمة طرابلس، ونجح الشباب في إسقاط القذافي ومعه العاصمة في تسع ساعات، بعد أن رفضت الكتيبة المكلفة بحماية المدينة والنظام القتال رغبة منها بحقن الدماء.
بعد ثلاثة أشهر، يوم العشرين من أكتوبر تم قتل القذافي في مدينة سرت بطريقة وحشية حرص مرتكبوها على الاحتفاظ بصور لها، وكأنما أرادوا بذلك أن تكون وثيقة تدين الليبيين.
ومع ذلك، توقعنا أن تنعم البلاد بالهدوء ويعم الخير على الجميع، وتتحقق مطالب الشباب بالعدالة الاجتماعية، ويتم احترام الحريات ويزدهر الإعلام، خاصة وأن ليبيا تتميز عن جارتيها بثرواتها الطبيعية الهائلة ومساحتها الجغرافية الشاسعة وعدد سكانها المحدود.
في ليبيا ما يكفي الجميع وما يكفي لتحقيق فردوس أرضي.
ولكن، على عكس ما توقع الجميع، ليس فيها ما يكفي لعصابات جشعة أرادت أن تستولي على كل شيء. وسرعان ما انقلبت ثورة الشباب إلى حرب أهلية.
رحل الدكتاتور، ورحلت معه حاشيته وأتباعه المقربون، ومرت عشر سنوات وست حكومات والحصيلة هي الفشل. النجاح الوحيد هو تعميم ثقافة الفساد والرعب، بعد أن تم استبدال الجيش الوطني والمؤسسة الأمنية المحترفة بميليشيات مسلحة مأجورة من مرتزقة ليبيين وأجانب، ولاؤهم الأول بعد المال لقوى أجنبية أمدّتهم بالسلاح.
لاكتمال المسرحية كان لا بد من خلق كيان يجمع الأطراف المتصارعة فكانت ولادة فكرة المجلس الأعلى للدولة، هذا الكيان الهجين الذي وقع عليه 22 برلمانيا ليبيا في مدينة الصخيرات في المغرب بتاريخ السابع عشر من ديسمبر 2015 بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر، فقط من أجل إعادة تدوير التيار الخاسر في تشريعيات يونيو 2014.
في مارس شكلت حكومة انتقالية بعد حوار بين الأطراف الليبية رعته الأمم المتحدة. وحددت مهمة الحكومة بقيادة المرحلة الانتقالية إلى انتخابات رئاسية وتشريعية كانت مقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي، لكن تعذر إجراؤها بسبب عقبات أمنية وقضائية وسياسية.
وإن نجح مجلس النواب الليبي في طبرق في اختيار وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا ليكون رئيسا جديدا للحكومة خلفا لعبدالحميد الدبيبة، فإن هناك مخاوف من عودة الانقسام السياسي إلى مربعه الأول، مع رفض الدبيبة تسليم السلطة إلا بعد إجراء الانتخابات.
وبينما يؤكد الدبيبة أنه لن يقبل سلطة موازية، يعتبر مجلس النواب حكومة الدبيبة منتهية الولاية.
◙ الخامس عشر من فبراير 2011 سيبقى محفورا في ذاكرة الليبيين، خصوصا أهالي مدينة بنغازي. في هذا اليوم تم اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم، فتحي تربل، فخرج أهالي الضحايا ومناصروهم مطالبين بالإفراج عنه
وبعد أسبوعين من قرار التكليف يعلن باشاغا عن جاهزية التشكيلة الحكومية وإحالتها لمجلس النواب.
هل من حق الليبيين أن يتفاءلوا بالحكومة الجديدة المرتقبة؟ أم ستكون تكرارا لحكومات سابقة؟
المهمة لن تكون سهلة والملفات المطروحة كثيرة ومعقدة، بدءا من نزع سلاح الميليشيات ومحاربة الفساد وانتهاء بتحسين أوضاع الليبيين.
المطلوب أولا، تنظيم البيت الليبي من الداخل وذلك بوضع برنامج واضح وشفاف وإشراك المجتمع المدني في عمليات الرقابة خاصة بما يخص مؤسسة النفط الليبية التي يجري نشاطها حاليا بعيدا عن الشفافية وبعيدا عن رقابة البنك المركزي.
ومن الضروري تقديم الدعم لمكتب النائب العام، الذي يحاول جاهدا محاربة الفساد والمفسدين دون جدوى.
بهذا فقط يمكن حماية ثروات البلاد من نفط وغاز ومعادن ثمينة تهرب لتستفيد منها حفنة من الفاسدين واللصوص ودول تآمرت على ليبيا.
والمطلوب ثانيا، تحسين العلاقات مع دول الجوار. يجب ألا ينسى الليبيون ما قدمته تونس ومصر من دعم لهم أثناء الثورة وما بعدها، ويتم إشراكهما في برامج التنمية وإعادة البناء، حتى لا تذهب حصة الأسد لتركيا.
والمطلوب ثالثا، الاهتمام بتحسين العلاقات الدبلوماسية الليبية مع دول العالم، التي عانت الكثير من التدهور خلال السنوات العشر الماضية.
بعد هذا فقط يحق لليبيين أن يتفاءلوا بحكومة باشاغا.