التونسيون يستدينون ويتشاركون للاحتفال بـ"العيد الكبير"

الخروف عادة اجتماعية يصعب التخلي عنها.
الخميس 2024/06/06
الأسعار تفوق قدرة العائلات

فرض غلاء أضحية العيد هذا العام على العديد من الأسر التونسية أن تشترك في خروف واحد حتى لا تحرم أطفالها فرحة العيد. كما اضطرت أسر أخرى للتداين لشراء الأضحية التي أصبحت عادة اجتماعية يصعب التخلي عنها أكثر من كونها شعيرة دينية مرتبطة بالقدرة على أدائها. ويرتبط عيد الأضحى لدى التونسيين باللمة العائلية وبطقوس تختلف من أسرة إلى أخرى حسب الجهات.

تونس ـ لم يثن تصاعد الدعوات إلى مقاطعة أضاحي العيد، وسط ارتفاع حاد لأسعارها، عددا من العائلات التونسية عن شرائها إما عن طريق الاستدانة أو الاقتراض من البنوك أو بواسطة اشتراك عدد منها في خروف واحد.

ويمثل عيد الأضحى واحدا من أهم المواسم الاستهلاكية لدى التونسيين، كما يمثل الخروف عادة اجتماعية يصعب التخلي عنها.

وتختلف عادات الشعوب العربية والإسلامية وتقاليدها في الاحتفاء بهذا العيد الذي يسمى في تونس بـ”العيد الكبير” والاستعداد له، وللشعب التونسي عادات تميّزه عن باقي المجتمعات العربية خاصة أن التونسي يولي هذه المناسبة أهمية كبيرة ويحرص على التحضير لها جيدا.

ولا يتعامل عدد من الأسر في تونس مع الخروف على أنه أضحية وشعيرة دينية مرتبطة بالقدرة على أدائها، بل يتعاملون معه كعادة تصعب مقاطعتها، لذلك يحرصون على شرائه مهما كانت ظروفهم المادية صعبة خصوصا إذا كان للعائلة أطفال صغار.

61

في المئة من التونسيين يختارون أضاحيهم بحسب إمكانياتهم المادية فيما يشتري 23 في المئة الأضحية حسب النوعية

وقالت آمال بن زكري (45 عاما) ربة بيت وأم لثلاثة أطفال “لا يمكن أن أترك أطفالي دون أضحية، أتداين ولا يحرم أطفالي من فرحة العيد”. وأضافت لـ”العرب” أنها اشترت منذ يومين خروفا لا يزيد سعره عن 800 دينار استلف زوجها نصف ثمنه من أحد الجيران المقتدرين، على أن يسدد له المبلغ على شهرين.

وأكدت الأم أن الأطفال ينتظرون العيد بلهفة كبيرة ليحتفلوا بالخروف على طريقتهم الخاصة لذلك لن تدخر جهدا في إحضاره مهما ارتفع ثمنه وغلا سعره.

وتراوحت أسعار الأضاحي هذا العام بين 800 و1500 دينار مما يعني أن معدل السعر في حدود 1150 دينارا.

وقال فتحي بن يحيي (63 عاما) متقاعد وأب لثلاثة أولاد إنه لن يستطيع شراء الأضحية بمفرده هذا العام لذلك قرر الاشتراك في خروف مع أخيه الأعزب الذي يقاسمه نفس المنزل.

وشرح لـ”العرب” أن هناك عادات لا يمكن أن يتخلى عنها وهي عادات تعطي للعيد نكهة خاصة، من ذلك لم شمل العائلة وتحلق الأطفال حول كانون الفحم لشواء اللحم وإعداد بعض الأكلات الخاصة.

وقال أحمد الأبيض الدكتور المختص في علم النفس في تفسير علاقة التونسي بالأضحية لـ”العرب”: “إن الحياة  فيها أشياء تحكمها، في البداية يكون الإقبال عليها أوليا ثم تصبح جزءا أساسيا من نمط الحياة وتصبح من حكم العادة”، وشيء جيد أن تصبح شعيرة من شعائر الدين الإسلامي نوعا من العادة حلى حد قوله.

وأضاف يجب أن نعيد الاعتبار للقيم المترافقة مع هذه الشعيرة ومنها أن أجزاء من الأضحية تذهب كصدقة.

هناك عادات لا يمكن أن نتخلى عنها وهي عادات تعطي للعيد نكهة خاصة، مثل لم شمل العائلة وتحلق الأطفال لشواء اللحم

ويتميز عيد الأضحى بالكثير من الطقوس والمظاهر الاحتفالية والمعتقدات الشعبية بدءا من اقتناء خروف العيد إلى ذبحه وتقطيعه، ومن العادات المعروفة كذلك اجتماع شمل الأسر، حيث يفضل أفرادها قضاء هذه المناسبة الدينية السعيدة بين الأقارب وولائم الطعام في جوّ من الغبطة والابتهاج.

وصباح يوم العيد، ينظم التونسيون، خاصة من سكان الأحياء العتيقة بمدينة تونس “خرجة العيد” في اتجاه المساجد هناك، لجمع أكبر عدد ممكن من المصلين، وخرجة العيد هي مسيرة يتجمع فيها المصلون نساء ورجالا، هاتفين “الله أكبر الله أكبر ولله الحمد لا إله إلا الله”، مرورا بمنازل الحي وأزقته ليلتحق بهم السكان ويتجهوا أفواجا لأداء صلاة العيد.

ومن بين أبرز العادات التي ينفرد بها التونسيون دون سواهم ما تقوم به العائلات بعد شراء الأضحية من تخضيب الخروف بالحنّاء، بالإضافة إلى كل أصناف الزينة التي قد يبدعها الأطفال على غرار الشرائط الملونة التي يقومون بربطها في صوف الخروف و قرنيه.

