التونسيون ينتخبون قيس سعيد دعما للحرب على الفساد

تونس – يمثل الفوز الكاسح للرئيس التونسي قيس سعيد بولاية رئاسية ثانية اعترافا من الناخبين بدعمهم مسار الحرب على الفساد والاحتكار التي هيمنت على اهتمامه خلال ولايته الأولى، لكنهم يظلون بانتظار تجسيم شعار حملته الانتخابية “البناء والتشييد”، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تحريك مشاريع التنمية على نطاق واسع والقطع مع الوعود.
في مقابل ذلك خسرت المعارضة رهانها على الانتخابات كورقة مهمة لهزْم قيس سعيد بعد أن خسرت أيضا هدف كسب تعاطف الشارع ما دفع إلى تقلص هامش تحركاتها.
وأعلنت هيئة الانتخابات، في مؤتمر صحفي مساء الاثنين، فوز الرئيس سعيد بولاية ثانية بنسبة 90.69 في المئة من الأصوات، فيما حصل المرشح العياشي زمال على 7.35 في المئة، وزهير المغزاوي على 1.97 في المئة.
الناخبون يدعمون فكرة أن يكون الحكم بيد شخصية قوية تكون قادرة على ضبط الأمور ويرفضون فكرة تشتيت السلطات
ورغم المخاوف من نسبة مشاركة ضعيفة وشبيهة بنتائج الانتخابات البرلمانية أو المجالس المحلية، توجه التونسيون بأعداد ملحوظة إلى صناديق الاقتراع، ما يدعم تفسير الرئيس سعيد لمحدودية المشاركة في الانتخابات البرلمانية حين قال “إن سبب العزوف هو ما انطبع في أذهان الناس عن البرلمان من كونه مؤسسة للصراعات والفوضى، لكن الانتخابات الرئاسية أمر آخر مختلف تماما”.
وتؤكد المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأحد أن الناخبين يدعمون فكرة أن يكون الحكم بيد شخصية قوية تكون قادرة على ضبط الأمور والحفاظ على قوة الدولة ويرفضون فكرة تشتيت السلطات والصلاحيات، كما حصل منذ 2011 حتى يوليو 2021.
ويعتبر ارتفاع نسبة المشاركة بمثابة استفتاء داعم لخيارات قيس سعيد في السنوات الثلاث الأخيرة ولصورته كشخصية نظيفة ومن خارج الفضاء الحزبي التقليدي، وداعم لحربه على الفساد والمحتكرين ومحاولات تخريب الدولة، ما يعني تصديق خطابه عن المؤامرات، وهو خطاب يقابل من بعض المعارضين بالتهوين والتسخيف.
لكن مراقبين يرون أن انحياز الناس إلى قيس سعيد ضد خصومه ليس ورقة على بياض، وأن الناخبين يريدون رؤية برنامج الرئيس في ولايته الثانية وكيفية تنزيل شعار “البناء والتشييد” والتعرف على مدى قدرة الدولة على تحقيق انتظارات الناس من تحسين للمعيشة وتحريك للاقتصاد ودعم للمؤسسات الصغرى والمتوسطة مع الحفاظ على دور الدول الفعال في المراقبة والمحاسبة.
ونزل أنصار قيس سعيد إلى الشارع الرئيسي بالعاصمة تونس ليل الأحد محتفلين بعد أن أظهر استطلاع للرأي بث على التلفزيون الرسمي فوزه بنتيجة كاسحة على منافسين اثنين أحدهما يقبع في السجن.
وواجه سعيد في انتخابات الأحد حليفه السابق رئيس حزب الشعب زهير المغزاوي الذي تحول إلى معارضته، والعياشي زمال الذي سُجن الشهر الماضي بتهمة تدليس وثائق انتخابية.
وفي أول تعليق قال قيس سعيد للتلفزيون الرسمي “ما نعيشه هو استكمال للثورة.. سنبني ونشيد وسنطهر البلاد من الفاسدين والخونة والمتآمرين”.
وفي شارع الحبيب بورقيبة رفع المحتفلون صور سعيد والعلم التونسي، وهم يهتفون “الشعب يريد البناء والتشييد”. وقال محسن إبراهيم الذي كان بين المحتفلين “نفرح لأنه خدم الدولة وليس مصلحته الشخصية، بل يعمل من أجل مصلحة الشعب والدولة”.
وفي مقر الحملة الانتخابية قال نوفل سعيد، شقيق الرئيس سعيد ومدير الحملة، “فوز كبير والشعب قال كلمته”. وأضاف “بهذه النسبة الكبيرة أصبح سعيد الرئيس الرمز.. ولا سبيل لبناء مستقبل جديد دون منسوب ثقة كبير”.
ويرى الخبير في الشأن المغاربي الفرنسي بيار فيرميرين أنه حتى لو كانت “الشرعية الديمقراطية” لهذه الانتخابات “ضعيفة” مع تواضع نسبة المشاركة، فإن “تونس لديها رئيس وأغلب التونسيين سمحوا بذلك”. وأظهرت الانتخابات أن قيس سعيد لا يزال يحظى بشعبية بين الناس على عكس المعارضة التي خسرت على مختلف الواجهات.
اقرأ أيضا:
ومنذ يوليو 2021 ما فتئت المعارضة تلجأ إلى الشارع للاحتجاج على خيارات قيس سعيد، لكن ظهورها في الشارع تراجع بشكل تدريجي حتى باتت عاجزة عن تجميع العشرات من الأنصار، بما في ذلك جبهة الخلاص التي تمثل حركة النهضة محورها الأساسي.
وعكست الانتخابات هذا التراجع بعد أن دعت أحزاب وشخصيات من مختلف الاتجاهات إلى التصويت لزمال من باب مناكفة قيس سعيد، لكن النتيجة كانت متواضعة تماما مثل نتيجة المغزاوي التي تعكس محدودية حضور حزبه حركة الشعب في الشارع. ولا يعتبر رفض المرشحين المنافسين لقيس سعيد النتائج الحاصلة سوى محاولة للتقليل من وقع الهزيمة.
وعبر المشرفون على حملة زمال عن “الرفض القاطع للنتائج المنشورة في انتظار النتائج الأولوية”، وأنهم “على ثقة تامة من مرور المرشح العياشي زمال إلى الدور الثاني”.
من جانبه قال المرشح المغزاوي، في مؤتمر صحفي بمقر حملته في العاصمة تونس، “مع الأسف الشديد نتائج سبر الآراء التي تم الإعلان عنها في التلفزيون الرسمي غير صحيحة ومجانبة للصواب، وكل المعطيات المتوفرة لدينا تؤكد ذلك”.
وأعلنت هيئة الانتخابات مساء الأحد أن نسبة المشاركة بلغت 27.7 في المئة، مقابل 45 في المئة خلال الجولة الأولى من انتخابات عام 2019. وهذا أدنى معدل مشاركة في الانتخابات الرئاسية منذ ثورة 2011 في الدولة التي اعتبرت مهد ما سمي “الربيع العربي”.
وشارك في الانتخابات 65 في المئة من المسجلين (9.7 مليون ناخب مسجل) من الفئة العمرية بين 36 و60 عاما، بينما قاطعتها فئة الشباب بين 18 و36 عاما ولم يشارك منها سوى 6 في المئة، والتي كان لها الفضل في فوز قيس سعيّد عام 2019.