وتستيقظ النساء صباح يوم العيد، باكرا لتهيّئ الفطور وتحضر الخبز “الطابونة” وخبز “الملاوي”، فيما يستيقظ رب الأسرة ليتوجه إلى الجامع لأداء صلاة العيد ويعود ليباشر عملية الذبح.

ومن الطقوس المعروفة في عيد الأضحى عند بعض الأسر تعمد الزوجة لتلقي أولى قطرات الدم في آنية تحتفظ بها إلى أن تجف، حيث يتم حسب معتقداتهن تبخير الأطفال الصغار ببعض منه، لإبعاد العين الشريرة والسحر.. فيما تعمد بعض النساء إلى غمس أيديهن في الدماء وطلائها على جدران البيت، لإبعاد عين الحسد حسب اعتقادهن.

وفي اليوم الثاني يشرع في تقطيع الخروف، لاختيار الأجزاء التي تصلح لإحضار أنواع من الأكلات، ولا يتمّ تقطيعه إلاّ في اليوم الثاني بعد أن يجفّ من الدماء ويعتقد كبار السنّ بأنّه لا يجب مسّ الخروف وتقطيعه في يوم العيد بل يجب تركه ليحجّ كاملا ليلتها، فيتمّ تعليق الكبش وشدّه بقطعة من الخيط الرفيع ليتم بعد ذلك تعريضه لأشعة الشمس ونفس العمليّة تجري على “القديد” (لحم مملح) لكن دون لفه، حيث يتمّ تشريح اللحم وتعليقه في حبل ليتعرض إلى أشعة الشمس مع مزجه بالتوابل، ثمّ يخزن للطبخ لمدة طويلة.

Thumbnail

كذلك هناك من الطقوس من يأكل كبد الكبش نيّئة وغير مطبوخة خاصة عند النساء وينصح الأطباء من يقومون بذلك أنّه لا يجب أن تتجاوز توقيت ربع ساعة بعد الذبح لكي لا تكون لها تأثيرات سلبيّة بينما يتجنّب العديد هذه العادة. وتقوم بعض من العائلات التونسية بتعليق مرارة الكبش ليعتقد البعض أن المرارة الممتلئة رمز لموسم خصب، بينما تقوم أخريات بنثر “الملح” على دماء الأضحية لإبعاد السوء ومسّ الجنّ والشيطان عمّن يمرّ بجواره.

وللأطفال كذلك في يوم العيد طقوسهم الخاصة، حيث تجتمع الفتيات الصغيرات وتعمد كل واحدة إلى قطع بعض القطع المحبّبة لها من أضحية العيد، ثم يجتمعن ويقمن بطهي ما تجمع لديهن من اللحم والخضر في أواني طبخ صغيرة ثم إعداد أول أكلة جماعية يتدربن من خلالها على تحمل الأعباء المنزلية مستقبلا وتسمى “الزقديدة” وهي من العادات المتوارثة منذ القدم.

أما الأطعمة التي تعوّدت العائلات التونسية على تحضيرها يوم العيد فتكون حسب الجهات فعند العائلة الصفاقسيّة أو الساحل يتمّ طبخ “المرقة الحلوة” و”البازين بالقلاية”، بينما تعمد عائلات الشمال على طبخ أرز الخضار المتبقيّة من بقايا تحضير “العصبان” (أكلة تصنع بأحشاء الخروف)، ويطبخ الآخرون القلاية و”السلطة المشوية” أما في جهة الشمال الغربي فطعامهم المفضل يوم العيد “الكمونيّة.

ومن المهن التي تزدهر خلال هذه المناسبة الدينية في تونس لاسيما في الأوساط الشعبية، فتسيطر تدريجيا على شوارع وأزقة ودروب مختلف أحياء المدن والقرى، بيع معدات الذبح والطهي، وسنّ السكاكين وشحذها، وبيع أواني الفخار ومعدات “الشواء”، كما تنتعش تجارة الفحم، وغيرها من المهن التي لا يكتمل العيد إلا بوجودها والتي تنتهي صلاحيتها بانتهاء العيد.

وبينت دراسة أجراها المعهد التونسي للقدرة التنافسية والاقتصاد الكمي أن احتياجات التونسيين من أضاحي العيد تتمثل في 900 ألف خروف وأن العرض عادة ما يتفوق على الطلب ما يسبب فائضا في الإنتاج غير أن فائض الإنتاج لا يؤثر بشكل ملموس على الأسعار ومن هنا فإن كلفة عيد الأضحى تناهز في المعدل 1035 مليون دينار، مما يعني أن تنامي ضعف الإقبال على صعيد شراء الأضاحي يعتبر مكلفا للغاية.

وكشفت الدراسة ذاتها أن 61 في المئة من التونسيين يختارون أضاحيهم بحسب إمكانياتهم المادية فيما يشتري 23 في المئة الأضحية حسب النوعية و19 في المئة حسب الشكل و34 في المئة تعود شراءاتهم للأضحية حسب عدد أفراد الأسرة والوزن.

وتجد دعوات مقاطعة الأضاحي صدى لدى منظمة إرشاد المستهلك التي طالبت بالاقتداء بتجارب دول ألغت شعيرة الأضحية لعام واحد من أجل ترميم القطيع وتحسين العرض والحد من ارتفاع الأسعار. وقال رئيس  المنظمة لطفي الرياحي إن الأسر المنهكة بغلاء المعيشة قد تضطر إلى المزيد من الاستدانة من أجل شراء أضحية العيد.

15